الإمبريالية العالمية تهدد سلامة الأرض بيئة وبشراً وحضارةً التغير المناخي المفاجئ يحطّم أوهام أمن الولايات المتحدة القومي

قد يكون تخيل تغير المناخ تغيراً متدرجاً يبقي على الزراعات، ويطيل مدة الفصول، وهماً خادعاً وخطراً، وذلك في ضوء الكوارث العائدة الى الأحوال الجوية والمناخية مثل الأعاصير ومواسم الأمطار والفيضانات والجفاف. وللحوادث المتصلة بالأحوال الجوية أثر عظيم في المجتمع جراء ما يترتب عليها في الموارد الغذائية، وشروط الحياة في المدن، والجماعات، وجر المياه والطاقة. فعلى سبيل المثل، يترتب على التغير المناخي المتوقع تدنٍ في سقوط الأمطار على طرق رعي الماشية ويؤدي هذا التدني الى تقلص نمو العشب 15 في المئة. وهذا، بدوره، ينجم عنه ضمور وزن المواشي 12 في المئة، وانخفاض الحليب الذي يدره ضرع البقر 30 في المئة.

تشهد السنوات العشر الأولى من القرن الواحد والعشرين تسارعاً في ازدياد حرارة الغلاف الجوي. وتبلغ الزيادة العالمية المتوسطة 2.75 درجتين على مقياس فهرنهايت، في العقد الواحد، و1.1 درجة مئوية في أكثر البلدان تعرضاً. وزاد عدد الأيام التي يشهد فيها شطر كبير من أميركا الشمالية وأوروبا، وأجزاء من جنوب أميركا، ذروة تفوق 32.5 درجة مئوية، 30 في المئة قياساً على القرن (العشرين) الماضي. ونقص عدد أيام الجليد. والى زيادة الحرارة يتقلب الطقس تقلباً حاداً وغير متوقع. فتكثر الفياضانات في البلاد الجبلية ويصيب الجفاف زراعة الحنطة والسهول الساحلية. وعموماً، يلحق تغير المناخ ضرراً اقتصادياً في مناطق واسعة. ويتسبب في عواصف وجفاف وحرارة مرتفعة تطاول الزراعة وأنشطة أخرى يؤثر الطقس فيها. ففي فرنسا، مثلاً، ثمة حاجة الى زيادة الأطباء المناوبين في شهر آب (أغسطس) من كل عام.

ويظهر أثر التغير المناخي، في 2005، ظهوراً ملحوظاً في بعض المناطق. فتنجم عن العواصف والرياح أمواج مديدة وعميقة، وفيضانات، في الجزر المنخفضة القريبة من نيوزيلندا. وقد تؤدي عاصفة قوية في 2007، الى كسر سدود البلدان المنخفضة (هولندا)، وإغراق مدن ساحلية كبيرة مثل لاهاي. وانهيار السدود في جزر دلتا ساكرامانتو، في وادي كاليفورنيا الوسطى، ينشئ بحراً داخلياً يعرقل تغذية جنوب كاليفورنيا بمياه الشفة، فتستحيل حماية المنطقة من المياه المالحة في موسم الجفاف. ويتسارع ذوبان الجليد في الهملايا، ويقسر بعض سكان التيبت على ترك مواطنهم. وفي 2010، يتوقع ان يختفي الجليد العائم في البحار القطبية، في أثناء الصيف. وهذه البحار خسرت 40 في المئة من الجليد بين 1970 و2004. وذوبان الجليد يرفع مستوى البحر. وبينما يتقلص المدى البحري في الشتاء، تتعاظم قوة موج المحيطات وتوقع الضرر في المدن الساحلية. وتتهدد الفيضانات ملايين الأفراد في العالم. وتبلغ احتمالات حدوثها، في 2010، أربعة أضعاف حدوثها في 2003. ويطرد تغير حرارة المياه الأسماك من مناطق الى اخرى، ويؤجج المنازعة على حقوق الصيد، ويبعث الاضطراب في الصناعات السمكية.

وقد تفضي قلة الأمطار الى أزمة غذائية بأوروبا. فتسعى هذه في تقييد هجرة السكان من البلدان السكندينافية وأوروبا الشمالية، ونزوحهم بحثاً عن الدفء. وكذلك شأنها مع الهجرات من بلدان افريقيا وغيرها. ويتهدد الولايات الجنوبية (في الولايات المتحدة) وسواحلها ارتفاع مستوى المحيط ومياهه، فتضطر الولايات المتحدة الى استعمال مواردها في تغذية سكانها، والى تحصين حدودها، والانكفاء على نفسها، والاقتصار على ادارة التوتر المتعاظم في العالم. وقد تعاني الصين من نقص مواردها الغذائية قياساً على عدد سكانها الهائل.

ولا ريب في ترتب العنف والاضطرابات عن التأزم الناجم عن تغير المناخ المباغت. فتتهدد الأمن الوطني أو القومي مخاطر من نمط يختلف عن النمط المعروف والشائع. فقد تقع مجابهة عسكرية عن حاجة ملحة الى الموارد الطبيعية، طاقة أو غذاء أو ماء، وتتقدم (المجابهة) على الحرب المتصلة بالإيديولوجية والدين والكرامة الوطنية. وبواعث المجابهة الجديدة تملي تقديراً مختلفاً لمواضع الضعف، وصياغة نظام الانذارات الوطني الراهن صياغة جديدة.

وتعاني القدرة على الإعالة، وهي قدرة طبيعية بيئية واجتماعية واقتصادية وثقافية، في مناطق العالم ونواحيه كلها، مشكلات حادة. فالزيادة على طلب النفط، يتوقع أن تزداد 66 في المئة في السنوات الثلاثين الآتية، ولا يدري أحد مصدر العرض. والمياه العذبة شأنها شأن النفط في مناطق متفرقة من العالم. ويبلغ عدد الذين لا يأكلون عند جوعهم 815 مليون نسمة. ويرى كثيرون ان التجديد التقني وتكييف سلوكنا قديران على تمكيننا من تدبير الكوكب تدبيراً مناسباً. ولكن انتشار المجاعة والأوبئة، ووقوع الكوارث المناخية، وتعاظم حاجات بلدان كثيرة، لن تعدم التقليل من القدرة على الإعالة. ويدعو الشعور باليأس الى المبادرة الى الهجوم في سبيل تعديل الميزان.

فيسع المراقب تصور بلدان أوروبا الشرقية، وهي تجهد في سبيل تموين سكانها بموارد غذائية ومياه وطاقة متناقصة، وهي ترمق روسيا، وسكانها في طور الأفول، وتطمع في الاستيلاء على حنطتها ومعادنها ومصادر طاقتها. ويسعه تصور اليابان تحت وطأة فيضانات تجتاح مدنها الساحلية، وإصابة الأوبئة احتياطها من المياه العذبة، وهي تنظر نظرة اشتهاء الى احتياط جزيرة ساخالين من النفط والغاز الذي يمكنها من تشغيل مصانع تحلية المياه واستعمال التقنيات الزراعية التي تحتاج الى تغذية كبيرة بالطاقة. ويسع المراقب تصور باكستان والهند والصين، وفي حوزتها كلها سلاح نووي، وهي تشهد تكاثر الحوادث على حدودها المشتركة جراء السكان اللاجئين، والتنافس محل الأنهر المشتركة والأراضي المروية. ويبلغ عدد الأحواض النهرية التي تتقاسمها أمم عدة 200 حوض. وهي كلها نذر منازعات على المياه العذبة والري والمواصلات. ويجتاز الدانوب اثني عشر بلداً، والنيل تسعة بلدان، والأمازون سبعة.

وقد تتكتل الولايات المتحدة وكندا كتلة واحدة، وتختزلان مراقبة الحدود (ما لم تشأ كندا الانفراد بطاقتها المائية وتتسبب في مشكلات طاقة لجارتها). وقد تنضم الكوريتان الواحدة الى الأخرى، وتملكان معاً السلاح النووي. واجتماع أوروبا في وحدة متماسكة يجعل مراقبة الهجرة عليها يسيراً، ويقوي ردها على العدوان. وقد تنضم روسيا، المملوءة الوفاض بالمعادن والنفط والغاز الطبيعي، الى أوروبا. وتعوض الطاقة النووية نقص الطاقة وندرة مواردها. وعلى هذا، فانتشار الطاقة النووية، والتخصيب في ركابها، لا رادّ لهما. وتستوي الصين والهند وباكستان واليابان وكوريا الجنوبية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، الى اسرائيل وإيران ومصر وكوريا الشمالية، في حيازة قدرات نووية.

وفحص البلدان التي تحظى بتماسك اجتماعي قوي (شأن اليابان) في إدارة التأزم العسكري والسياسي أقوى من البلدان الضعيفة التماسك. ولن يكون يسيراً على البلدان ذات النسيج الولود بالمنازعات، مثل الهند وجنوب افريقيا واندونيسيا، المحافظة على الاستقرار. والقدرة على التكيف، وعلى بلوغ الموارد وتناولها، عامل حاسم في تجنب الاضطرابات(...)

 (كاتبا التقرير المعد للبنتاغون والمنشور على موقعه)، لوديبا الفرنسية،

 

■ بيتر شفارتز ودونغ راندال