السياسة والاقتصاد في تحولات المشهد الانتخابي الأوربي
كما هو الوضع عشية أي استحقاق انتخابي في البلدان الأوربية، ترخي تقلبات السياسات، ولاسيما الخارجية منها المرتهنة لواشنطن، واستفحال الأزمة الاقتصادية المعيشية على وقع الأزمة الرأسمالية العالمية، بظلالها الثقيلة على المشهد الانتخابي في تلك البلدان، مهددة النخب الحاكمة في استمرار حكمها، ودافعة القوى المضادة للانقضاض والتشويش، من دون أن تكون في كل الحالات تعبيراً عن بديل حقيقي.
اليونان: احتجاجات شعبية وانتخابات مبكرة
على خلفية سلسلة الفضائح التي طالتها تسعى الحكومة اليونانية خلال شهر من الآن إلى إجراء انتخابات مبكرة تحت عنوان الخروج من الأزمة الاقتصادية التي تتجلى عناوينها في إلغاء المكاسب الاجتماعية وتقويضها والفصل من العمل وارتفاع معدلات البطالة والضرائب الخانقة والخصخصة وتدمير البيئة، لدرجة بات فيها المجتمع اليوناني يشهد المزيد من حالات «الشغب» بين صفوف شبابه الذين لا يوفرون فرصةً للتعبير عن امتعاضهم من الواقع الاقتصادي المتردي في اليونان، وتركز معظم تحركات من تصفهم الحكومة اليونانية بـ«الفوضويين» على المراكز التجارية والبنوك والمباني الحكومية ذات العلاقة بالشأن الاقتصادي في البلاد، حيث قام بعضهم رغم وجود 2500 عنصر من شرطة مكافحة الشغب، بإحراق ماكينة صرف نقود آلية، وقام بعضهم الآخر بإجراء تفجير خارج سوق الأوراق المالية في أثينا، وبالتزامن مع الحادثة الثانية وقع انفجار آخر أمام مبنى وزاري في مدينة سالونيكي الساحلية الواقعة شمالي البلاد بالقرب من معرض تجاري كان سيفتتحه يومها رئيس الوزراء كوستاس كارامنليس ملقياً عبر التلفزيون الرسمي خطابه السنوي حول الاقتصاد.
وقد طالب كارامنليس مؤخراً الشعب اليوناني بأن «يمنحه الثقة للخروج من أزمة اقتصادية عصيبة» مضيفاً على ذلك المطالبة بـ«تفويض سياسي جديد للقيام بذلك»، وجاء هذا تدعيماً لمطالبته الرئيس اليوناني بحل البرلمان الحالي وإجراء انتخابات مبكرة تبدأ في الرابع من الشهر القادم، وقد أشارت استطلاعات جديدة للرأي إلى أن الحزب الاشتراكي اليوناني المعارض وسع تقدمه أمام الحزب المحافظ الحاكم قبل الانتخابات المبكرة بست نقاط.
ألمانيا: هل تسلم ميركل الراية «لليسار»؟
وفي ألمانيا تعرض حزب المستشارة أنجيلا ميركل لخسائر في انتخابات إقليمية جرت مؤخراً وهو ما يمثل خيبة أمل للمحافظين قبل أسبوعين أو أكثر قليلاً من الانتخابات العامة، كما تراجع التأييد لزعماء الاتحاد الديمقراطي المسيحي في مناطق ألمانية عدة مع مؤشرات بأن ائتلافات يسارية قد تطيح بهم في الانتخابات المقبلة، وتعدّ الانتخابات الإقليمية التي جرت مؤخراً في ثلاث ولايات ألمانية اختباراً لتوجهات الناخبين قبل الانتخابات الاتحادية المقررة يوم 27 أيلول الجاري، وحقق الديمقراطيون الأحرار والخضر نتائج مرضية في انتخابات الولايات، وقدر عدد المواطنين الذين أدلوا بأصواتهم فيها بنحو 20.6 مليون مواطناً ليعطوا بذلك المؤشر الأخير للانتخابات العامة.
ويرى مراقبون أن أي تآكل في التأييد لميركل خلال الأسابيع القادمة قد يعرض للخطر أملها في تشكيل حكومة ليمين الوسط مع الحزب الديمقراطي الحر، وذلك في وقت يتعرض فيه الجنود الألمان لمزيد من الكمائن والخسائر في أفغانستان ودائماً على وقع العضوية في الأطلسي والتبعية لواشنطن.
وتأتي هذه المؤشرات السياسية في ظروف اقتصادية- اجتماعية معقدة تعيشها ألمانيا التي يمر اقتصادها بالركود الأسوأ منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ومن الطبيعي أن تلقي الأزمة بآثارها على سوق العمل الألماني، وهو ما دفع البعض إلى عقد مقارنات بين الوضع السياسي والاجتماعي الحالي وبين الظروف التي عاشتها ألمانيا بعد الانكماش الاقتصادي الذي حدث عام 1929 وما نتج عنه من اضطرابات اقتصادية وتدهور للوضع السياسي كانت كلها عوامل ساعدت في وصول هتلر إلى السلطة وانتعاش الأيديولوجية النازية.
براون على حد الأزمة الاقتصادية
حاملاً فضائحه
وفي بريطانيا يزداد عجز رئيس الوزراء جوردون براون عن الإمساك بزمام المبادرة وتغيير حظوظه قبل الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في غضون تسعة أشهر. ولا يقتصر سوء وضع الحكومة البريطانية على النطاق السياسي ومنعكسات الارتهان لواشنطن، ولكن ما تزال بريطانيا غارقة في الكساد الاقتصادي ويرى مراقبون أن قضايا السياسة الخارجية لبريطانيا قد أزاحت في الوقت الحالي ما يرجح أن تكون القضية الأساسية في الانتخابات وهي الإجابة عن سؤال: ماذا ستفعل الأحزاب لكبح جماح العجز العام المتزايد؟!.
وقد سبق لحزب العمال أن أعلن نيته حماية الخدمات العامة، متهماً المحافظين باعتزام إجراء تخفيضات عنيفة في الإنفاق الحكومي على الخدمات، وبين هذا وذاك وجد استطلاع صحفي نشرته «ديلي تلغراف» مؤخراً أن كثيراً من الناخبين غير مقتنعين بديفيد كاميرون زعيم المحافظين. وهذه نقطة ضعف يمكن أن يسعى حزب العمال إلى استغلالها بحملة انتخابية سلبية تركز على افتقار قيادة المحافظين النسبية للخبرة.
وعلى الرغم من ذلك تمنح استطلاعات الرأي لحزب المحافظين المعارض دائماً تقدماً من رقمين على حزب العمال الذي يتزعمه براون ويحكم بريطانيا من عام 1997 وهي النسبة التي تكفي لتعطيه الأغلبية في البرلمان.
وكانت «قضية المقرحي» أثارت اتهامات بأن بريطانيا مارست ضغطاً على حكومة اسكتلندا للإفراج عنه لمساعدة الشركات البريطانية في الصفقات التجارية مع ليبيا المنتجة للنفط. ومن جهتهم يتهم المحافظون براون بالقيام بدورة التفافية لقوله إنه سيدعم مطالبات أسر ضحايا للجيش الجمهوري الايرلندي بتعويضات ضد ليبيا حيث تقول الأسر إن طرابلس ساعدت في تسليح الجيش الجمهوري.
فرنسا: مرشح بلا انتخابات..
والبطالة «قياسية»
وفي فرنسا التي لا تنتظر انتخابات في المدى المنظور، وافق الحزب الاشتراكي الفرنسي على إجراء انتخابات تمهيدية لتحديد مرشحه للانتخابات المقبلة، ما يعطي إشارة سياسية بالغة الدلالة في وقت ذكرت فيه وزارة المالية أن العجز في الموازنة خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري بلغ 109 مليارات يورو مقابل 4. 51 مليار يورو خلال الفترة نفسها من 2008. أي مازال الاقتصاد الفرنسي يواجه مشكلات ليس آخرها تفاقم معدلات البطالة الناجم عن شطب الوظائف في القطاع المالي، وقد اعترف مكتب الإحصاء الحكومي في فرنسا بأن معدل البطالة قفز إلى 9.1% في الربع الثاني من هذا العام مسجلا أعلى مستوى في أكثر من ثلاث سنوات، وتشير هذه المعطيات أن المجتمع الفرنسي ما يزال بانتظار المزيد من التغيرات الاقتصادية التي تهدد بزعزعة استقراره، إن آجلاً أم عاجلاً.