المكارثية الأوروبية وحسابات الموت ...
برلمانيو أوروبا يخشون صور غيفارا وماركس ولينين
مواطنو أوروبا يصطدمون كل يوم بالقوانين النيوليبرالية
انهيار الأنظمة الشيوعية رافقه تدهور دولة الرفاه الاجتماعي
تعاريف الفاشية والنازية والشمولية تنطبق على الولايات المتحدة بامتياز
الهجوم على الإيديولوجية ومحاولة تغييب الصراع الطبقي يقعان في صلب السياسات الليبرالية الجديدة
ذاكرة التاريخ: الرأسمالية والاستعمار قضيا على ملايين البشر فعلياً
كل ثلاث ثوان حالياً يموت طفل من مرض قابل للعلاج
إن أهمية المقالة تكمن في أنها ترد الرد المناسب على أولئك الذين يعمدون اليوم، سواء في روسيا أو في خارج روسيا، إلى تصوير عهد ستالين وكأنه عهد لم يتخلله سوى أعمال القمع السياسي. ويتخذون من المتاجرة اليومية بهذا الموضوع في شتى المنابر السياسية والثقافية وعبر شاشات التلفزة وفي الصحف والمجلات التي تستقي معلوماتها من ترسانة الاستخبارات الأميركية والغربية، ذريعة للهجوم على الاشتراكية من جهة، وللسير قدماً في نهب ثروات الشعب من خلال اقتصاد السوق والخصخصة على خلفية هذا الضجيج المفتعل والممجوج من جهة أخرى. فيذرفون دموع التماسيح على من قُمِعوا آنذاك بوجه حق أو ظلماً، تغطية لجرائمهم الحالية وصرفاً للأنظار عنها. وقد بين العديد من استطلاعات الرأي العام في روسيا أن الشعب البسيط مايزال يكن الاحترام لهذه الشخصية التاريخية على الرغم من "علاج الصدمة" اليومي عبر الشاشة الزرقاء. وهو إذ يرى بأم العين التهتك السياسي للحكام الحاليين الذي يرعون فقط مصالح الأقلية الفاجرة التي سلبت تعب الشعب الكادح طيلة 70 سنة عجاف من حياته وحياة دولته الاشتراكية، وما تزال تسلبه اليوم أيضاً، بات يحن مجدداً إلى عهد ستالين وإلى اليد الحديدية التي تستخدم لا ضد الشعب الكادح، بل ضد مضطهديه وناهبي رزقه:
اتخذت الجمعية البرلمانية لمجلسِ أوروبا (99 صوتاً ضدّ 42) القرارُ الرقم 1481 (2006) "حول ضرورةِ الإدانةِ الدوليةِ لجرائمِ الأنظمة الشيوعيةِ التوتاليتارية"... فمن أين جاءت هذه الفكرة النبيلة، فكرة إدانةِ جرائمِ الشيوعيةِ، إلى رؤوسِ أعضاءِ البرلمان الأوروبي الآن، بعد مضي 15 سنة على تفككِ الإتحاد السّوفيتي والانتقالِ إلى الرأسماليةِ في بلدانِ شرق أوروبا؟
إنّ الجوابَ في شكلِ مقنّعِ لَيُعطيه القرار إياه. فالجمعية تشتكي من "أنّ الفَهْم العامِّ للجرائمِ التي ارتكبتها الأنظمة التوتاليتارية الشيوعية ضعيف جداً. فالأحزاب الشيوعية ما تزال تنشط بصورة قانونية في بَعْض البلدانِ حتى ولو لم تتنصل في بَعْض الحالاتِ من الجرائمِ التي ارتكبتها الأنظمة الشيوعية التوتاليتارية في الماضي".
كما أنّ النوّابَ الأوروبيينَ قَلِقون أيضاً على نفوس أبناء الجيلِ الشابِ حيث "يَلْعبُ التقييم الأخلاقي للجرائمِ المرتكبةِ وإدانتها دورا مهماً في تكوين الأجيالِ الشابةِ". كيف لا، وأعضاء الجمعية، حين يُهرولُون من ليموزينهم الفخم إلى مكتبِهم، يُمْكِنُهم أَنْ يُلاحظوا بَعْدَ أَنْ ينظروا حولهم الشبابَ وهم في ملابس أرنستو تشي غيفارا ويحملون صور ماركس ولينين وماوتسي تونغ وآخرين من "التوليتاريين"، وكذلك الرموز الشيوعية التي، كما يشار بأسف في التقريرِ، "تُستَعملُ على المكشوف" للمباهاة. ومن تعاسة حظّهمُ أن لا تحظى صور فون هايك Fon Hayek وفريدمان وبوبر Popper وغيرهم من أنبياء الرأسمالية النيوليبرالية بأية شعبية مطلقاً في البيئةِ الشبابِية.
فلماذا يا ترى نجد أن ما ينتشر في المجتمع ليس "الاعتراف بجرائمِ الشيوعيةِ "، بل بالعكس الأفكار الشيوعية؟ لماذا يتفاعل ويَنْضجُ "خطر الانتقام الشيوعي"؟
دعنا نتفق على المصطلحات
ما هي، عُموماً، الشيوعية؟ فَهْم كنه هذا المصطلح مِنْ قرارِ الجمعية يبدو شبه مستحيل. فليس في القرار أيّ تعريف، ما عدا تفسير الماء بالماء على نحو: "العقيدة الشيوعية هي العقيدةُ التي تؤمن بها الأنظمة الشيوعية. الأنظمة الشيوعية هي الحكومات التي تسترشد العقيدة الشيوعية". هذا ما يَحتوي عليه تقرير السويدي غوران ليندبلاد Lindblad الذي بُني عليه قرار الجمعية. يقول عضو البرلمان السويدي إن السمة المميزة للشيوعيةِ هي "تأميم الاقتصادِ الذي هو ميزة ثابتة من ميزات الإدارة الشيوعية، ونتاج الأيديولوجيا، فهو يَفْرضُ قيوداً على الملكية الشخصية والنشاطات الاقتصادية الفردية".
هذه الصيغةِ لا تَسْمحُ بأن تنسب إلى الأنظمة الشيوعية الصين الحديثة مثلاً حيث تنتشر "النشاطات الاقتصادية الفردية"، وبتعبير أبسط، حيث ليست الملكية الخاصّة مقيدة بأي شيء، بل هي بالعكس تُطوّرُ وتحَمى من الدولة. على أية حال، يُوافقُ الشيوعيون الحديثون ليندبلاد هذا الأمر. ففاقة العاملِ الصينيِ هي من أفضال الشركاتِ العالميةِ التي تَفْتحُ هناك المصانعَ، وليس أبداً من فضل أفكارِ ماركس أو لينين أَو ماو تسي تونغ؟ .
إنّ الشيوعيةَ لهي إنْكار للملكية الخاصّة. ونمو الشيوعيةِ الذي تُؤشّرُ إليه والذي سَتُكافحُه الجمعية، لَيشهد على أن المجتمع المستند إلى الملكية الخاصّة والرأسمالية يَظْهرُ للناسِ غير مريح وغير كفءِ وغير فعال، بل معادياً أيضاً لهم. أما البرلمانيون مِنْ عداد أعضاء الجمعية فيُفاجئهم ألا يستعجل مواطنو أوروبا لسبب ما إدانة جرائم الشيوعيةِ، وهم الذين يَصطدمونَ كُلّ يوم بالأنظمةِ والقوانين النيوليبرالية التي ترافقُها حتى في بلدان أوروبا الغنية أمور كزيادة الأسعارِ ونمو البطالة والتشغيل الجزئي وتخفيض الإعانات الاجتماعيةِ وتقليص فرص العمل واستقطاب الثروةِ والفاقةِ. ومما يُفاجئهم أكثر أن "عناصر مُخْتَلِفةِ في العقيدةِ الشيوعيةِ مثل المساواةِ والعدالةِ الاجتماعيةِ، ما زالَت تَأْسرُ عقول العديد مِنْ السياسيين".
لكن شعوبَ أوروبا، بخلاف "ممثليها البرلمانيين"، تَتذكّرُ أن انهيار "الأنظمة الشيوعية" سبّب أيضاً تدهور "الدولة الاجتماعية" في كُلّ البلدانِ الأوروبيةِ بعد أن كَانتْ محاولةَ ردّ من الرأسمالية على "الخطر الشيوعي". والآن، عندما أخذت الجمعية تَستعدُّ للإدانة الدولية "لجرائم الشيوعيةِ"، يُمْكِنُ للأوروبيين البسطاء بكل ثقة افتِراض أنّ عقارب السياسة سَتَنحرفُ أكثر لصالح عالم رأس المالِ منها لصالح عالم العملِ.
علاوة على ذلك، لا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ هناك أوهام: فما تجري إدانته هو العقيدة الشيوعية ذاتها مع ما تحمله من أفكارِ المساواة الاجتماعية والتطوير المنسجم للشخصِية، وليس التجاوزات المتفرقة التي ارتكبت في أثناء محاولاتِ تطبيق هذه العقيدة. في هذه المناسبةِ قال ليندبلاد: "يَجِبُ أَنْ يَكُونَ واضحاً أَنَّ هذه الجرائمِ ارتكبتْ باسم العقيدة الشيوعية وليس مِنْ بلد معين".
"كلّنا ندينُ التوتاليتارية"
مُدبجو قرارِ الجمعية لا يفتأون يَستعملُون لوصف خاصيةِ الأنظمة الشيوعية مصطلح التوتاليتارية. ومن المحتمل أنهم في كل هذا لا يَعْرفونَ إلى أية ورطة يَقودونَ أنفسهم. فهذا المصطلح اخترِعَ إبان "الحرب الباردةِ" كمفهوم عام يُمْكِنُ أَنْ يوحد ما بين الدول الاشتراكية والنظام الفاشي الذي كان قائما في سنوات 1933-1945 في ألمانيا. وفكرة الخَلْط بين الشيوعيةِ والفاشيةِ بَدت ناجحَة بالنسبة إلى أيديولوجيي الليبرالية. لكن المشكلة هي في أنهم ما إن تَوقّفوا عن مجرد لعن التوتاليتارية ووصم الآخرين بها، وتنطحوا لإعْطاء تعريف دقيق إلى هذا الحد أو ذاك لها مِن خلال العثور على سمات مشتركة بين النازيةِ الألمانيةِ والشيوعية السوفيتيةِ، ظَهرَ أنّ البلدَ الوحيد الذي يمكن أن ينطبق عليه مثل هذا التعريفِ هو الولايات المتحدة الأمريكية.
وإذا ما استعملنا الأسلوب نفسه للعثور على سمات مشتركة بين قرار الجمعية والقرارات الصادرة عن قيادات الرايخ الفاشي فإن نجاحا أكبر بكثير من نجاح الباحثين في "التوتاليتارية" سوف يحالفنا. فهتلر لم يفعل سوى أن صاغ بصراحة أكبر ما يفضل الساسة الأوروبيون اليوم قوله بتعابير مهذبة سياسيا. جاء في كتاب "كفاحي" لأدولف هتلر: "إن المسألة الرئيسية ذات الأهمية الحاسمة بالنسبة إلى مصير الأمة الألمانية جمعاء لهي مسألة القضاء على الماركسية".
وهنا لا بد من التذكير بأن الهتلريين عندما احتلوا نصف أراضي الاتحاد السوفياتي في الشطر الأوروبي فسحوا المجال هناك واسعاً أمام المبادرة الفردية واقتصاد السوق. ولعل البرلمانيين الأوروبيين سيجدون فائدة وراهنية في رأي هتلر في دور المبادرة الفردية والاستثمار الحر في حياة المجتمع. فهو من قال: "رجل الأعمال المسؤول عن الإنتاج يؤمن بذلك لقمة العيش للعامل. ومرد رفعة كبار رجال الأعمال عندنا إلى مواهبهم وقدراتهم. إنه الاصطفاء الذي ليس يؤكد سوى انتمائهم إلى العنصر الأرقى، ويعطيهم الحق في أن يقودوا". أوليست هذه هي الصيغة التي تستخدمها اليوم الحكومات الأوروبية في معرض تقليصها لرقعة التقديمات الاجتماعية والحقوق العمالية لصالح رجال الأعمال؟
طريقة أورويل
"من يسيطر على الماضي يسيطر على الحاضر. ومن يسيطر على الحاضر يسيطر على المستقبل". هذا ما كتبه جورج أورويل. والجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا إذ تتبع وصفات "وزارة الحقيقة" في الحكاية المخيفة للكاتب الإنجليزي تريد أن تستولي على الحاضر بغية التمكن من السيطرة على المستقبل. فالمستقبل ينبغي أن يرتكز وحسب على المبادرة الفردية والسوق الحرة كما يقولون. وهذا يعني أن حق المواطن البريطاني لاكشمي ميتال في أن يملك عشرات المصانع التي يكدح فيها مئات الآلاف من الأشخاص، وكذلك في الحصول على الأرباح باستخدام عملهم، يجب أن يبقى ويستمر إلى الأبد. وكل من يريد أن ينازع السيد ميتال وأمثاله هذا الحق سيكونون مسؤولين عن جرائم الشيوعية في الماضي والمستقبل.
وهكذا يضحي جريمة، أو أقلّه إعداداً للجريمة، مجرد الشك في عدالة أن يتملك السيد ميتال من الأموال أضعاف أضعاف ما يملكه مئات ألوف العمال!
احتساب الجثث
تتحدث نكتة ظهرت في بداية التسعينيات في روسيا عن عالم ليبرالي راح يحتسب عدد ضحايا الأنظمة الشيوعية. وما عتم أن جن جنونه لأن عدد الأشخاص الذين قتلهم الشيوعيون تجاوز بحساباته أضعاف أضعاف سكان الأرض قاطبة.
وها هم صانعو قرار الجمعية البرلمانية الأوروبية اضطروا هم أيضا إلى استعمال طريقة احتساب الجثث معيدين إلى الذاكرة عشرات الملايين من القتلى.
قال السيد ليندبلاد في تقريره: "قتلت الأنظمة الشيوعية باسم الأيديولوجيا عشرات الملايين من الفلاحين الأغنياء والكولاك والمشايخ والبرجوازية والقوزاق والأوكرانيين وغيرهم من الجماعات. هذه الجرائم هي نتاج مباشر لنظرية الصراع الطبقي وضرورة القضاء على الأشخاص الذين اعتبروا غير ذوي فائدة على صعيد بناء المجتمع الجديد".
تعالوا نرد على التحدي بالتحدي ونحتسب مع ليندبلاد الأموات. بوسعنا حتى أن نأخذ في حسابنا عدداً هائلا من "القتلى الأبرياء". ثم نقارن الرقم فقط بعدد الجثث التي تعج بها طريق المبادرة الفردية الرأسمالية، لنصل إلى النتيجة النهائية للموازنة.
كم عدد الجثث التي مر فوقها رجل الأعمال الحر؟
أعتقد أن المائة مليون قتيل في خلال سنوات استعمار إفريقيا رقم سيفوق بكثير عدد "ضحايا الشيوعية" حتى بحسب أكثر الأرقام طموحاً بين ما أورد حتى الآن. هذا السعر "البخس" دفعته شعوب إفريقيا لأجل التصنيع والتطوير المتضخم لبقعة صغيرة من اليابسة تسمى أوروبا. لأجل أن يستطيع اليوم السيد ليندبلاد وأضرابه أن يدينوا جرائم أناس رغبوا "رغبة مجرمة" بالقضاء على الظلم.
أما الهند التي كانت تحت سلطة الإنجليز قرنين من الزمن فتشكل مثالا جيداً. فرجال الأعمال الإنجليز أفلسوا ودمروا بدايةً صناعةَ النسيج الهندية، ما أدى إلى مجاعة في بلاد البنغال، المركز الرئيسي لصناعة القطن في الهند. وفي عامي 1769-1770 ذهب الجوع بأرواح 7 ملايين هندي هم ثلث سكان المنطقة. وعادت المجاعة مرة أخرى إلى هذه البلاد في ثمانينيات وتسعينيات القرن الثامن عشر، فأزهقت أرواح نصف السكان: 10 ملايين نسمة. ومع انتشار سلطة الإنجليز في كل أرجاء الهند صارت المجاعة فاجعة قومية. فخلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر أودت المجاعة بحياة 26 مليوناً من الهنود، أي ما يناهز المليون نسمة في العام.
وإيرلندا التي بقيت تحت السيطرة الإنجليزية حتى فترة أطول من الهند هي أيضا "موقع جريمة" ارتكبتها الطبقات الحاكمة الإنجليزية. فمنذ عام 1841 وحتى عام 1851 تقلص عدد سكان إيرلندا بنسبة 30 بالمائة، وكان هذا نتيجة طرد الفلاحين الإيرلنديين من أراضيهم على أيدي مالكي الأراضي البريطانيين، ومن بين هؤلاء مليون شخص تقريبا قضوا جوعاً، أي كل واحد من ثمانية إيرلنديين. وفي القرن التاسع عشر راحت الطبقة الحاكمة البريطانية توزع الأفيون والمخدرات بين سكان الهند على أنها دواء من الأمراض وتعزز القدرة على العمل. علاوة على ذلك عُمِل على نشر هذا المخدِّر كـ"دواء مرخَّص" بين العمال الإنجليز أنفسهم. على هذا الأساس انبنى الجبروت الصناعي لمالكي رأس المال البريطانيين وكبرت ثروتهم. وما يزال خلفاء "إنسانيي" تلك الأزمنة قابعين حتى اليوم في مكاتب الاحتكارات البريطانية الضخمة. ويجلس على العرش الملكي خليفة الملكة فيكتوريا وأسلافها الميامين الذين حكموا الإمبراطورية البريطانية خلال سنوات أعمال الإبادة تلك. وبقيت على حالها مع تعديلات طفيفة ببنية الدولة ذات المجلسين (مجلس العموم ومجلس اللوردات) والحزبين المتبادلين السلطة (المحافظين والعمال). فنحن أمام النظام الاجتماعي نفسه الذي ولّد الجرائم، أمام النظام السياسي نفسه تقريبا، أمام ورثة الأشخاص الذين صنعوا رساميلهم على جماجم الهنود والإيرلنديين والعمال البريطانيين أنفسهم. ومع ذلك، هل رأيت أيها القارئ كثيرا من الأفلام أو قرأت كثيرا من المقالات أو الكتب التي تتحدث عن هذه الجرائم؟ هل تعرف الكثير عما يفضح جرائم الرأسمالية الاستعمارية البريطانية؟
إن الحضارة الأوروبية كما نعرفها تكونت بعد فتح أمريكا. وقد أبيد خلال السيطرة عليها واستعمارها بهذه الطريقة أو تلك ما بين 90 و120 مليوناً من السكان الأمريكيين الأصليين. هؤلاء الناس الذين، بحسب تعبير ليندبلاد "اعتبروا غير ذوي نفع لبناء المجتمع الجديد" المبني على مثل المبادرة الرأسمالية الحرة، أبيدوا عن بكرة أبيهم تقريباً. فقد طهِّرت منهم المساحات التي يقوم عليها، بين بلدان أخرى، بلد الملكية الخاصة المثالي، الولايات المتحدة الأمريكية.
كيف يمكن وقف مسلسل الموت؟
كل هذا كان طبعا في زمن بعيد. ولكن حتى بعد الحرب العالمية الثانية ارتكب النظام الحاكم البريطاني مذابح في الملايو (أو ملقّا) بجنوب شرق آسيا وفي اليونان وفي الشرق الأوسط، والفرنسي في الهند الصينية، والأميركي في كوريا وفييتنام والعراق وأفغانستان ومن جديد في العراق. فقط في الحربين الأميركيتين الأوليين تم القضاء على 6 ملايين نسمة. الحرب العالمية الثانية نفسها انتهت بالقضاء على 443 ألف ياباني في هيروشيما وناغاساكي من دون أن يكون لهذا أي موجب عسكري. والمذبحة العراقية ما تزال مستمرة. وبالأمس القريب جدا، في التسعينيات، غطت السلطات الفرنسية، ومن ضمنها الرئيس فرنسوا ميتران نفسه، وساندت مدبري الإبادة في رواندا حيث لم يبق على قيد الحياة من أصل الـ900 ألف شخص من قبائل التوتسي التي كانت قاطنة هناك إلا 130 ألف شخص على الأكثر. فـ"جنود السلام" الفرنسيون والبلجيكيون "لم يتدخلوا" آنذاك لوقف المجزرة. وفي الكونغو أودى التدخل والحرب التي نظمها الأمريكيون والفرنسيون بحياة ما يقرب من 4 ملايين إفريقي نهاية التسعينيات.
وهكذا، حتى حساب بسيط لضحايا الملكية الخاصة وخصومها يبين أرجحية هائلة لـ"رجال الأعمال" في مجال إبادة الناس لا تمكن مقارنتها بأي أعمال قتل أخرى في المطلق والنسبي معاً. ولكن الأهم ليس حتى هذا. الأهم أن القضاء على التملك الفردي يمكن أن يفضي إلى وضع يجعل قتل الناس غير لازم أبداً. أما الحفاظ على التملك الفردي فيجعل الحروب وقتل الناس بالجملة من السمات الأبدية الملازمة "للحضارة".
في كل ثلاث ثوانٍ يموت على سطح كوكبنا طفل من مرض قابل للعلاج. ذلك أن حظه قليل لأنه ولد في بلد ليست متوفرة فيه الأدوية، أو في عائلة ليس بمقدورها دفع ثمنها. ومثل هذا القدر تقريبا من الأطفال يموت بسبب أنهم محرومون من الماء أو الغذاء أو الدواء. هؤلاء الأطفال توفوا من جراء مشاكل كان من شأن "النظام الشيوعي التوتاليتاري" أن يعالجها بفاعلية وسرعة. وهكذا ترتد الحجة المتحدثة عن "دمعة الطفل" هي الأخرى لصالح خصوم التملك الفردي.
إن نفوذ عالم التملك الفردي ليس يمكن أن يقوم إلا على الاحتساب الدائم لضحايا الثورات والمعارك الطبقية والتذكير بها باستمرار مع إخفاء ضحايا "المبادرة الحرة". هذا الاستنتاج هو وحده الذي يمكن أن نستنتجه من فعل اتخاذ القرار المكارثي من الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا. وهو لعمري نفوذ لا يساوي فلساً واحداً!