القادة العرب وتجريب المجرب!!!

بعد احتلال بيروت 1982 صرح الرئيس الأمريكي آنذاك رونالد ريغان بالحرف: «أن الجيش الإسرائيلي وعديده أربعمائة ألف عسكري، هو ثروة استراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، ولو لم يكن هناك لاضطررنا نحن الحلول محله...»!
...وهكذا دارت الأيام من حيث لم تحتسب واشنطن وعملاؤها، واضطرت هي إلى الخروج بنفسها عسكرياً إلى المنطقة التي كان يكفي فيها حتى أمد قريب، وجود الجيش الصهيوني لحماية المصالح الإمبريالية ـ الصهيونية الاستراتيجية من خطر وعي الشعوب المتزايد بضرورة انتزاع زمام المبادرة والتزام خيار المقاومة الشاملة...

وإذا كان الجيش الإسرائيلي لم يعد قادراً على تحقيق المطلوب منه استراتيجياً، فإن النظام الرسمي العربي أصبح كذلك بحاجة لمن يحميه من غضب شعوبه، ولم تعد ذات معنى الوعود التي قطعها السادات يوم 28/10/1973 لوزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر بـ «إن حرب 1973 هي آخر الحروب ضد إسرائيل، وأن 99% من أوراق الحل بيد أمريكا، وأنه لن تقوم للسوفييت قائمة بعد الآن في المنطقة...».
... وبجردة حساب بسيطة وسريعة نرى أنه منذ «اتفاق فصل القوات» على الجبهتين المصرية والسورية، ومؤامرة «كامب ديفيد» وضمنها زيارة السادات للقدس المحتلة، إلى وساطة فيليب حبيب وخروج قوات منظمة التحرير من لبنان، إلى مؤتمر مدريد نزولاً إلى أوسلو ووادي عربة، إلى «خارطة الطريق»، إلى امتلاء الأرض العربية بالقواعد العسكرية الأمريكية، وصولاً إلى غزو العراق وتدمير بنية الدولة فيه، كان النظام الرسمي العربي عموماً يدعي زوراً أن أمريكا لا تفهم مصالحها في المنطقة وأنها تنفذ سياسة إسرائيلية يحركها اللوبي الصهيوني في واشنطن.
... لكن بالمقابل كانت الشعوب في البلدان العربية، تدرك بحسها العفوي وتراكم تجاربها المريرة مع حكامها المهزومون ومع العدوانية الإمبريالية ـ الصهيونية المتنامية، إن لا خيار أمامها إلا مواجهة الإمبريالية الأمريكية والصهيونية ومن لف لفهما في الداخل والخارج. وهذا هو السياق الموضوعي الذي تفجرت فيه الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية وقبلها المقاومة المدنية في الجولان المحتل، والمقاومة الوطنية اللبنانية، وصولاً إلى تحرير الجنوب في أيار عام ألفين والبطولة الأسطورية في هزيمة العدوان الصهيوني في تموز 2006، عبر المقاومة وليس المساومة والمفاوضات العقيمة، وبذلك سقطت مقولة السادات ومن والاه بأن حرب 1973 هي آخر الحروب ضد الكيان الصهيوني.
...ولم تعد قائمة مقولة «الـ 99% من أوراق الحل السياسية بيد أمريكا»، وإلا لما كانت مضطرة لجلب كل هذه الجيوش والأسلحة إلى المنطقة وإعطاء الكلمة الفصل في مدة بقائها وعديدها إلى الجنرالات وليس إلى السياسيين، الذين تحولت تحركاتهم وجولاتهم في المنطقة إلى مهمة تبرير وجودها العسكري وتحميل عملائها مسؤولية الجرائم التي يقترفها الجيش الأمريكي المحتل ضد الشعب العراقي.
ففي جولتها الأخيرة كانت وزيرة الخارجية الأمريكية «الجنرال» رايس معنية قبل كل شيء بانتزاع الموافقة العلنية من مصر ودول الخليج والأردن (6+2)، على ما يسمى بالإستراتيجية الأمريكية الجديدة في العراق والتي فسرها الجنرال جورج كايسي قائد القوات الأمريكية في العراق صراحة بأنها تتمثل في «في جلب المزيد من القوات والبقاء لفترة طويلة جداً في منطقة الخليج».
...ولتبرير البقاء الطويل وجلب المزيد من القوات قامت رايس في اليوم الأخير من زيارتها للمنطقة بجلب وزراء خارجية دول الخليج ومصر والأردن إلى الكويت وانتزعت منهم جماعة ما سمعته بالمفرق حول تأييدهم ومباركتهم لخطة البنتاغون الجديدة في العراق ولم يتجرأ أحد من الحاضرين ليس بالمطالبة «بتحرير القدس» بل حتى بتوصيات بيكر ـ هاملتون... لكن «الوزراء العرب» سمعوا من رايس باهتمام إلى محاضرة في الهجوم على سورية وحزب الله وحركة حماس والمقاومة العراقية ودفعت كل هؤلاء أمام النشامى من الوزراء العرب بصفة الإرهاب. ولم يفت رايس التأكيد على ضرورة تجييش الشارعيين العربي والإسلامي مذهبياً ضد إيران بحجة الخطر الشيعي ـ الفارسي والنووي!!
... لكن بعد أن تحولت فكرة المقاومة إلى واقع لا يهزم لن تقع شعوبنا في خطأ تجريب المجرّب... ولن يقبل أي عاقل في بلادنا بأن إرسال الأساطيل والجيوش الأمريكية إلى الخليج هو لحماية العروبة والإسلام!