مصر على مفترق طرق التغيير
" ....... يراقب عامل واجهة المركز التجاري الذي صار رماداً بعد تفجيرات الصيف الماضي والذي عاد جديداً اليوم. كثير من زملائه قضوا في الانفجار. ومع ذلك يقول منتحباً :" أتمنى لو أن أحداً يفجره من جديد." لماذا ؟ " لأنني أعمل مثل العبيد مقابل راتب .. .".
الأوجه المحجوبة لسيناء - لوموند (25/4/2006)، مبعوث خاص- ترجمة نشرة سوريا الغد (1/5/2006) ما إن تطأ بقدميك أرض القاهرة وتحلق بناظريك في سمائها وشوارعها وساحاتها حتى تدرك أن هناك قاهرتين ومصرين.
القاهرة الأولى - أو مصر الأولى - لا فرق فإن تحدثت عن القاهرة فكأنك تتحدث عن مصر وبالعكس، هي القاهرة الطافية على السطح. فهي قاهرة الأغنياء والفنانين والشريحة العليا من الطبقة الوسطى من أطباء ومحامين مشهورين وسياسيين وصحافيين يكتبون في صحافة الخليج ومن بعض العاملين في الشركات الأجنبية.......الخ، وهم رواد شرم الشيخ والغردقة والساحل الشمالي.
وهذه القاهرة هي التي تظهر في وسائل الإعلام، وهي التي تنتخب، وهي التي تمارس الحياة العامة، وهي التي تتمثل في جهاز الدولة. فهي صاحبة الحياة الحزبية، سلطة ومعارضة، وهي من تملك الصحف أيضاً سلطة ومعارضة. فكل الحياة السياسية وكل الحراك الاجتماعي يدور ضمن هذه الطبقة التي يقدرها بعضهم بخمسة عشر مليوناً. وحتى الإخوان المسلمين تدور حركتهم وتعبيراتهم السياسية ضمن هذا الطبقة. وهنا استغرب أحد الأصدقاء عجز هذه الحركة، رغم تاريخها الطويل في العمل السياسي، عن إفراز تيار اجتماعي يعبر عن مصالح المهمشين ويؤسس لتجربة شبيهة بلاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية.
أما مصر الأخرى، الغارقة مقابل الأخرى الطافية، التي تشكل ثلاثة أرباع المصريين أو ربما أكثر فهي في حالة اختفاء وكأنها لابسة طاقية الإخفاء. إذ لا وجود رسمي لها سوى في أخبار الكوارث، مثل قطار الصعيد أو عبارة الموت، أو الجرائم .......
عالمان منفصلان لا صلة بينهما سوى عبر السائق والبواب والشغالة.
سألت محدثي أستاذ العلوم السياسية سؤالاً مباغتاً:
- هل تعتقد أنه مر في التاريخ، منذ حروب الفرنجة وحتى اليوم، زمن بلغت فيه مصر مثل هذا التراجع من الخراب الداخلي وانحسار الدور الإقليمي.
وفهم محدثي غاية سؤالي فقد كنا نتحدث عن انحسار دور مصر في القرن الإفريقي وفي السودان والمشرق العربي والخليج. فلم يفكر إلا قليلاً ليجيبني بثقة بالغة:
- لا اعتقد.
وأكد إجابته مرتين.
أما السؤال عن المخرج من هذه الأوضاع المزرية داخلياً فقد كان في مكان آخر. أحد قادة العمل الطلابي في انتفاضة الطلاب أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات يرى أنه لا يوجد حل من داخل المؤسسات القائمة ولا من خارجها في المدى المنظور. بل إن الأوضاع تتجه نحو انفجار شامل شبيه بانتفاضة يناير77، حيث سيحتل المهمشون الشوارع فيحرقون وينهبون ويكسرون لمدة ثمان وأربعين ساعة أو لاثنين وسبعين ساعة، وبعدها ينزل الجيش إلى الشوارع ليضبط الأمن.
نمحص قليلاً في احتمالات التغيير من داخل المؤسسة، الجيش، الشرطة، رجال الأعمال، الطبقة الوسطى. لكن محدثي يستبعدها واحدة إثر الأخرى لأسباب مختلفة. ثم فجأة يتوقف ويصمت قليلاً، وكأنه اكتشف للتو احتمالاً لم يخطر على باله من قبل ويمكن أن يكون بداية للتغيير. قال:
- هناك احتمال وحيد حالياً من داخل المؤسسة هو تحرك القضاة المصريين. والسلطة تدرك ذلك لذا تراها متوترة منه.
راجعت كلامه يوم الاثنين وأنا أشاهد العنف البالغ الذي تتعامل به السلطات المصرية مع اعتصام القضاة، وقبلها ما فعلته من إحالة اثنين من كبار القضاة إلى مجلس التأديب لأنهما فضحا البلطجة والتزوير في الانتخابات.
لكن هل هذا هو الاحتمال الوحيد للتغيير في مصر؟
أبداً فقد طرح يوم الاثنين، الذي بدأ بضرب القضاة، احتمالاً آخر هو: تفجيرات سيناء، أي التغيير العنيف من خارج المؤسسات القائمة.
مصر الآن في سباق بين هذين الاحتمالين تغيير من داخل المؤسسات القائمة ويؤشر له حراك القضاة. وتغيير من خارج المؤسسات وتؤشر له تفجيرات سيناء.
فبأي الطريقين ستسير مصر؟
هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة. لكن الأمر الأكيد أن مرحلة قد وصلت إلى نهايتها في مصر.