من قتل عرفات؟... من قتل الحريري؟
كثرت مواقع الانترنت التي تناولت مؤخراً نبأ تأكيد المخابرات الفرنسية أن الموساد الإسرائيلي وراء قتل الحريري، حيث أبلغ مسؤول فرنسي يعمل في الإدارة العامة للأمن الخارجي الفرنسي موقع (واين مادسن ريبورت) الأمريكي المستقل أن رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري قتل في حادث تفجير سيارة بترتيب من هذا الجهاز سيء الصيت.
ويعد هذا الكشف من المخابرات الفرنسية مهما لأن فرنسا جاك شيراك انضمت إلى واشنطن وتل أبيب في تحميل سورية مسؤولية الجريمة في وقت تتنصل فيه دول وبلدان أخرى في مقدمتها إسرائيل من التعاون مع لجنة التحقيق الدولية في نسختها الثانية برئاسة سيرج براميرتز حسب تأكيده هو.
ووفقا لمسؤول الإدارة العامة للأمن الخارجي الفرنسي DGSE ، فقد أرادت إسرائيل ومؤيدوها الأمريكيون وضع اللوم على سورية في حادثة اغتيال زعيم شعبي لبناني لاتهامها وتحفيز ثورة لبنانية شعبية تضغط لانسحاب القوات السورية من لبنان تمهيداً للقيام «باستهداف نظيف» تشنه إسرائيل بدعم أمريكي، ضد حزب الله والبنية التحتية اللبنانية.
وبينما كنا في قاسيون أول من أشاروا إلى أن اغتيال الحريري هو بقرار دولي اتخذ على أعلى المستويات، كنا كذلك من أوائل من أشاروا إلى أن رئيس السلطة الفلسطينية السابق ياسر عرفات هو الآخر اغتيل إسرائيلياً ولم يمت طبيعياً. الآن وبعد كل محاولات الضغط وتغييب المصادر الطبية الخاصة بالرئيس الراحل ينقل موقع عرب 48 الالكتروني عن أمنون كابليوك في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية مادة تؤكد أن الأجهزة السرية الإسرائيلية هي من قتلت عرفات، ويورد الكاتب بعض الحقائق والقرائن للاستدلال، وفيما يلي مقتطفات مطولة من المادة المذكورة:
عشية وفاته كتب الصحفي، أوري دان، صديق أرئيل شارون، «أن يدي شارون قد أطلقتا في أعقاب محادثته مع الرئيس بوش في الرابع عشر من نيسان 2004، وعندها بدأ الوضع الصحي لعرفات بالتدهور».. فكيف عرف الصحفي دان أن المرض قد عشش في جسد عرفات منذ نيسان قبل أن ينتشر بعد شهور كثيرة..
تزامن أحداث نادر جداً حصل هذا الأسبوع، ففي حين كنت أطالع الكتاب الجديد، الذي نشر في فرنسا، للصحافي أوري دان، كاتم سر شارون، وصلني النبأ بوفاة المؤلف. وقد بادرت إلى الحصول على الكتاب، الذي كان عنوانه «شارون» في أعقاب اتصال هاتفي من صديق باريسي، وهو صحفي خبير بالشؤون الإسرائيلية. وكنت قد قلت له في محادثة سابقة، بعد وفاة الرئيس الفلسطيني أن موت ياسر عرفات، وبحسب علامات كثيرة ومختلفة، ليس طبيعياً وإنما بتدخل «أيد غريبة».
كما قلت أن إسرائيل حاولت الاغتيال بوسائل كيماوية، واعترفت بذلك، في محاولة اغتيال خالد مشعل الفاشلة في عمان أيلول 1997، ولا يوجد سبب لعدم تكرار ذلك مع أبو عمار، الذي كان يعبر شارون عن كراهيته له في كل مناسبة (وكل نصف مناسبة)، مع تهديد «بتصفية الحساب معه».
وفي المحادثة الهاتفية، قال «لدي مفاجأة لك.. أمامي كتاب أمين سر شارون، أوري دان، وهو يكشف سر اغتيال عرفات. ويذكر في الكتاب، على سبيل المثال، المحادثة الشهيرة التي أجراها شارون مع الرئيس بوش في البيت الأبيض في الرابع عشر من نيسان 2004، والتي أبلغ شارون فيها بوش أنه ليس ملتزماً بأي تعهد من قبل آذار 2001، في لقائهما الأول بعد هزيمة باراك في انتخابات الكنيست، وبموجبها تعهد بعدم المس جسدياً بياسر عرفات. وعندها أجابه بوش ربما من الأفضل إبقاء مصير الرئيس الفلسطيني بيدي خالق الكون، وعندها سارع شارون إلى الإجابة »إن خالق الكون يحتاج إلى المساعدة في بعض الأحيان«..
هذا الجزء من المحادثة، كان قد نشره أوري دان في الرابع من تشرين الثاني 2004، أي قبل أسبوع من وفاة الرئيس الفلسطيني. وقال الصديق الباريسي» ولكن هناك في الكتاب إضافات أخرى مهمة.. دان يكشف هذه المرة كيف انتهت المحادثة بشأن عرفات.
قرأ صديقي في الصفحة 401 من الكتاب:« ظل الرئيس بوش دون حراك.. فهو لا يعطي شارون الضوء الأخضر لتصفية عرفات، ولكنه لا يفرض عليه التزامات جديدة.. وكان شارون راضياً.. وسارع إلى الصحفيين ليقول لهم إن يديه مطلقتان بشأن رئيس السلطة الفلسطينية»..
(وبعد أن أعيد إلى رام الله ليدفن فيها) سارع الفلسطينيون إلى اتهام إسرائيل بتسميم عرفات، وأعلنوا عن فتح تحقيق، كما يكتب دان. وكما كان يفترض بدان أن ينكر بطريقة أو بأخرى التهمة الخطيرة الموجهة إلى إسرائيل ورئيس حكومتها، إلا أنه لا يقوم بذلك.. أما لماذا؟ فالجواب في الصفحة 403 « سيسجل التاريخ أن شارون قام بتصفية عرفات دون أن يقتله»..
الكلمتان الأخيرتان تخلقان نوعاً من عدم الوضوح، قلت لصديقي ربما يكون القصد بأنه قام بتصفيته دون استخدام السلاح. وأضفت أنه ربما من الأفضل أن أتصل بالصحفي دان لأسأله. إلا أن صديقي الباريسي أجاب بأنه لا يوجد أهمية لذلك. وقال إن المهم هو كيف عرف المؤلف المعلومات التي تشير إلى أن المرض قد عشش في جسد أبو عمار لمدة شهور طويلة، إلى أن انتشر في خريف 2004 وقضى عليه بسرعة..
لا يمكن الآن التأكد من ذلك، لكون المؤلف قد توفي بعد أيام قليلة من تلك المحادثة، في حين لا يزال «بطل القصة» شارون في حالة خطيرة..
كان هناك من أشار إلى د.وديع حداد، أحد مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ورئيس شعبة العمليات فيها، والمسؤول عن اختطاف طائرات وعمليات كبيرة أخرى ضد أهداف إسرائيلية وأمريكية في سنوات السبعينيات من القرن الماضي.. نجا من إطلاق النار في شقته في بيروت.. إلا أنه أصيب بعد ذلك بمرض مجهول، وخضع للعلاج في مستشفى في برلين الشرقية، في حينه، وتوفي بعد شهرين دون أن يتم تحديد سبب الوفاة، تماماً مثلما حصل مع الرئيس الفلسطيني.
ويختم الصحفي الإسرائيلي: لا شك أن الصحفي دان كان أحد أولئك الذين يعرفون الحقيقة، وإذا لم يعرفها منذ اللحظات الأولى فقد عرفها لاحقاً.
تعليق أخير: إن من قتل عرفات هو من قتل الحريري وهو من يغتال فلسطين ولبنان والعراق والمنطقة، فماذا نحن فاعلون؟...