انتفاضة أسرى معتقل عوفر... بين إجراءات المحتل الفاشية ولامبالاة العالم

أعادت المواجهات التي دارت بين الأسرى في معتقل عوفر وإدارته العسكرية، طرح قضية حرية الأسرى على واجهة الأحداث، خاصة أن العملية العسكرية الدموية كانت مبيتة، ويجري التحضير لتنفيذها منذ عدة أيام. فقد منعت إدارة المعتقل المحامين من زيارة الأسرى والالتقاء بهم في السجن منذ أكثر من أسبوع كما صرح بذلك «كريم حمودة» محامي نادي الأسير الفلسطيني.

وتسيطر على المعتقل الذي يحتوي أعداداً من الأسرى تتراوح بين 900 _ 1100 حالة من التوتر والاستنفار المتبادل منذ عدة أيام، على إثر تعرض الأسير «عبيدة غانم» للضرب المبرح أثناء تواجده بالمحكمة وتحويله على الفور إلى السجن المركزي، مما دفع بالسجناء لمجابهة  هذا الإجراء غير القانوني من خلال رفضهم بعض وجبات الطعام، والاحتجاج على أسلوب التعامل، مطالبين الإدارة باحترام وتنفيذ الاتفاقات المبرمة معهم، إلا أنها رفضت تحقيق مطالبهم.

مساء يوم الإثنين 28 / 11  أبلغت الإدارة الأسرى: عبد الرحيم ملوح، نضال أبو عكر، أبو علاء القصاص، أعضاء لجنة الحوار المشكلة من الأسرى والتي تقوم بالتحدث نيابة عنهم مع الإدارة، بنقلهم إلى السجون المركزية، وهو ما رفضه المعتقلون لأنه يتعارض مع القانون الدولي الذي  يحدد بأن يكون مكان اعتقالهم في مناطق سكنهم، إضافة لوجود اتفاق بين الإدارة ولجنة الحوار ينص على أنه لا يحق للإدارة نقل أي أسير من اللجنة، ويؤكد على عدم نقل أعضاء اللجنة إلى معتقلات أخرى. في مواجهة رفض الأسرى قرارات النقل قامت إدارة السجن العسكرية باستدعاء أعداد كبيرة من الجنود، في مقدمتهم وحدة «متسادا» المختصة بفك الرهائن واقتحام الأماكن المغلقة .

مع الساعات الأولى ليوم الثلاثاء 29 / 11  الذي يتزامن مع اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، المكرس من شعوب العالم للاعتراف بالحقوق السياسية والوطنية لهذا الشعب، قامت وحدات التنكيل الدموية باقتحام السجن، وبدأت بإطلاق النار والقنابل الصوتية والأعيرة المطاطية الحارقة، وخراطيم المياه الحارة، مندفعة نحو أقسام ( 1 و 2 و 6 ) لترش المعتقلين بالغاز مما أدى لوقوع العديدين منهم نتيجة حالات الاختناق، ودارت مواجهات عنيفة امتدت لأكثر من ساعتين بين المعتقلين العزل إلا من عدالة قضيتهم، وبين الجنود المدججين بالسلاح، خاصة في قسم (2) الذي ابتدأ عشرات الجنود بالهجوم عليه مستخدمين كل الأساليب الوحشية _ تخريب الخيام وحرقها، تمزيق الفرشات، رش الغاز، استخدام أعقاب البنادق للاعتداء على الأسرى الذين أحاطوا بالأسير القائد عبد الرحيم ملوح عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير،نائب الأمين العام للجبهة الشعبية" واشتبكوا معهم لأكثر من ساعة. مما أدى لإصابة خمسة وعشرين أسيراً بجراح في الرأس والوجه والأطراف، مارست خلالها الإدارة إهمالا ً واضحاً لنقلهم للمستشفى لأكثر من ساعتين، وقد أصيب عبد الرحيم ملوح بجروح حادة في الوجه وفي فكه الأسفل، تطلب نقله للعلاج في مستشفى «تشعاري صديق» في القدس. النائب العربي «أحمد الطيبي» تحدث عقب زيارته للقائد ملوح في سجن «هداريم» بعد انتهاء علاجه بالمستشفى ونقله مع ثلاثة من رفاقه للسجن الجديد بقوله " أجريت له سبع غرز في الذقن، ويعاني من آلام في فكه الأسفل، ومن رضوض في أنحاء مختلفة من جسده «مضيفاً» أن ملوح أبلغه بأن الاعتداء الذي تعرض له ورفاقه في سجن عوفر كان مبيتاً واصفاً معنويات الأسرى بأنها «عالية وأعلى من أسوار السجون وحصار الاحتلال ولا تتأثر بهمجية السجانين».

 الدماء النازفة من أجساد المناضلين في معتقل عوفر، حَرَكَتْ حملة واسعة من الإدانة والشجب للممارسات العسكرية الوحشية للمحتلين، فقد أدانت  السلطة عبر رئيسها«الانتهاكات الخطيرة ضد المعتقلين»، كما عبرت جميع فصائل العمل الوطني والهيئات الأهلية، عن استنكارها للأعمال الإجرامية والهمجية التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق الأسرى والمعتقلين، مطالبة المجتمع الدولي بالضغط على حكومة العدو للالتزام بتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة وكافة المواثيق والقوانين الدولية ذات الصلة، من أجل توفير الحماية للأسرى وصيانة حقوقهم. على الرغم من أهمية تحريك الهيئات الدولية للتعامل مع قضية الأسرى، إلا ّ أن السياسة المتبعة من حكومات الاحتلال المتعاقبة تؤكد على الاستهتار بكل النداءات والمناشدات الدولية، فقد تعرض للاعتقال منذ الاحتلال عام 1967 وللآن أكثر من 650 ألف مواطن فلسطيني (20% من إجمالي السكان المقيمين) ومازال  تسعة آلاف منهم يخضعون لأبشع أنواع القهر والتعذيب في سجون ومعتقلات العدو التي تزيد عن العشرين، كما أن الحركة الأسيرة قدمت ما يقارب المائتي شهيد، سقطوا نتيجة التعذيب أو القتل العمد بعد الاعتقال أو الإهمال الطبي المقصود، حتى أن الآلاف منهم حولتهم حكومة العدو لحقل تجارب للأدوية الخطيرة التي تنتجها مخابر وزارة الصحة.

إن قوى العمل الوطني الفلسطيني «داخل السلطة وخارجها» مطالبة بوضع قضية تحرير الأسرى في مقدمة مهماتها، وهذا يتطلب متابعة كل الجهود الرسمية والشعبية لتشكيل عوامل ضغط على حكومة العدو لإطلاق سراحهم، كما يدفع بقوى المقاومة المسلحة لاستنباط الأشكال الجديدة والجدية الأكثر تأثيراً لتحقيق هذا الهدف، ويبدو أن هتافات الآلاف الذين احتشدوا في ميادين غزة ورام الله وشوارع المخيمات في الداخل والخارج ،للتضامن مع القائد «ملوح» ورفاقه رسمت أحد أشكال العمل القادم (اخطف جندي واطلق مية ولوي ذراع الصهيونية) ففي تجربة المقاومة الفلسطينية واللبنانية بتحرير الأسرى عبر عمليات التبادل ما يساعد على تحويل الهتاف إلى خطة عمل.                     

 

■ محمد العبد الله