انتقال الصدام بين «الجيش» و«العدالة والتنمية» إلى مرحلة جديدة.. صدام العملاء لا يظهر الديمقراطية!
استقال رئيس أركان الجيش، ورئيس القوات الجوية، ورئيس القوات البحرية، في 29 تموز 2011، وقد اعتبر بعض الصحفيين هذه الاستقالات مرحلة جديدة من الديمقراطية، أما البعض الآخر فقال (أضيف للتاريخ صفحة جديدة) والبعض رأى في هذه الاستقالات موقفاً. وما زال مجلس الشورى العسكري يناقش تلك الاستقالات.
أما بالنسبة للضباط المستقيلين فقالوا: لقد استقلنا لعدم قدرتنا على الدفاع عن زملائنا المعتقلين.
بدأت المساومات الحادة في مجلس الشورى العسكري، ولكن هذه المساومات كانت نتيجتها لمصلحة العدالة والتنمية، والامبريالية لم تعط أمراً للجيش ليتحرك، وهذا جعله عاجزاً كالغول بلا أسنان، مما أدى إلى الاستقالة. ولكي تثبت حكومة العدالة والتنمية، أنها صاحبة السلطة وإن القوة بيدها بدأت عملياتها داخل الدولة الأوليغاركية. وحولت الجيش إلى المرتبة الثانية في بعض المجالات. مما جعل الأوضاع تسير إلى هذه المرحلة.
يا ترى هل الصدام بين الجيش والعدالة والتنمية هو صدام بين الديمقراطية والديكتاتورية؟ أم هل دخلت العدالة والتنمية هذا الصدام للدفاع عن الديمقراطية؟
طبعاً من غير الممكن أن تخوض العدالة والتنمية صراعاً هكذا دفاعاً عن الديمقراطية، فالصدام حدث لمصلحة معينة تخص الجيش والعدالة والتنمية.
نحن نرى أن الصدام ليس له علاقة بقمع الشعب، ومعاناته، ومطالبه، ولم يحدث بين الطرفين ما يشير إلى اهتمام أحدهم بذلك فهذا النزاع، ليس نزاع ديمقراطية، بل نزاع مصالح، (عندما قامت العدالة والتنمية بتجنيد بعض الضباط لخدمتها وجعلهم تابعين لها عندئذ بدأ الخلاف بين الطرفين أوصلهم إلى هذه المرحلة التي لا تتعلق بالديمقراطية).
منذ عدة سنوات مضت حاولت الحكومة إصدار قرار بإرسال مجموعات مسلحة من الشرطة إلى الجبل للقضاء على الثوار ولكن الجيش رفض لأنه قادر على هذه العملية وحده وعارض أي تدخل، أما حالياً وبعد هذه الأحداث والمجريات تغير موقف الجيش وأصبح مستعداً ليضع يده بيد الحكومة ويقبل التعاون مع الشرطة للقضاء على كل الثوار الموجودين في الجبل.
طبعاً من الطبيعي أن يقفوا معاً لأن المصالح واحدة، والهدف واحد (ضد الشعب) وهذا يوحدهم ويقرب بينهم فالقتل، والضرب، والنهب، صفاتهم المشتركة وهذا مُثبت بأكثر من طريقة وبأكثر من عدة مرات.
إنهم يدافعون عن مصالح الإمبريالية وعملائها
أن الإمبريالية تدعم سياسة العدالة والتنمية مما يقويها ويدفعها لتقوم بما تقوم به، ولا حدود لما تقوم به من أعمال تدل على ولائها للإمبريالية، فهي الطفل المدلل لدول أوروبا منذ نشأتها.
لقد استفادت الإمبريالية من وجود العدالة والتنمية في الحكم، فقد أدرت عليهم الأموال لدرجة ملئت صناديقهم، وكلما ملئت صناديقهم أكثر زاد فقر الشعب أكثر. وتزايدت عمليات العصيان والاحتجاج والتمرد، ولكن حزب العدالة والتنمية، يظهر للإمبريالية أن الأحوال مستقرة وآمنة مما يجعله يبدو جيداً وهذا يزيد من قيمته في نظر الإمبريالية.
الجميع يعلم أن لا أحد من عناصر الجيش، أو السياسيين، أو النواب، يتجاوز أوامر الإمبريالية.
عندما استقال رؤساء الجيش أعلن الإتحاد الأوربي في بيان له أن تركيا تتقدم نحو(الديمقراطية)، وأعلنت أمريكا أنها مؤيدة لحكومة العدالة والتنمية وأعلنت أيضاً أن هذه مسألة داخلية، وأن مؤسسات الدولة التركية السياسية تؤمن بنا.
بعد التصريح الذي صدر عن زعماء الإمبريالية (الاتحاد الأوروبي، أمريكا) اتخذ الصحفيون والبرجوازيون الأتراك موقف المؤيد لهذه الأفكار، والمقتنع بهذه التصريحات.
نرى هنا علاقة المؤسسات السياسية الخاصة والتابعة للدولة، علاقة بيع وشراء فكل طرف مستعد لبيع الطرف الآخر بقرش. لقد باعوا الجيش بأرخص الأثمان ولم يؤيدوه. حتى الأمس كانوا يصرحون أن الجيش هو حامي الوطن والشعب أما اليوم، لا يتذكر أحد ذلك والكل يؤيد عزل الجيش من الحكم ليصبح الحكم مدنياً.
لقد أصبحت العدالة والتنمية حبيبة الإمبريالية وطفلها المدلل، أما الجيش فعزل من هذا المنصب مما أفقده قوته، وجعل أعلام البرجوازية يميلون نحو الطرف الأقوى (العدالة والتنمية) ويؤيدونه. حتى الحزب الشعبي الجمهوري الذي كان يصرح سابقاً بأقوى التصريحات لمصلحة الجيش بسبب دعم الثاني له بات الآن لا يؤيده.
عندما كان الجيش يستمد قوته من الدعم الأمريكي كان يقوم بالانقلابات التي تريدها أمريكا ومتى أرادت، ولم يكن يتحرك إلا حسب الأوامر، حتى دخول الحمام لم يكن يتم دون إذن أمريكي مسبق واليوم فقد الجيش كل جهده ودعمه الذي كان يحصل عليه.
عندما كان الجيش ينفذ الأوامر ويقوم بأحد الانقلابات كانت أمريكا تصرح (أولادنا قاموا بالانقلاب) فقد ربتهم ليكونوا مطيعين مخلصين لها، أما اليوم تغيرت المصالح الأمريكية فلم تعد حالياً بحاجة إلى الجيش بل حاجتها الآن لحكومة مدنية، (حكومة العدالة والتنمية) لذلك تقوم بدعمها حتى تقوم بتنفيذ الأوامر المطلوبة منها.
ما الذي حدث للجيش الذي كان مدعوماً من الامبريالية؟ الذي كان يقسم وينظم كيفما يشاء ودون الرجوع إلى أحد.
منذ عشرات السنين كان الجيش (قوى عظمى)، أما اليوم فالامبريالية والأوليغاركية التركية بحاجة إلى هذا التحول الذي يدعم مصالحهم، وهذا البرنامج الذي يطبق على الجيش يطبق بقوة الامبريالية وليس بقوة العدالة والتنمية، حيث أنه من الواضح أن الجيش لا يخطو أية خطوة دون إذن الإمبريالية فهذه حقيقته.
لقد وصل الجيش إلى مرحلة اعتقال رؤساء أركانه الضباط، ومع ذلك لم يبدر منهم أي تصرف سوى بعض الاستقالات، أما حكومة العدالة والتنمية فلم يبدر منها أي شيء واستهترت بالموضوع تماماً، وهذا الجيش (البطل) أظهر بطولاته بتقديم الاستقالات.
أين الجيش المستقل؟ أين دفاعه عن العلمانية؟ انتبهوا إلى ضباط هذا الجيش!!
صرح أحد الضباط المستقيلين التصريح التالي: (لقد تم اعتقال 173 موظفاً و77 ضابطاً متقاعداً و250 جنرالاً وعدد الرتب الأخرى كالشاويش والمساعد أول، وكل هؤلاء المعتقلين مجردين من حقوقهم كعسكريين، ويعاملون بطريقة مزرية لا يقبلها وجدان ولا منطق ولا عدالة، ويتابع : لكي نساعد على حل هذه الأزمة تحدثنا مع المسؤولين ولكن لم نتوصل إلى حل لذلك قررت تقديم استقالتي)..
الحقوق تحت الأقدام، وماذا يفعل الضباط يستقيلون!! فقط !!.. وهم عاجزون عن الصمود ضد العملاء، والامبريالية، وحكومة العدالة والتنمية! لأنهم لا يملكون القلب القوي والعقل السليم لمواجهة الإمبريالية.
ليعودوا إلى الوراء ويتذكروا الثوار الذين قتلوهم واعتقلوهم وعذبوهم، ليتذكروا عندما اقتحموا سجن (بيرام باث) ماذا فعل الثوار لحماية رفاقهم في السجن؟ كيف دافعوا عنهم؟ ليتعلموا منهم كيف يضحي الرفيق من أجل رفيقه. ولكن هل يستطيع جيش الأوليغاركية أن يكون كذلك؟ فالثوار يفدون رفاقهم بروحهم ويضحون بحياتهم من أجلهم كما حدث في السجون عام 2000 عندما حرق الثوار أنفسهم ليحموا رفاقهم.
وعندما تم اقتحام حي (كوتشوك أرمطلو) كان أحد بيوت هذه الحارة في صوم الموت ولكي يدافع الثوار عن رفاقهم في هذا البيت أحرقوا أنفسهم فداءً لهم لحمايتهم.
أما بالنسبة للضباط الذين تم اعتقالهم بدؤوا بالبكاء، وبعد أن كانت رؤوسهم مرفوعة وأكتافهم مشدودة، أصبحوا ذوي أكتاف مهدلة ورؤوس منكًسة، وهكذا أناس لا يمكن أن يفدوا زملاءهم ورفاقهم بظفر منهم. وهذا الفرق بين المناضلين من أجل الشعب، وعدو الشعب فهم لا يستطيعون أبداً أن يصبحوا مثل الثوار لا بالقوة ولا بالعزة ولا بالكرامة.
■ عن جريدة »المسيرة نحو الاستقلال والديمقراطية والاشتراكية« في تركيا