رياح الواقع تهب على واشنطن

أخيراً بدأت تخبو حرارة صيف رهيب بدا أنه سيستمر أبد الدهر، وبدأت رياح الواقع الباردة تعصف بياقات الرئيس واللاعبين البارزين في إدارته. وهؤلاء الأشخاص الذين كانوا يفتخرون بالثبات على الدرب، بدأوا فجأة يتحركون في كل الاتجاهات لمحاولة معالجة الأمور كلها، التي تهم إدارة رئيس ضعيف في دورته الرئاسية الثانية، بينما يواجه حزبه انتخابات نصفية في الكونغرس السنة المقبلة.

العنصر الرئيسي على أجندة الرئيس لفترته الثانية، وهو إصلاح نظام الضمان الاجتماعي، أصبح في عداد الموتى، وتخفيضاته الضريبية المحببة للأميركيين الأثرياء أصبحت في العناية المشددة، وجنرالات الرئيس يقولون إن علينا خفض الوجود الأميركي في العراق لأن مجرد وجودنا هناك يثير سخط الناس العاديين ويغذي بذلك نيران التمرد الذي نحاول هزيمته.

الزعيم الجمهوري المتعجرف توم ديلاي، الذي يدير أجندة الرئيس في الكونغرس، اضطر لترك منصبه في مجلس النواب بعد أن وجهت إليه اتهامات بثلاث جنايات متعلقة بخرق قوانين الانتخابات في ولايته تكساس. وفي واشنطن، تقوم هيئة محلفين فيدرالية بالتحقيق في قضية تسريب اسم ضابط الاستخبارات فاليري بليم للصحافة، وإذا أرادت الهيئة توجيه اتهامات لبعض رجال الرئيس البارزين، فعليها التحرك قبل 28 الشهر الجاري، عندما تنتهي صلاحية تفويضها القضائي، ماذا سيفعل الرئيس جورج بوش إذا واجه دماغه السياسي المدعو كارل روف اتهامات بالتآمر أو الحنث باليمين؟ وماذا إذا وقف بجانب روف في قفص الاتهام سكوتر ليبي الساعد الأيمن لنائب الرئيس ديك تشيني. كما تنتشر شائعات في شوارع واشنطن وأروقة البنتاغون بأن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد يفكر جدياً بتقديم استقالته.

ومع أن الأمريكيين أنفقوا أموالاً طائلة على تدريب وتجهيز أكثر من 200 ألف عراقي في الجيش والشرطة، فإن الجنرالين الأميركيين جون أبي زيد قائد القيادة المركزية وجورج كيسي قائد القوات البرية يعترفان الآن بأن كتيبة عراقية واحدة ربما لا يتجاوز تعدادها 700 جندي هي الوحيدة القادرة على القيام بعمليات ضد «المسلحين».. بعد عامين كاملين هناك كتيبة واحدة فقط قادرة على العمل بشكل مستقل دون الدعم والتوجيه من الأمريكيين.

وعلاوة على ذلك سارع الرئيس إلى قمع أي أفكار عن خفض حجم الوجود الأمريكي على الطرقات والشوارع في العراق، وهو وجود لم يعد يحول العراقيين إلى تبني الديمقراطية، بل يزيد من عدد المتحولين إلى المقاومة. وكل ما فعله الرئيس خلال مؤتمره الصحافي هو أنه تجاهل نصيحة جنرالاته والعاصفة المتعاظمة في العراق وأميركا بشأن مستقبل احتلالنا لهذا البلد، وأعلن «إننا لن نغادر العراق، وسوف ننجح»(!!)

ولكي تزداد الأمور سوءاً، عادت فضيحة تعذيب السجناء إلى دائرة الضوء بفضل نقيب شاب لم يرق له ما سمعه عن تعذيب المعتقلين العراقيين وطلب من رؤسائه الإرشاد بشأن معايير سلوك الجنود الأمريكيين ليتطور الأمر باتجاه تمرير تعديل على «قانون تفويض الدفاع» من شأنه (نظرياً) تحريم أية معاملة قاسية أو غير عادية للمحتجرين تحت «وصاية أمريكية» في أي مكان في العالم برغم تهديد بوش باستخدام الفيتو وبرغم محاولات القيادة الجمهورية لمجلس الشيوخ لمنع التصويت على التعديل وحتى أن معارضيه ذهبوا إلى حد القول علناً بأنه يجب إعطاء قواتنا حرية استخدام نفس أساليب الإرهابيين ضد أولئك الذين نأسرهم.

إذا كنا نريد أن نصبح قاسين ومتوحشين مثل القاعدة، فلماذا نحارب القاعدة؟ إذا فعلنا ذلك ربما لن نكون أفضل من القاعدة، وربما أيضاً نبرم صفقات مع أسامة بن لادن، كما فعلنا في السابق عندما أرسلنا أشخاصاً مثل رامسفيلد لإبرام صفقات مع صدام حسين.

 

■ جو غالواي