قراءة غربية خارج السرب في ثلاثية العدوان والإعلام والمقاومة: انتهاكات الجنود والصحافيين البريطانيين

نفى المحلل السياسي برترام جروس وجود حقد عظيم يدفع «تحالف أصحاب الثراء الفاحش والمشرفين على الشركات وكبار ضباط القوات المسلحة ومسؤولي الخدمة المدنية» وهو حقد «يسحق حقوق وحريات الأشخاص الآخرين داخلياً وخارجياً»، وكل ما في الأمر هو أن سعي هذه الفئات لتحقيق الأرباح يعني بشكل حتمي أن يدفع الآخرون الثمن في شكل تلوث وجوانب نقص وبطالة وحروب. و«لكن هذا كله لا يمثل جزءاً من هدفهم الرئيسي، وهو نتاج أيد خفية هم منها براء».

وإن هذه الوحشية العرضية هي التي يصفها جروس بفصاحة بأنها «الفاشية الصديقة».

وليس هناك أيضاً أي قصد سيئ داخل أذهان الصحافيين  الذين يشكلون جزءاً من هذا التحالف «الثري» وهم يدافعون على نحو انعكاسي عن المؤسسة التي يمثلون جزءاً منها.

وفي نشرة الأنباء المسائية الرئيسية في شبكة بي.بي.سي تحدث مراسل الشبكة الملكي والدبلوماسي نيكولاس ويتشل من بغداد عن شريط فيديو أظهر وليس «بدا عليه أنه يُظهر»كما يصّر كثير من الصحافيين جنوداً بريطانيين يضربون مجموعة من الصبية العراقيين بقسوة، وقال ويتشل إن ذلك أمر يؤسف له لأن الجنود الأجانب الذين في العراق «موجودون هناك للقيام بدور في حفظ السلام أساساً».

وورد الرأي الغافل ذاته في مقالة افتتاحية الغارديان حول الانتهاكات التي ارتكبها جنود بريطانيون، وأشار محررو الصحيفة المذكورة إلى أن بين ثمانين ألف جندي بريطاني يخدمون في العراق «ارتكبت قلة ضئيلة بعض الجرائم، وعلى الرغم من ذلك، فإن الخروقات (المارقة) المعزولة للقانون العسكري والمعاهدات الدولية يتردد صداها عالياً».

ويستحيل على الغارديان أن تتصور أن القوات الغازية برمتها مسؤولة عن انتهاكات المعاهدات الدولية بحكم وجودها في العراق كقوة احتلال، وعلى الرغم من ذلك، أشارت الغارديان في افتتاحية لها بتاريخ 17 أيلول 2004 إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان قال عن الغزو: «من وجهة نظرنا ومن وجهة نظر ميثاق الأمم المتحدة، كان الغزو غير قانوني».

وأبرزت الغارديان حقيقة أن أنان لم يضمن حديثه أي توضيحات أو مراوغات أو غموض من النوع الذي يهواه الدبلوماسيون ولاسيما في مقر الأمم المتحدة. وتشارك أنان في رأيه هذا غالبية خبراء القانون الدولي، وفي آذار، 2003 أعربت اللجنة الدولية للقانونيين في جنيف عن «استيائها العميق» لأن عدداً صغيراً من الدول «تستعد لشن غزو غير قانوني وصريح للعراق يرقى إلى مرتبة حرب عدوانية». وطبقاً للجنة الدولية للقانونيين، فإن «حرباً تشنها أطراف دون تفويض واضح من مجلس الأمن الدولي تشكل انتهاكاً فاضحاً لمبدأ منع استعمال القوة». ولكن ذاكرة الإعلام نسيت هذا الواقع.

وفي مغالطة معيارية كتبت ماري ريدل من الأوبزيرفر مؤخراً عن أفغانستان والعراق وجاء في مقالتها ما يلي: «إن بريطانيا متورطة في عمليتي تدخل أسيء تقديرهما»، فهل هما حقاً كذلك: «عمليات تدخل أسيء تقديرهما»؟

وأشارت ريدل إلى القتلى بين العسكريين الأمريكيين والبريطانيين وأوردت أدنى تقدير لقتلى المدنيين العراقيين (30،000 شخص)، وكما هي العادة، لم ترد إشارة إلى القتلى بين الجنود العراقيين، وعندما قدم ليس روبرتس من كلية جون هوبكنز للصحة العامة تقديره المتحفظ للقتلى المدنيين العراقيين وعددهم 100،000 قتيل لمسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية في الخريف الماضي، قال له أحد المسؤولين: «لقد ألقينا على العراق نحو 50،000 قنبلة، كانت معظمها على مقاومين يختفون وراء مدنيين، فما الذي كنت تتوقع أن يحدث؟».

وفي مقالة لموقع «ألترنت»على الانترنت، قال روبرتس إن التقديرات  التي تتراوح بين 20،000 و30،000 قتيل من المدنيين  والتي توردها الصحافة الأمريكية بشكل عادي، أقل من الحقيقة بكثير ولا تكاد تبلغ خمس أو عشر الرقم الحقيقي لأولئك القتلى، وبكلمات أخرى، يشير روبرتس الآن إلى أن نحو 300،000 مدني عراقي ربما لقوا مصرعهم منذ آذار ،2003 وأن غالبيتهم من النساء والأطفال.

الادعاءات والحقائق

في كانون الأول الماضي، أرسل موقع ميديالنس شكوى إلى هيلين بودن مديرة الأخبار في بي بي سي. وأوضحنا أن مراسل الدفاع جول وود زعم في نشرة 22 كانون الأول المسائية أن القوات البريطانية والأمريكية «دخلت إلى العراق أساساً لإحلال الديمقراطية وحقوق الإنسان».

وأوضحنا إلى بودن أن ذلك بالطبع هو زعم الحكومة، فيجب تقديمه على أنه زعم فقط وليس حقيقة، وقمنا بتذكير بودن بأن استطلاعاً للرأي في واشنطن بوست في تشرين الثاني 2003 توصل إلى أن واحداً في المائة فقط من العراقيين يعتقدون أن هدف الغزو هو إحلال الديمقراطية، وردت بودن قائلة: «إن الديمقراطية كانت بكل تأكيد واحداً من الأهداف المعلنة قبل وعند بداية حرب العراق وإنني إرفق عدداً من الاقتباسات في نهاية هذا الرد». وأوردت بودن 2،700 كلمة تكفي لملء 6 صفحات مقاس »إيه 4« تمثل اقتباسات من جورج بوش وتوني بلير لإثبات وجهة نظرهما، ومن المدهش انه بدا عليها أنها لا تعرف الفرق بين نقل قصد حسن على أنه زعم بدلاً عن نقله كحقيقة.

في نيسان ،2003 وصف نيكولاس ويتشل سقوط بغداد السريع في أيدي القوات الأمريكية: «انهاروا من دون جدال».

وفي تشرين الأول 2004 قال مراسل بي بي سي الخاص بن براون: «يدرك أهل جنوب العراق أنهم نالوا حريتهم».

وتستمر القائمة

ولماذا يكتسب كل ذلك أهمية ما؟ ببساطة لأن بي بي سي  شأنها في ذلك شأن بقية وسائل الإعلام  تقدم سيلاً لا ينقطع من الرسائل تم إعدادها من أجل التقليل من حجم الجرم الذي ارتكبناه في العراق. وإذا كنا نستطيع أن نحوّل الشرير إلى «مخلص»والخارج عن القانون إلى «أسيء تقديره» والفاسد إلى «منتصر»والقتل إلى «المحافظة على السلام»فمن المرجح أن نشعر بأن ما قمنا به «ليس سيئاً إلى ذلك الحد».

وهذا مهم لأن المقاومة الشعبية وحدها، والشجاعة الشعبية وحدها، تقف بين نظامنا العنيف المدفوع بالجشع، والضحايا مستقبلاً، ولن تستطيع إيقاف آلة القتل إلا المعارضة الشعبية القوية، والواسعة النطاق. ومهمة الإعلام أن يوقف محاولتنا.

■ ديفيد إدواردز 

• رئيس تحرير مشارك في موقع «ميديالنس»

 

ومؤلف مشارك لكتاب «القوة - خرافة الإعلام الليبرالي»