وقف الصراعات الدموية ... استراحة مقاتل أم نهاية مرحلة؟

خمسة أيام سوداء، مفعمة بالمرارة والغضب، نثرت دماء المواطنين على وجه الوطن. سقط ثلاثة وثلاثون قتيلاً، وأكثر من مائة جريح، في إشتباكات دموية، إستخدم فيها المتقاتلون كل أنواع الأسلحة المتوفرة – جزء كبير منها لم يظهر لمواجهة الحملات الوحشية لجيش الإحتلال- ومارسوا خلالها أبشع عمليات التصفية الجسدية لبعضهم بعضاً، وعاثوا في محافظات "غزة" و "الضفة" خراباً ودماراً، أعاد للذاكرة الحية صور الهمجية الصهيونية التي كانت متلازمة مع كل إقتحام وتوغل عسكري عدواني، خاصة مع صور الإستعراضات البدائية، العبثية، لعمليات الإختطاف والإعتقال.

لم يكد يجف حبر البيان الذي إختتم به "خالد مشعل" و "محمود عباس" لقاءهما المنتظر في دمشق، حتى عادت البنادق إلى "سابق عهدها" بالحوار! ولهذا لم تكن النوايا –التي يحرص البعض على تردادها بكثرة هذه الأيام– هي الضمانة للعودة لطاولة الحوار، لأن متعهدي "فوضى الخراب" في الساحة الفلسطينية مصممون على تنفيذ الأجندة الأمريكية/الصهيونية، عبر عملية تلازم متكاملة، تتعهدها قوى عديدة في بعض أقطار الوطن العربي، بهدف ولادة "الشرق الأوسط الجديد أو الكبير". لكن اللافت لنظر المراقبين كان "الفعل ورد الفعل" الذي ساد صراع قطبي الأزمة، والذي كشف بدوره، إضمحلال وضمور الحراك السياسي / الجماهيري المنظم لوقف الإقتتال. فكل جهود قوى "الوسطاء" لم تستطع أن تترجم دعوتها للجماهير بالنزول للشارع للفصل بين المتقاتلين، هذه الجماهير التي تم تغييبها عبر عملية إقصاء منظمة، ظهرت بعض خطواتها في تفكيك كل المنظمات النقابية، وسد المنافذ أمام أي دور للتجمعات الشعبية "لجان الدفاع عن حق اللاجئين في العودة" وكذلك رفض النداءات التي وجهتها مئات الشخصيات الثقافية والأكاديمية للمشاركة في النقاش والحوار الدائر في الغرف المغلقة. لقد كشفت الأحداث المأساوية التي عاشتها مدن وقرى القطاع والضفة، عن قصور بارز للقوى السياسية الأساسية، التي كان مطلوباً منها أن تكون قادرة على تشكيل "قطب ثالث" يجمع كل التشكيلات السياسية والشعبية من أجل كسر ثنائية القطبين، وفتح الأفق أمام حراك سياسي شامل ذي مضمون جذري.

حوار البنادق

لقد حمل البيان الذي تلاه "محمود الزهار" بحضور "روحي فتوح" ممثل الرئاسة، وأعضاء الوفد الأمني المصري –وغياب قيادات القوى الفلسطينية!- بنقاطه التسعة، صيغة الإتفاق الجديد الذي أعلن مساء يوم الإثنين المنصرم، تتويجاً لجهود عديدة كما أعلن "اسماعيل رضوان" أحد المتحدثين باسم "حماس" بقوله (إن هناك جهوداً مصرية وجهوداً من الفصائل، وحركة حماس تدرس المبادرة المصرية). لقد شكل التوافق على القضايا المطروحة بالبيان، إستجابة حقيقية لمطالب الشعب والأمة، وجاء رداً على بعض الحكومات والقوى التي حاولت الإشارة إلى أن مايجري ماهو (إلا ّ حروباً بالوكالة لأطراف ومحاور إقليمية، تسعى لإحباط بعض المبادرات الهادفة إحياء المفاوضات الصهيونية الفلسطينية)! إن ماتعامى عنه بعض أصحاب "النوايا... الحسنة" هو الدور المباشر للعناصر الفاسدة والمفسدة، التي تسعى لفرض مخططها التفجيري الواسع، كجزء من عملية إعادة تركيب المنطقة حسب الإستراتيجية البوشية الجديدة.

جمر الأزمة الخافت

مع ساعات فجر يوم الثلاثاء 30 كانون الثاني، دخل الإتفاق حيز التنفيذ، فقد خلت الشوارع من المسلحين، وتوقفت "الحرب" الإعلامية، وعاد معظم المختطفين إلى بيوتهم، وبدأت اللجان المشتركة ممارسة مهامها. إن الإستجابات السريعة لتنفيذ الإتفاق، تشير إلى قدرة كل طرف على ضبط أعضائه ومقاتليه، كما تدلل على أن ماحصل، لم يكن تصرفات فردية غير منضبطة، بمقدار ماكان تنفيذاً للتوجيهات القيادية. وغني عن القول بأن بقاء مفاعيل الأزمة الثنائية القائمة على إزدواجية "الرأسين" و تحديد "الحقائب الوزارية" وعدم الإتفاق على برنامج عمل وطني محدد يلتزم به الجميع، لن يسحب فتيل الإنفجار، بمقدار مايساهم مؤقتاً بإطفاء الحريق. من هنا تبرز المخاوف من أن يتمكن البعض من النفخ مجدداً في جمر الأزمة الخافت. إن الإستجابة لمبادرات الأشقاء العرب، خاصة، الإجتماع المزمع عقده في "مكة المكرمة" بعد أيام، يجب أن يأتي مترافقاً مع الإستعدادات السريعة للنقاش المعمق والحوار الجاد، الشامل والجماعي، للأوضاع الداخلية الفلسطينية، وتحديداً، منظمة التحرير الفلسطينية، والإتفاق على الوحدة الوطنية من أجل التوصل للحكومة.
إن التوافق الجماعي على برنامج الصمود والنهوض الوطني، سيوفر للجميع الأساس الحقيقي لمواجهة مخططات العدو، وسيساهم بنسف الدور التخريبي لقوى الرابع من شباط/آذار الفلسطينية.                        

آخر تعديل على السبت, 01 تشرين1/أكتوير 2016 15:03