لماذا السباق نحو «موقعة الموصل»؟
انطلقت يوم الاثنين الماضي 17/10/2016، «معركة تحرير الموصل»، حيث شرعت القوات العراقية بتحرير القرى الأكثر قرباً من المدينة. ووصل عدد القرى المحررة في الساعات الـ24 الأولى إلى حوالي 20 قرية، بسبب التراجعات الكبيرة لمقاتلي تنظيم «داعش» في اتجاه عمق المدينة.
تمثلت الضربة العسكرية الأكبر التي تلقاها «داعش» قبل معركة الموصل، وبعد الدخول العسكري الروسي إلى سورية، في العمليات التي استهدفت قوافل إمداد التنظيم بالوقود قرب الحدود السورية- التركية، إضافة إلى ضرب مراكز العمليات اللوجسيتية بكثافة والتي أعلنت عنها وزارة الدفاع الروسية تباعاً عبر أشرطة الفيديو. وصيغة «الضربة العسكرية الأكبر» هنا، تأتي بالمقارنة مع ما قام به طيران «التحالف الدولي» بقيادة واشنطن بعد آلاف الغارات في العراق، والتي كانت نتيجتها زيادة تمدد التنظيم المنتعش بـ«أخطاء التحالف».
سقوط الأساطير حول التنظيم
من هنا، يمكن القول أن التقدم السريع الذي يجري في معركة الموصل اليوم، يعني أن «داعش»، كظاهرة، قد وصلت إلى نهاياتها، بغض النظر عن أعداد المقاتلين وتجهيزاتهم. المهم أن القدرة الحقيقية على التمدد، أو حتى الكر والفر، تتداعى. وإن النظر إلى ما حُقق حتى الآن انطلاقاً من الفلوجة حتى ضواحي الموصل، يسقط مرة أخرى (بعد معارك عدة في سورية) الأساطير التي بنيت حول صورة هذا التنظيم و«جبروته».
جملة العوامل التي أنتجت إعلان ساعة الصفر في الموصل، تتعدى تبعاتها النتائج العسكرية، التي تبدو محسومة بالنظر إلى الخط البياني لتقدم القوات العراقية، والعمل يجري اليوم سياسياً لترتيب أوضاع ما بعد تحرير الموصل، التي من المرجح (حسب تقارير صحفية وتصريحات مسؤولين) أن تنتهي بنهاية العام الحالي، وفق سلسلة من تحركات أمريكية وتركية تحاول الاستفادة قدر الإمكان من عملية التحرير.
تركيا في جنازة «داعش»
تركيا- الممر الرئيسي لإرهابيي «داعش» وأسلحتهم- حسرت دعمها، مرغمة ومدفوعة بجدية النشاط الروسي في مكافحة الإرهاب. وجاء التفاهم الروسي- التركي مؤخراً ليثبت التراجع التركي عن دعم هذا التنظيم الإرهابي.
الآن يحاول «التركي» بكل جهده الانخراط في المعركة ضد التنظيم، مستفيداً من وجوده على الأراضي العراقية في معسكر بعشيقة، الذي يستخدم لـ«ضمان عدم تسرب عناصر داعش نحو الأراضي التركية» كما يقول، وهو ما لاقى رفضاً عراقياً شديداً، أحرج الأتراك بعد السقف العالي والتهديدات التي أطلقوها في حال السماح لهم بالمشاركة، وهو ما خففه الجانب التركي بتصريحات حول تضمين المشاركة التركية داخل قوات «التحالف» الذي تقوده واشنطن، وأشار إليه رئيس الوزراء، بن علي يلدريم، بأكثر من تصريح، قال في واحد منه: «أن هناك اتفاقاً على مشاركة تركيا في التحالف الدولي في العراق».
تبرؤ أنقرة ولهاثها لمحاربة الإرهاب، هو محاولة لتبييض صفحتها، لكن شاءت الظروف أن المأزومين الذين شاركوا في تصنيع الأدوات الفاشية كـ«داعش»، باتوا يمشون في مقدمة جنازته..! وبغض النظر عن مسببات كل طرف، ومنها التركي فالمؤكد اليوم أن الحرب على الإرهاب باتت الشعار العريض الذي على الدول والتنظيمات جميعها أن تتبناه، وتعمل وفقه، وهي إثبات لمشروعية الوجود والدور بالنسبة لأية قوة سياسية أو عسكرية في المنطقة.
هذا «السباق» نحو تحرير الموصل، لم يكن ليتحول إلى واقع لولا الأرضية التي مهدّت إلى إجبار الدول الغربية على التعاطي بجدية مع مسألة مكافحة الإرهاب، بعد سنوات من التغاضي و«الأخطاء» التي تغذى عليها التنظيم.