باريس.. والآتي أعظم

تحتل الأحداث الجارية الآن على الأرض الفرنسية واحداً من العناوين الرئيسية في نشرات الأخبار المحلية والدولية تحت عناوين مختلفة :

"أحداث شغب في ضواحي باريس تسبب وفاة مراهقين بظروف غامضة – "عودة الهدوء (وليس صحيحاً) إلى الضواحي الباريسية بعد أيام من الشغب ... إلخ". و هذه كلها أغطية مهترئة لواقع أكبر و أخطر . فبعد سنوات الحرب العالمية الثانية خرجت أوروبا كما هو معروف لا بل و العالم كله من ويلات الحرب بأرضية  اقتصادية وبنى تحتية منهكة إن لم تكن منهارة وانفتحت تلك القارة على إعادة بناء ما تهدم وتطوير ما سيبنى تلبية  لمتطلبات الحياة وتحسين الأوضاع الاقتصادية ورافق وتطلب هذا الانفتاح فتح باب الهجرة على مصراعيه وتدفقت سيول المهاجرين من الدول التي كانت بالأمس القريب مستعمرات ودول أخرى فقيرة طلباً للرزق وبحثاً عن حياة أفضل بالظاهر وحملت هذه الجموع معها أفكارها وعاداتها وظلت محتفظة بها.

ولما كان الأوروبي لا يقوم بالعمل الذي يقوم به المهاجر لأكثر من سبب بقي هؤلاء مكدسين بأحياء أشبه ما تكون بأكنان العبيد في عصر الرق واستعاد الوضع الاقتصادي لهذه الدول عافيته بسرعة ودخل كالعادة في عصر المنافسة الاحتكارية التي لا تعرف نهاية إلا النهاية الحتمية التي ستقودها إلى الفناء. وارتفع مستوى المعيشة وبرز أنف السوق الاستهلاكية في الوقت الملائم ودخل سباق الاستهلاك وارتفاع الأجور في المنافسة وأخذ المستغلون في البحث عن أسباب متطورة أكثر لاستدرار الربح فدخلت التقانة بالإنتاج على الخط مزيحة اليد العاملة البشرية كخطوة أولى إلى المراكز المتراجعة وأخذت جذور البطالة بالنمو بين أوساط هؤلاء المهاجرين نتيجة للاستغناء عن اليد العاملة البسيطة غير المؤهلة في كثير من ميادين الإنتاج ومعروف تماماً للجميع الأمراض الاجتماعية المرافقة للبطالة والفقر – الجريمة المنظمة و المخدرات و الدعارة ... إلخ. وبالوقت نفسه تضخمت أعداد هؤلاء الذين يتحدرون من أصول غربية (غريبة) ووجدوا أنفسهم معزولين بأحيائهم مرفوضين من الذين استقبلوا آباءهم بالأمس بالترحاب لمد الشوارع وأقنية الصرف الصحي وأعمال النظافة وما شابهها من أعمال لا يقوم بها عادة المواطن الأصلي. ومحرومين من العلم وأمور حيوية ضرورية أخرى كثيرة.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد من الابتزاز فكما هو معروف وبديهي أن رأس المال جبان حساس مناور لا يعرف الانتماء للوطن إنما للربح. نقل أصحاب التروستات والكارتلات الصناعية نشاطهم ومجال عملهم إلى دول المنظومة الاشتراكية السابقة ودول جنوب شرق آسيا حيث اليد العاملة المؤهلة رخيصة ومتوفرة بأعداد تزيد عن الحاجة ومتطلبات ضمان أدنى بكثير لا بل معدومة وأماكن الإنتاج أقرب لأسواق الاستهلاك وهذا ما أدى إلى إضافة أعداد إضافية من المواطنين الأصليين العاطلين عن العمل إلى سوق البطالة لأن أجرة العامل الأوروبي بالساعة -70 يورو – تعادل مرتب شهر كامل لعامل عادي في جنوب شرق آسيا أو أفريقيا  - نحن لا في العير ولا في النفير – وبالتالي لزيادة نفقات ما يسمى بالضمان على أعباء النفقات للحكومات التي تسعى كسباً لأصوات الناخبين لتأمين أكبر عدد من الأصوات لصالحها بالدعاية حول تأمين فرص العمل – ولكن هيهات – وتقليص الضرائب ومن أين سيكون ذلك إلا على حساب ضغط النفقات فيقع هذا الضغط على رؤوس هؤلاء الفقراء الذين يتعلقون بالأمل ويتأملون بنظريات عفى عليها الزمن فتزداد الهوة بين أولئك وهؤلاء ولا سبيل لملئها فيحتقن الموقف وعند أول شرارة – ليس بالضرورة 220 فولط – سيمد اللهب وتندلع النار وستمتد إلى حيث الوقود الملائم موجود والله ونحن أيضاً نعلم إلى أين والله لا يستر آمين.

 

■ عصام أبو ناصيف - طرطوس