الانتخابات التشريعية المصرية الحزب الحاكم والإخوان يضربان تحت الحزام!

أخذت القوى السياسية المصرية في الأيام القليلة الماضية بتكثيف نشاطها في الشارع المصري استعداداً للمرحلة الأولى من الانتخابات التشريعية المصرية المقررة الأربعاء 9/11/2005، والتي يتنافس فيها 1500 مرشح على 162 مقعداً في 8 محافظات.

وتأتي هذه الانتخابات التشريعية بعد شهرين على الانتخابات الرئاسية الاولى التعددية التي تجري بالاقتراع العام في تاريخ مصر والتي «فاز» فيها الرئيس المصري حسني مبارك الحاكم منذ 24 عاما.

وسيتنافس المرشحون في المراحل الانتخابية الثلاث على 444 مقعدا في مجلس الشعب الذي يضم 454 عضواً، بينهم عشرة يعينهم رئيس الجمهورية. ويسيطر الحزب الوطني الديمقراطي حالياً على الغالبية الكبرى للمقاعد (402) فيما تبدأ دورة البرلمان الجديد في 13 كانون الأول.

وقد رشح الحزب الوطني الحاكم لهذه الانتخابات 162 مرشحاً، فيما لم تقدم المعارضة مجتمعة سوى 82 مرشحاً، بانتظار الجولة الثانية التي ستجري في 15 تشرين الثاني الحالي.

وامتلأت شوارع وساحات القاهرة بصور المرشحين واللافتات الانتخابية، وخاصة تلك العائدة لقوى المعارضة وتحديداً الإخوان المسلمين، وأبرز شعاراتها:«حان وقت التغيير» و «معاً من أجل الإصلاح»، الأمر الذي لم يهتم به كثيراً الحزب الوطني الحاكم وبقية القوى السياسية الأخرى.

وتشير معظم التوقعات إلى أن المنافسة ستنحصر غالباً، وفي معظم دوائر المرحلة الأولى بين ممثلي الحزب الحاكم وممثلي القوى والشخصيات المنشقة عنه وممثلي حزب الإخوان المسلمين، الذين استعدوا على ما يبدوا للمعركة بشكل كبير، وذلك بعكس بقية أحزاب المعارضة التي رغم انضوائها تحت لواء «الجبهة الوطنية للتغيير»، إلا أنها لم تتمكن من ترشيح سوى أعداد قليلة من المرشحين وبحملات انتخابية متواضعة وخجولة وفي مناطق محددة.

ولعل العلاقة المتأرجحة التي كانت على الدوام قائمة بين الإخوان والحزب الحاكم ستأخذ أشكالاً جديدة مع هذه الانتخابات، خصوصاً وأن نقاشات كثيرة شهدتها هذه المرحلة رافقت الحملات الانتخابية لكل من الطرفين، بعضها حمل الكثير من الغزل المبطن، وبعضها اتسم بفتح مواضيع شديدة الخصوصية والحساسية كالفساد، والمرأة، والشؤون الاقتصادية والسياسية. وكل المؤشرات تدل حالياً على أن هناك نوعاً من التفاهم السياسي  بين النظام و«الإخوان  المسلمين» يدلل البعض عليه بتجنب مرشحي الأخوان توجيه أية انتقادات إلى نظام الرئيس مبارك في دعايتهم الانتخابية، بل وغياب أي حديث في السياسة عن خطاب الجماعة منذ بدأت معركة الانتخابات.

ولكن ذلك لم يحل دون قيام مشادات جانبية بين مرشحي كل طرف فدعايات اللحظة الأخيرة «بدت في معظمها من قبيل الدعاية السوداء، حيث تفرغ كل حزب لتعداد مساوئ الآخر» ولعل رفع  الإخوان لشعار «الإسلام هو الحل» كان من الأسباب الأساسية لاشتداد هذا النوع من المعارك، فقد شهدت الأيام القليلة الماضية معارك دعائية شديدة بين الحزب الوطني والإخوان المسلمين وأخذ قياديون في الحزب الوطني بتوجيه الاتهامات لحركة الأخوان بأنها «تستغل الدين لاستثارة التعاطف الشعبي»، كما اتهم بعض المثقفين الأخوان باستحضار حالات الاستقطاب التي سادت في مصر خلال الثمانينات والتسعينات والتي أبرز ما طبعها اللغط والمناقشات العقيمة حول دور الدين في السياسة، مستندين إلى أن كثيرين من مرشحي الجماعة راحوا يدعون في مؤتمراتهم الانتخابية المصريين إلى: « صوتك للإخوان  هو صوت للإسلام»، مشددين على أن الجماعة تعتز بشعارها ولا تنوي التخلي عنه مهما حدث.

وعلى الرغم من أن ثمة شعورا بأن المرحلة الأولى قد لا تشهد مفاجآت من العيار الثقيل، اعتبرت المعارضة أن ممارسات مثل: القيد الجماعي لموظفي الدولة والتسريع بإدخال خدمات البنية الأساسية من مياه وكهرباء، هي من قبيل«الرشوات الانتخابية». كما أن قضية الإنفاق المبالغ فيه لا سيما من قبل مرشحي الحزب الوطني والإخوان ، دفعت بحزب التجمع إلى تقديم شكوى ضد تجاوز نفقات الدعاية الانتخابية التي حددتها لجنة الانتخابات ب 70 ألف جنيه.

وبقيت أمور كثيرة تعد من القضايا الجوهرية التي يتمحور حولها الجدل بين المعارضة والنظام في كل انتخابات عالقة، وعلى رأسها أساليب التزوير ومراقبتها، وتورط العديد من رجال الأمن في مثل هذه القضايا

وكان المتحدث الرسمي باسم الحملة الوطنية لمراقبة الانتخابات «محمد زارع» قد صرح لبعض وسائل الإعلام أن: «التزوير قد حدث بالفعل وأن الحكومة لن تنتظر ليوم الانتخابات الذي قال عنه مبارك إن العالم كله سيراقب مصر ليقوم نظامه بالتزوير»، مضيفاً أن: «أهم أساليب التزوير هي اللعب بجداول الناخبين». وكانت المنظمات الحقوقية أقامت دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري للسماح لها بمراقبة الانتخابات داخل وخارج اللجان الانتخابية بصورة مباشرة وإلزام جميع مؤسسات الدولة بالتعاون والتنسيق معها.

وكانت منظمات حقوقية وجمعيات أهلية عدة طعنت أمام المحكمة في قرار سابق أصدره رئيس لجنة الانتخابات وزير العدل محمود أبو الليل يشترط أن يمارس المراقبون عملهم من خلال المجلس القومي لحقوق الإنسان، الذي شكلته الحكومة قبل سنتين. وعلى رغم أن وزير العدل تراجع عن هذا الشرط، إلا أن الأوساط الحقوقية استقبلت الحكم بارتياح واعتبرته "تكريساً" لمبدأ حق المجتمع المدني في الرقابة على كل أنواع الانتخابات التي تجرى في البلاد والتي ظل التلاعب فيها أمراً روتينياً ومعتاداً على مدى عقود.

 

غير أن قوى المعارضة وأحزابها المتحالفة انتخابياً ضد الحزب الوطني الحاكم، ما تزال تتحدث عن «تزوير من المنبع»، في إشارة إلى استخدام الحزب الحاكم الذي يقوده الرئيس المصري حسني مبارك ونجله جمال إمكانات الدولة وأجهزتها المختلفة لمصلحة مرشحيه. ويشكو المرشحون المعارضون من مظاهر عدة لتدخلات فظة من الحكومة للتأثير في العملية الانتخابية، أبرزها التسجيل الجماعي لعشرات الألوف من موظفي الدولة في دوائر المسؤولين والوزراء والشخصيات البارزة في الحزب الحاكم المرشحين في الانتخابات خلافاً للقانون المصري في هذا الشأن الذي يجعل القيد في جداول الناخبين فردياً ويشترط أن يكون للناخب محل إقامة في مكان قيده تحديداً.