محمد الجندي محمد الجندي

غضبة على روسيا

الإدارات العربية تشن غضبة «مُضرية» على روسيا غير أن «المُضريين» كانوا يغضبون على أعدائهم. أما إداراتنا الجليلة فحربتها موجهة ضد أصدقائها. لماذا؟ لأن روسيا لم تقبل حتى الآن بصدور قرار لمجلس الأمن يسمح للأطلسي بدك المدن السورية.

ما فائدة مثل ذلك للأشقاء العرب؟ فائدته نيل حظوة أكبر لدى الإدارة الأمريكية. إن الالتصاق بالإدارة الأمريكية يفسر كل نشاطات الأشقاء ضد حزب الله، وضد إيران، وضد السلاح السوري. سلاح حزب الله يؤلف درعاً ضد الغزو الإسرائيلي للبنان، وكان كذلك في 2006، ولذلك يجب أمريكياً تأليب كل القوى ضده، ويحصل ذلك برعاية الأشقاء العرب الذين من المفروض أن يحرصوا على استقلال لبنان، فسيادته هي جزء من سيادتهم، وسيادة العراق هي جزء من سيادة بلدانهم أيضاً. السلاح الإيراني يؤلف تهديداً من بعيد أو من قريب للعدوانية الإسرائيلية في المنطقة، ولذلك يجب أمريكياً تأليب كل القوى ضده، وهذا ما يحصل بأمر من الإدارة الأمريكية. والسلاح السوري يؤلف حماية إلى هذا الحد أو ذاك من العدوانية الإسرائيلية فيجب أمريكياً تدميره ومن أجل ذلك تحرك الأشقاء بجدعنة لا مثيل لها وبتضحيات كبيرة بالمال وبالسلاح وبالسمعة.

النظام السوري عمره أكثر من 40 سنة فأين كان الأشقاء المعارضون حالياً عندما كانت تذبح الذبائح له ويسبح الناس بحمده؟ أين كانت المعارضة السورية قبل التمويل والتدريب البترولي– الأمريكي؟ لقد دفع الأشقاء العرب للنظام السوري الكثير قروضاً ومساعدات من كل نوع. ما عدا من بدا (كما يقال)؟

المسألة بسيطة: كانت الإدارة الأمريكية مع النظام، وإذا كان «بنو تميم» معه فكل الناس معه أما إذا غضبت الإدارة الأمريكية، «بنو تميم»، فكل الناس غضاب «اقتباس من بيت الشعر: إذا غضبت عليك بنو تميم، حسبت الناس كلهم غضاباً». والإدارة الأمريكية اليوم غاضبة من سورية مثلما كانت قبلاً غاضبة من العراق، فاحتلت العراق.

والإدارة الأمريكية عندما تقرر الغزو لبلد ما، فإنها لا تنتظر لا المعارضة الداخلية في البلد، ولا التمهيد الإعلامي ولا مجلس الأمن. أما بالنسبة لسورية فإن الغزو لن يكون إطاره إقليمياً فقط، وهو يصطدم مع الإدارة الروسية استراتيجياً، ولذا لا توافق روسيا غالباً عليه أو لا توافق عليه بسهولة.

إضافة إلى ذلك، فإن التمدد الأمريكي يهدد العالم كله، فأي دولة يمكن أن تتعرض للغزو حتى الكبيرة منها وما الدرع الصاروخية الذي تحاول الإدارة الأمريكية نصبه، إلا بهدف إطلاق يدها العسكرية في كل بلدان العالم، وكل شعوب العالم.

والأشقاء، المفروض بهم أن يعرفوا أنهم أيضاً في خطر، ولكنهم يستطيبون الجناح الأمريكي، و«اليوم خمر وغداَ أمر».

أما المعارضة السورية الكريمة، فمن الضروري أن تعرف، أن الإدارة الأمريكية «تحبها» جداً فحضور أربعة سفراء (الولايات المتحدة وفرنسا والدانمارك واليابان) في مجلس عزاء إنسان عادي لا يحدث إلا في جنازة مثل بن غوريون، وهذا ليس إلا تقديراً للجهود الجبارة التي تصب في الهدف الأمريكي.

وأيضاً فإن تثبيت الكونغرس الأمريكي للسفير الأمريكي في سورية يتناقض مع حذف شرعية النظام السوري. فإذا كان المرء لا يعترف بنظام قائم في بلد، فكيف يرسل إليه سفيراً؟ اللغز بسيط فالسفير له مهمة، وهو نشيط، يزور المناطق، ويحضر مجالس العزاء، وربما سيدبك في الأعراس... الخ.

ومع هذا الحب الكبير من جانب الإدارة الأمريكية، كيف لا يكون الأشقاء ضد روسيا، وكيف لا يشنون عليها حملة شعواء حتى ولو لم يكن أحد في سورية ضدها؟

أن روسيا والعياذ بالله هي ضد دك المدن السورية بقنابل الأطلسي، وضد الديمقراطية التي تمزق البلد وفق السيناريو اليوغسلافي وضد «المسيحية لبيروت والعلوية عالتابوت».

 

الغضبة على روسيا طبيعية وتنسجم مع الالتصاق بالإدارة الأمريكية من أجل تدمير المنطقة كلها لا سورية وحدها.