في ذكرى النكسة.. أما آن لهذا الليل أن ينتهي؟

تمر هذه الأيام الذكرى التاسعة والثلاثون لنكسة حزيران المشؤومة 1967، بكل ما تحمله هذه الذكرى من آلام وخيبات وعبر..

هذا التاريخ الذي ربما يكون الأكثر إيلاماً في سجل الصراع (الرسمي)  العربي - الصهيوني، ذلك أن الخيبات الهائلة التي تولدت عنه تعادل أو تفوق الطموحات والأحلام العظيمة- التي كانت مجرد أوهام- السابقة له، ففي العقد الذي سبق النكسة استطاع العرب، أنظمة حكم فتية وجماهير، أن يحققوا الكثير على مستويات مختلفة، بدءاً بانتصارات معارك الاستقلال في أكثر من دولة، مروراً ببعض الإنجازات والقفزات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية هنا وهناك، وخاصة في مصر وبعض بلدان المشرق العربي، وصولاً إلى تأميم قناة السويس وصد العدوان الثلاثي وتحقيق الوحدة السورية المصرية.. كل هذه المنجزات التي ساهم فيها إلى حد كبير مناخ دولي مؤات أفرزته نتائج الحرب العالمية الثانية، وضرورات محلية ضاغطة، وحراك شعبي عفوي، أدت إلى ارتفاع المعنويات وتعاظم الإيمان بالذات وشيوع مد ثوري تحرري على قدر ما تتسع مساحة الآمال العريضة.. إلا أن هذه الصورة تغيرت كلياً وأطاح بها ما بات يعرف بـ(النكسة)..

أما لماذا حدثت هذه النكسة، فالسؤال ما يزال قيد البحث والتمحيص والتحليل، وغالباً ما يبتعد الجواب عن هذا السؤال عن الموضوعية والوضوح وتحمل المسؤولية، ليفرط في اتهام الآخر المعارض الداخلي أو الشقيق الشريك أو الحليف المتخاذل، أو ليغرق في تضخيم صورة العدو ودور حلفائه وحجم المؤامرة الإمبريالية العالمية.. والحقيقة أن تبعات ونتائج هذه النكسة التي لا يتجرأ الكثيرون حتى الآن على الإشارة لأسبابها الحقيقية، وخصوصاً في أروقة الأنظمة العربية وفي مؤتمرات القمة، ما تزال تقض مضاجعنا يوماً بعد يوم وهزيمة تلو الهزيمة حتى يومنا هذا، بدءاً من مجازر أيلول الأسود عام 1970 في الأردن إلى اتفاقيات الذل في كامب ديفيد مروراً بكل النوائب التي تلتها من الاجتياح الصهيوأمريكي للبنان عام 1982 إلى حربي الخليج الأولى والثانية، إلى العدوان على ليبيا والتهديد المستمر لسورية، إلى الانبطاح والتطبيع الذي أصبح ديدن معظم الأنظمة العربية من المحيط إلى الخليج، وصولاً إلى احتلال العراق والاستعداد للانقضاض على جيرانه، كل هذه المحطات الكارثية المتسلسلة لم تسعف الباحثين عن أسباب النكسة للتوصل إلى الجواب الشافي!!!

إن الجواب البسيط الذي يصر الكثيرون عن التعامي عنه من أهل السلطة ومن ائتمر بأمرهم من المنظرين و(المفكرين)، هو أن الشعب العربي كان وما يزال حتى الآن مهمشاً في جميع المعارك التي يفترض أنها خيضت باسمه ولأجله، وبقي محروماً من شرف المشاركة الفاعلة في أية حرب وعلى المستويات كافة، واكتفى ويكتفي حكامه والمتسلطون على رقبته بجعله يدفع فواتير الهزائم المتتابعة جوعاً وبؤساً وبطالة واضطهاداً وخوفاً وقلقاً وجهلاً وتخلفاً وارتداداً وانغلاقاً وتزمتاً... إلخ.

ولا دليل على صدق وعمق هذه الحقيقة أنصع وأوضح من الانتصار الكبير الذي حققته المقاومة الوطنية اللبنانية على العدو الصهيوني في جنوب لبنان في مناخ عربي وفترة تاريخية مليئة بالانكسارات، والذي ستحققه لا محالة المقاومة الشعبية في فلسطين المحتلة..

بالنسبة لنا في سورية، فإن جيلاً بكامله ولد وشب وترعرع ودخل في كهولة مبكرة في ظل النكسة وعتمتها والحال هي ذاتها: أرض سليبة هُجّر منها معظم سكانها وأصبح يطلق عليهم اسم (نازحين) بكل ما يحمّله البعض لهذه الصفة من تجريح وتعال واستخفاف، ووطن بكامله مهدد بالعدوان في أية لحظة، ووحدة وطنية توشك على الاهتزاز بسبب عدم استيعابها لجميع أبناء الوطن بصورة شفافة وعادلة، وشعب يعاني الكثير الكثير في جميع مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وفئة قليلة من النهابين والفاسدين الكبار تفرض قوانينها الخاصة على البلاد وتفعل ما تشاء بالناس والاقتصاد دون أن يستطيع أحد، حتى الآن أن يردعها أو يوقفها عند حدها..

فهل يوجد حقاً بين جرحى النكسة ومهزوميها، وخاصة في مراكز (القرار) من تعلم ولو درساً واحداً من دروسها المؤلمة؟؟..

■ أعد الشؤون العربية جهاد أسعد محمد

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.