العـار الأمريكي

تحت هذا العنوان كتب الصحافي الأمريكي توماس فريدمان مقالة استعرض فيها أسباب مغادرة وفد عراقي واشنطن عائداً إلى العراق، في خطوة مباغتة، قطع بها زيارته التي كان يفترض أن تستغرق وقتاً أطول في الولايات المتحدة، بهدف دراسة نمط الديمقراطية الأمريكية. وقال متحدث باسم الوفد الذي ضم عدداً من القضاة والصحفيين، إن أعضاء الوفد قد ذهلوا لبعض التصرفات الصادرة عن إدارة الرئيس بوش. 

ومن ثم رأوا أن من الأنسب اقتصار تعرضهم لنمط الديمقراطية الأميركية عند هذا الحد(!!). وعن الوفد تحدث رئيسه محمد ميثاقي -وهو قاض علماني بارز، نجا مؤخراً من محاولة اغتيال دبرها ضده إسلاميون متشددون- فقال إن الدهشة عقدت لسانه وهو يستمع إلى الرئيس بوش، مدافعاً عن سبب اختياره لمستشارته هارييت مايرز، مضيفاً الدين بين العوامل والمعايير التي قام عليها الاختيار، بعد أن وصفها بوش بأنها «إنجيلية ورعة».

ومضى ميثاقي إلى القول إنه وبعد عامين كاملين أمضاهما في الاستماع إلى سلسلة محاضرات قدمها دبلوماسيون أميركيون في بغداد، حول أهمية فصل الدين عن الدولة في العراق الجديد، لا يجد ما يعبر به عن دهشته: (دعونا نستوعب الأمر مباشرة، ودون أدنى لف أو دوران، إنكم تحاضرون لنا عن مدى أهمية إبعاد الدين عن السياسة في بلادنا، ثم يأتي رئيسكم وكبار علمائكم وفقهائكم القانونيين المحافظين، ليطالبوا عامة الجمهور بتأييد اختيار مايرز لعضوية المحكمة العليا، لكونها (تحمل سمات دينية محددة)!! وكيف سيكون شعوركم إذا ما نشر خبر في صحافتكم المحلية الأسبوع المقبل، عن أن الرئيس العراقي برر تنصيب عضو في المحكمة العراقية العليا، بقوله للعراقيين «لا تحسبوا حساباً لنقص خبرته المهنية القانونية، وانظروا إلى كم هو مسلم متطرف شديد التدين؟»)

في سياق متصل أعرب عبد الوهاب الأنفي -وهو محام عراقي يعاني من عرج ناشئ عن تعرضه للتعذيب في سجون صدام حسين- عن أنه لا يطيب له البقاء ولو ليوم واحد في واشنطن، بعد أن سمع بعض مسؤولي إدارة الرئيس بوش وهم يدافعون عن لجوئهم لأساليب وممارسات التعذيب في كل من العراق وأفغانستان، علماً بأن ما يزيد على 100 عراقي لقوا مصرعهم تحت إدارة وإشراف القوات الأمريكية على السجون نفسها!! وقال: «كيف لنا أن نفهم هذا؟! نحن عائدون إلى بلادنا، قبل أن يسري الفساد إلى أعضاء الوفد، من جراء الحديث العاطل الممجوج، عن تبرير حق الأميركيين في ممارسة التعذيب والعنف بحق المعتقلين وسجناء الحرب».

وأخيراً قال صحاف وهو محرر بإحدى الصحف العراقية إنه يفضل العودة إلى بلاده إثر مشاهدته مؤتمراً صحفياً تلفزيونياً، مشتركاً بين الرئيس بوش وعشرة من الجنود الأميركيين، بالإضافة إلى جندي عراقي واحد.

قال إن الجنود أمليت عليهم أوامر من وزارة الدفاع الأمريكية، عن الكيفية التي يجيبون ويتحاورون بها مع بوش. ووصف صحاف الكابوس المرعب الذي انتابه لدى مشاهدة ذلك البرنامج، بأنه مستعار بكامله من دفاتر النظام العراقي السابق، خاصة لدى سماعه الرقيب أول العراقي، وهو يردد على مسامع بوش «شكراً على كل شيء.. إنني أحبك سيدي الرئيس» أي الكلمات ذاتها التي اعتاد الجنود العراقيون على ترديدها يومياً في أذن صدام حسين.

 

ويخلص الصحفي الأمريكي كاتب المقالة إلى القول إن مغادرة الوفد العراقي الغاضب لواشنطن زامنت عودة المبعوثة الرئاسية كارين هيوز، المكلفة تحسين الصورة الأمريكية في الشرق الأوسط ، استناداً على قناعتها القائلة «كلما تعرفوا علينا أكثر، كلما ازداد حبهم لنا»، ليستنتج أن ها هي كذبة صحفية جديدة، وقد افتضح أمرها اليوم، ومن داخل الولايات المتحدة بالذات!