إلى مرشد الإخوان: لقد أعذر.. من حذر وأنذر جماعة الإخوان والحزب الوطني.. وجهان لعملة واحدة... فاسدة

كانت نتائج الجولة الأولى لانتخابات مجلس الشعب المصري 2005 هي الشرارة الحقيقية التي أشعلت السهل في قرية «كمشيش» _ إحدى قرى دائرة تلا_ عندما عاد أهل القرية من مركز شرطة مدينة تلا حيث كانت تجري عملية فرز الأصوات - في حالة من الغضب العارم بسبب تيقنهم من الخديعة التي تعرض لها مرشح القرية علي مقلد (فئات) على يد جماعة الإخوان المسلمين، وانزعاجهم من تنصل الجماعة من تعهداتها بدعم مرشحهم خارج «كمشيش» في مقابل تصويت أهل القرية لمرشح الجماعة..

وحنث الجماعة بيمينها الذي قطعته على نفسها.. بل وتفسير بعض أعضائها وتبريرهم لما حدث منها بأن «الحرب خدعة» فقد تتالت ردود الأفعال بدءاً من يوم الخميس 10 نوفمبر حيث تجمهر الصبية تلقائياً (بين العاشرة والرابعة عشرة من العمر) سائرين في شوارع القرية مرددين الهتافات المعادية للجماعة ومرشحها«عمال» حارقين للافتاته. وعندما يتجمهر الصبية عادة يكون الحدث جللا.. والأمر مهولا..

 أعلن الميكروفون عن إقامة مؤتمر شعبي بالقرية مساء الجمعة 11 نوفمبر.. وتجمع الفلاحون قبل الموظفين.. والعاطلون قبل العاملين.. وسبقهم الفتية حتى بلغت أعداد المتجمهرين أكثر من ثلاثة آلاف مواطن بعضهم من قرى أخرى بالدائرة وخارجها. اختفى أعضاء الجماعة وتواروا عن الأنظار وتعرض الكثير منهم ممن صادفهم الأهالي في المساجد للغضب.

في المؤتمر سرد على مقلد تفاصيل ما حدث بدقة متناهية.. زادت من غضب الجمهور، وقلبت المنضدة تماما على جماعة الإخوان ليس في«كمشيش» فقط بل وفى أغلب قرى الدائرة.

وكان اعتراف علي مقلد في شجاعة بخطئه في التحالف مع جماعة الإخوان أحد العوامل التي ألهبت خطابه لأهل قريته، وأثار تذكيره بمسلك الإخوان مع صلاح حسين وفلاحي القرية حنق الفلاحين على الجماعة.

فكمشيش قرية- في أغلبها- معادية للنظام الحاكم في مصر.. ولجماعة الإخوان مع أهلها تاريخ كريه عندما رفضت مساندة فلاحى القرية في صراعهم مع الإقطاع الدموي لأسرة الفقي.. بل وفتحت الجماعة قناة سرية للتعاون مع الإقطاع من خلف ظهر صلاح حسين الذي كان آنذاك أحد أعضاء الجماعة.. وزعيم المقاومة الفلاحية بالقرية قائلة له: «لقد خلقنا بعضكم فوق بعض درجات» فكيف نعاونك في تسوية كل أهل القرية بعضهم ببعض؟؟! لكن علي مقلد مرشح «كمشيش» والذي توحدت القرية والتفت بكل فئاتها حوله.. قد قبل التحالف مع الإخوان في المعركة الانتخابية متصورا أن تمثيله لما يسمى بالجبهة الوطنية للتغيير في الدائرة سيكون أقوى بقبوله لدعوة التحالف مع الإخوان وسيزيد فرصته في النجاح.. ولم ينصت علي مقلد لكل التحذيرات التي ذكرها كثير من المحيطين به.. ولتأكيداتهم له بأن حاضر الجماعة هو امتداد لماضيها المعروف فقد كانت تناصر الملك.. وتعادي الشعب والقوى الوطنية قبل عام 1952، فضلاً عن أن الإخوان موافقون الآن على طرد فلاحى الإصلاح الزراعي بكمشيش من الأرض التي حصلوا عليها منذ 50 عاماً بقانون الإصلاح، وموافقون على طرد العمال من مصانعهم بالمعاش المبكر وعلى بيع القطاع العام.. وبينما أصدر الحزب الوطني قوانين تلغي قانون الإصلاح الزراعي.. وافق الإخوان على إلقاء الفلاحين في الشوارع دون مورد رزق ودون مأوى.. فهم لا يختلفون عن النظام الحاكم في شيء.. بل هم أكثر منه دموية وتخلفا.. لقد رفضهم الشعب قديما عندما أسقط زعيمهم السياسي حسن البنا في الانتخابات البرلمانية في الأربعينيات كما أسقط زعيمهم الفكري سيد قطب عام 1950 في الانتخابات نفسها إسقاطا ذريعاً.

تحدث علي مقلد بصراحة شديدة أدمعت العيون.. ولأول مرة نرى مؤتمراً «لمرشح لم ينجح» يضم حشوداً تبلغ ضعف حشود مؤتمراته قبل يوم الانتخابات، لقد خرج من المؤتمر متطهراً من رجس الإخوان.. وأقوى مما كان وأكثر تفاؤلاً وارتياحاً.

وانفض المؤتمر.. وسرت أخباره في قرى الدائرة.. ولامست الوتر الحساس في قرى أخرى لعبت فيها جماعة الإخوان الدور نفسه الذي لعبته في كمشيش. لقد كانت أبرز الملاحظات هي الحس التلقائي لقطاع واسع من الجمهور بمخاطر التحالف مع الإخوان الذي أبرمه مرشحهم.

 كانت خطة الإخوان: هي التحالف مع مرشحي الفئات في كل قرية من خلف ظهر بقية المرشحين في الدائرة مع إيهامهم بأن تحالفهم معه هو التحالف الوحيد الذي أبرموه في الدائرة .. وكان هدفهم هو إنجاح مرشحهم في الجولة الأولى دون إعادة.. وإخراج لسانهم للجميع.. ونجحت خطتهم في دوائر أخرى لكنها فشلت في تلا، وكانت فتاواهم التي تتمثل في ذلك تتمثل في (الضرورات تبيح المحظورات- الكذب مبرر- التآمر جائز- شراء الأصوات مباح- المرأة التي لا دور لها في نظرهم سوى في حجرة النوم تتحرك بمفردها في جنح الليل وتدخل المنازل الخالية من المحارم دون محاذير.. تستنطق الفلاحات وتستحلف الفلاحين، الجماعة في حرب.. «والحرب خدعة».. لقد كانت «الجماعة تخوض معركة بدر» على حد قولهم. وأتت النتائج بما لا تشتهي سفنهم فنجاح مرشحهم(العامل) الذي حصل على المركز الأول في الجولة الأولى دفعهم لفتح فمهم.. لكن لسانهم لم يخرج لإغاظة الجميع كما كان مخططاً، بل أبقت النتائج فمهم مفتوحاً ستة أيام متصلة.. حتى جولة الإعادة.. استقبل- فمهم- خلالها كل السخط وردود الأفعال المتوقعة من قطاعات واسعة من جمهور الدائرة الذي رأى فيهم مجرد مخادعين ناقضين للوعود خائنين للعهود.. مطبق عليهم الحديث الشريف «"آية المنافق ثلاث». لقد ارتفعت أعداد ونسبة الأصوات التي حصل عليها المرشحون الثلاثة في جولة الإعادة مابين 90% إلى 110% إلى 125% بينما تراجعت أعداد ونسبة أصوات مرشح الإخوان مقارنة بما حصل عليه في الجولة الأولى، وبمثل ما رفضت جماهير الدائرة مرشح الحزب الوطنى رفضت مرشحهم خصوصاً بعد تحالفهما معا فلم يحصل أي منهما على أكثر من 436 صوتاً من قرية كمشيش وكان هذا هو أبلغ رد شعبي على جماعة مخادعة تتستر بالدين، وعلى حزب يحكم الوطن بالحديد والنار.

لقد شعر أهالي الدائرة وخصوصاً أهالي كمشيش أنهم ردوا الصفعة بأقوى منها.. رغم بقايا المرارة التي ظلت في حلوقهم من آثار تلك المعركة التي رغم عدم تدخل الشرطة في أغلب دوائرها كسابق عهدها وحياد من أداروا لجان التصويت، إلا أن سلوك الحزب الوطني المتمثل في إرسال كشوف للناخبين تمنع أكثر من نصفهم من الإدلاء بأصواتهم.. مازال غصة تضاف إلى تاريخه الأسود مع القرية. ولم تأت المرارة فقط من سلوك الإخوان والحزب الوطني.. بل شارك فيها حجم الرشاوى العينية والنقدية التي قدمها العديد من المرشحين.. وسعى البعض لتفتيت الأصوات مما أبعد المعركة الانتخابية عن تحولها لمعركة سياسية حقيقية.. التي ستزداد في المرحلتين الثانية والثالثة من الانتخابات حيث ستشتعل الحرب الضروس باستخدام البلطجة والتزوير والرشاوى من أطراف اللعبة الانتخابية خصوصا الحزب الوطني وجماعة الإخوان.

 لقد أدركت بعض قطاعات الرأي العام في المنوفية بأن الإخوان المسلمين والحزب الوطنى وجهان لعملة واحدة وتأكد واتضح التحالف بينهما في جولة الإعادة باستثناءات قليلة، فبرنامج الحزب الوطني مجرد حبر على ورق لأن الواقع يكذب كل كلمة فيه.. بينما تتخفى جماعة الإخوان وراء شعار«الإسلام هو الحل» الذي يعفيهم من مغبة الحديث في السياسة ويجنبهم النقاش في برنامج محدد مفصل واضح المعالم.. يعلنون شيئاً.. ويفعلون غيره.. إنها حكمة الفيلسوف الأشهر ميكافيللي «الغاية تبرر الوسيلة».

لقد صرح مهدى عاكف إمام جماعة الإخوان ومرشدها لمجلة أيامنا عدد نوفمبر2005 ص15،14 بالحرف: نحن نتحالف مع الشيطان طالما ذلك يحقق مصالح الجماعة!!

لقد استثمرت جماعة الإخوان الفرمان (الإنذار) الأمريكي الموجه لنظام الحكم في مصر أفضل استثمار بوجوب وجود تمثيل قوي للإخوان في البرلمان.. فأخرجت كل ما في جعبتها من جهد وأموال ومواهب وألقت بها في المعركة.

لقد أعادت أحداث الانتخابات البرلمانية لذاكرة الناخبين ما قامت به جماعة الإخوان والحزب الوطني معا من شحن للمواطنين الغاضبين من سلوك الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ضد العراق عام 2003 وتجميعهم في الاستادات الرياضية قبيل عملية الغزو في مسرحية هزلية تمتص احتجاج الشعب وغضبه من تخاذل الحكام العرب.. وأبقت عليه متفرجاً على تظاهرات شعوب العالم أجمع في قاراته الست ضد ما تفعله الولايات المتحدة وحلفاؤها بشعب عربي شقيق.. ولم نسمع للمرشد العام إمام جماعة الإخوان تصريحاً واحداً يندد بنظام الحكم المصري أو الأنظمة العربية الحاكمة تبلغ قوته واحد على عشرة من قوة تصريحات بابا الفاتيكان الراحل بمنع جورج بوش وبلير من دخول كنيسة الفاتيكان عقابا لهما.. فقط. 

■ إلهامي الميرغني

 

 قاسيون - بتصرف