الصومال مرة أخرى على مذبح تنازع المصالح الإقليمية والدولية؟

أعلنت المحاكم الإسلامية في الصومال أنها انتصرت على مليشيات تحالف زعماء الحرب المدعوم من الولايات المتحدة وسيطرت على كافة مناطق العاصمة مقديشو. وقال رئيس اتحاد المحاكم الإسلامية شيخ شريف شيخ أحمد أن مقديشو أصبحت الآن تحت سيطرة المحاكم، وأن الاشتباكات انتهت بعد قتال استمر أربعة أشهر ضد تحالف زعماء الحرب. وأوضح أن المحاكم لا تسعى إلى الاستئثار بالسلطة في مقديشو، مطالبا الشعب الصومالي بتقديم مقترحاته لكيفية إدارة العاصمة وما حولها. ونفى وجود أي عداء من جانب المحاكم إزاء أي جهة داخلية أو خارجية، في إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية.

ويتوقع مع توجه هذا العدد للطباعة أن تعلن المحاكم الإسلامية رسميا سيطرتها على المدينة في اجتماع استلام وتسليم مع فلول تحالف زعماء الحرب في وقت ذكر فيه بعض سكان المناطق التي كانت خاضعة لميليشيا التحالف أن عملية التسليم قد بدأت بالفعل.

لكن ومع عودة الاضطرابات إلى الصومال وتسليط الضوء عليها مجدداً يبرز السؤال عن الجهة والجهات المستفيدة والمتورطة والممولة لأطراف الصراع وتشير أصابع الاتهام طبعاً إلى واشنطن التي تسعى لبسط نفوذها المباشر في الصومال والقرن الأفريقي وهي التي أُخرجت ذليلة من الصومال في تسعينات القرن الماضي إثر فشل عدوانها العسكري التدخلي هناك.

وبالفعل فقد هاجم الاتحاد الأفريقي الولايات المتحدة الأميركية، مؤكداً أنها تدعم تحالف زعماء الحرب في الصومال. وقال رئيس الكونغو ديني ساسو-نغيسو الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي بعد لقائه نظيره الأمريكي جورج بوش ووزيرة  الخارجية كوندوليزا رايس "نعتقد، وهذا ما قلناه للرئيس بوش، إن أهم شيء هو  التوصل إلى وجود حكومة وإنه ينبغي مساعدة الشعب الصومالي على أن يكون له حكومة  حقيقية".

بعض أشكال الدعم التدخلي الأميركي

وفي هذا السياق قال جون بريندرغاست الذي يراقب الأوضاع بالصومال لحساب مجموعة إدارة الأزمات الدولية، أنه علم خلال اجتماعات مع أعضاء التحالف بالصومال أن المخابرات المركزية الأمريكية تمول زعماء تحالف المليشيات بمدفوعات نقدية تتراوح بين 100 و 150 ألف دولار شهريا، موضحاً أن الطائرات الأمريكية تبقى في الصومال طيلة يوم كامل حتى يتسنى للعملاء الأميركيين الاجتماع مع حلفائهم. ويقول مسؤولون سابقون في المخابرات الأميركية إن عملية الدعم تستهدف منع ظهور حكام قد يوفرون لتنظيم القاعدة ملاذا آمنا، مثلما فعلت أفغانستان إبان حكم حركة طالبان. ويضاف إلى ذلك تقارير أخرى تؤكد امتلاك هؤلاء لأجهزة اتصالات متطورة ناهيك عن عتاد وعربات عسكرية.

تنازع الأصابع الخارجية

اللافت في هذا الموضوع حسب الصحفي الإيطالي ماسّيمو إيه ألبيريتزي أن تقريراً صادراً عن الأمم المتحدة وجه في الخريف الماضي انتقادات قاسية لإيطاليا بسبب قيامها بتزويد الحكومة الصومالية الفيدرالية الانتقالية (TFg)، بمعدات حربية، مما شكل انتهاكا صارخا للحظر الذي فرضه مجلس الأمن الدولي بذات الشأن وهو انتهاك تشاطر إيطاليا فيه حسب التقرير الذي أعده المحققون المكلفون من قبل المنظمة الدولية كل من جيبوتي، أريتيريا، أثيوبيا، المملكة العربية السعودية، واليمن.

لكن التقرير الدولي لم يتطرق إلى ذكر الولايات المتحدة الأمريكية بالرغم من أن أحد المصادر الموثوقة داخل المجموعة الدولية المكلفة، كان قد أكد لصحيفة «الكورييري ديلاسيرا» أن الإثباتات ضد واشنطن، فيما يتعلق بتدفق الكثير من التمويلات على أمراء الحرب، هي ظاهرة للعيان ولا تقبل النفي أو التشكيك بصحتها. ومما قاله المصدر نفسه في حديثه إن إدارة بوش كانت قد هددت باللجوء إلى ممارسة ما يكفي من الضغوط من اجل الحيلولة دون طرح التقرير للنقاش أمام مجلس الأمن، فيما لو لم يتم العمل على شطب اسم الولايات المتحدة واكتفى بالإتيان على ذكر عبارة بلد ثالث. وهكذا تم، حيث بقيت الإيماءات الخاصة بالتمويلات المقدمة لأمراء الحرب، ولكن من غير الإتيان بمعلومات محددة.

أما فيما يتعلق بإمدادات الأسلحة المقدمة من ايطاليا (إبان بيرلسكوني حليف واشنطن الحميم)، فقد كان التقرير غاية في الدقة والتفصيل: فيأتي على ذكر التواريخ الخاصة بعمليات إرسال الأسلحة، وهي ما بين الثاني عشر والسادس عشر من شهر تشرين الأول عام 2005 وفي شهر كانون الأول من العام نفسه. وكذلك الحال بالنسبة للميناء والمطار اللذين شهدا تفريغ الشحنات، وهما ميناء إلمعن، ومحطة جوهر الجوية. أما بالنسبة للإرساليات التي استلمتها الحكومة الفيدرالية، فقد تضمنت 18 شاحنة، وعددا معينا من الصناديق الطويلة العريضة، المختومة، كانت تخضع لرقابة شديدة، بالإضافة إلى خيام، وصناديق أخرى عليها كتابات باللغة الايطالية، تشير إلى الجيش الايطالي حيث سبق لحكومة بيرلسكوني أن نفت هذه القضية كلياً بحجة أن ما تم العثور عليه في الصومال جيء به من السوق وليس من روما وأن بعض الإرساليات كانت عبارة عن مساعدات إنسانية(!!؟).

تسلل أمريكي والأمم المتحدة

تغض الطرف

أما فيما يتعلق بالدولة الثالثة (أو الطرف الثالث)، فقد كانت وثيقة الأمم المتحدة متسمة بالحذر، مفتقرة للوضوح: فالحديث يدور بشأن عمليات تمويل منظمة ميليشيات جرى تشكيلها لأجل التصدي للتهديدات التي تمثلها التنظيمات المتطرفة الآخذة في التنامي بمناطق وسط وجنوب الصومال (أي المحاكم الإسلامية التي انتصرت).

أما بالنسبة للجنرال الأمريكي وليام، اف.غاريسون العسكري الذي كان يتولى قيادة «قوة دلتا»، أيام العملية الفاشلة التي حدثت في العام 93-94 فكان قد انتقل إلى مقديشو بغرض لقاء أمراء الحرب، ولكن كان قد ذهب مؤخرا إلى العاصمة الصومالية كذلك، بورتر غوس، فكانت المهمة الأخيرة التي كلف بها، قبل أن يصار إلى تنحيته عن قيادة السي. آي. ايه قبل بضعة أيام، بالإضافة إلى هبوط إحدى الطائرات الأمريكية في أيام متعاقبة بمطار «الجزيرة» الذي يبعد مسافة 30 كيلو مترا إلى الجنوب من مقديشو.

وتجدر الإشارة إلى أن القاعدة الأمريكية في جيبوتي، كانت قد تحولت إلى معسكر اعتقال سري شبيه لذلك المقام في غوانتانامو، ومن المفترض أن يكون قد جرى بعيدا عن أعين الفضوليين العمل على نقل الإرهابيين المزعومين، الذين لا يخضعون للمعاملة وفقا لأي من الضمانات الواردة في الاتفاقيات الدولية.

وبطبيعة الحال فإن الاشتباكات في الصومال تتسبب بإلحاق الإصابات بالمدنيين، الذين هم أكثر من يقعون ضحايا الاضطراب العسكري والأمني والفوضى السياسية العارمة خاصة مع وجود حكومة مركزية تعد طرفاً في النزاع مدعوم من واشنطن مقابل متشددين هم أسوأ في كل الأحوال ويبدو أن الصومال سقط بشعبه وثرواته على مذبح التنازع الإقليمي والدولي من جديد...