رسالة القاهرة - خاص قاسيون رسالة القاهرة - خاص قاسيون

رغم التعتيم الإعلامي المنهجي والمشبوه وباعتماد الصمود إضراب عمال مصر يحقق بعضاً من مطالبه.. والمعركة لم تنته بعد!

بعد ثلاثين عاما من الانتفاضة الشعبية الهائلة في كانون الثاني/يناير 1977 والتي شارك فيها العمال على أوسع نطاق وبفعالية كبيرة للغاية، اشتعلت الإضرابات العمالية التي شارك فيها حوالي 80 الف عامل بقطاع الغزل والنسيج.

بدأها عمال شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى (بمحافظة الغربية) وهي كبرى شركات الغزل والنسيج في مصر. ثم توالت الإضرابات وامتدت إلى شركة مصر للغزل والنسيج بكفر الدوار (محافظة البحيرة قرب الاسكندرية)، وشركة مصر شبين الكوم للغزل والنسيج (بمحافظة المنوفية)) وشركة الدلتا للغزل والنسيج بطنطا (محافظة الغربية) وشركة المنصورة اسبانيا للملابس الجاهزة بمدينة طلخا (محافظة الدقهلية) إضافة لذلك ومن خارج قطاع الغزل والنسيج أضرب عمال مزارع الدواجن المملوكة لشركة أميركانا بمحافظة الشرقية التي تتبعها مطاعم بيتزا هت وكنتاكي وهارديز وغيرها من المأكولات الأمريكية.

ويعتبر قطاع الغزل والنسيج من أهم مكونات القاعدة الصناعية المصرية إن لم يكن أهمها، وهو الذي تمتع منذ أمد بعيد بكفاءة وشهرة عالمية.

ومنذ بدأت سياسة الانفتاح الاقتصادى في أواسط السبعينيات وصولاً إلى خروج الدولة من عملية التنمية الاقتصادية الاجتماعية والتحول إلى اقتصاد السوق وبدء الخصخصة أي إلى التبعية الكاملة للامبريالية توقفت عمليات الإحلال والتجديد في المصانع بما أحدث بها أضراراً فادحة وشاع الفساد بشكل هائل وبدأ تقليص المصانع  بإغلاق وتصفية وحدات وورشات وأقسام. وتم فتح السوق المصرية على مصراعيها أمام المنتجات الأجنبية المنافسة. وتم تقليص العمالة بوقف تعيين عمال جدد مكان العمال الذين وصلوا سن 60 عاما. ثم بدأت عملية إجبار العمال على الخروج إلى المعاش المبكر بأساليب الضغط والإكراه أو الخداع  بما حرم الصناعة من خبرات ثمينة تكونت على مدى عقود. وأخيراً عقدت اتفاقية (الكويز) وهي بمثابة دعم لصناعة الغزل والنسيج الإسرائيلية على حساب خراب صناعة الغزل والنسيج المصرية. وهكذا بدأ تآكل ماتمتعت به هذه الصناعة من أفضليات .

الإضرابات من حيث الكم والكيف:

كمياً، امتدت إلى مواقع عديدة وبشكل متزامن ومتقارب وفي محافظات مختلفة باستثناءات قليلة. وشملت مصانع لا تزال تابعة للقطاع العام وأخرى للقطاع الخاص أو في المراحل الأخيرة لاتمام الخصخصة. وبذلك عبرت هذه الحركة الإضرابية ما كان سائدا في السنوات الأخيرة من تبعثر الاضرابات التي كانت تتم في نطاق شركة واحدة .

كيفياً،  فقد تم رفع سقف المطالب في بعض المصانع في سياق الإضراب. كما جمعت بين الإضراب عن العمل والاعتصام والإضراب عن الطعام وإقامة الخيام لحماية العمال من الأمطار في أحد المصانع. أي أنها استخدمت وسائل واساليب عديدة بعضها جديد تماما .

كيفياً أيضا تميزت برفض العمال لمساومات وضغوط وألاعيب الإدارات واتحاد العمال ووزارة القوى العاملة لإنهاء الإضرابات مقابل وعود بتلبية المطالب، وإصرار العمال على تنفيذ مطالبهم أولاً.

كيفياً أيضا تميزت بظهور قيادات عمالية طبيعية جديدة. وقام العمال بفرض العزلة على النقابات المنتخبة منذ فترة وجيزة وعلى اتحاد العمال وقياداته. وكانت الحكومة وقادة الاتحاد قد قاموا بشطب وعدم تمكين العمال النشطاء وعدد كبير من النقابيين من دخول الانتخابات أو النجاح فيها. وهكذا انحازت اللجان النقابية المنتخبة والاتحاد إلى الإدارات والبرجوازية وضد مصالح العمال.

كيفياً أيضا فقد كانت الإضرابات مصحوبة بقدر من الوعي والتنظيم الجيد مع قدر من المواقف التي تجاوزت المطالب الاقتصادية وتمثلت في بعضها في المطالبة بوقف الخصخصة ومهاجمتها.

إزاء صمود العمال وفشل كل الضغوط فقد تم اجتماع عاصف بمقر اتحاد العمال ضم وزيرة القوى العاملة ورئيس الاتحاد ورئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج وعدد من النقابيين وأعضاء مجلسي الشعب والشورى لبحث سبل الخروج من الأزمة. تم بعدها الرضوخ لمطالب العمال. حيث توج الأمر بتدخل رئيس الجمهورية شخصياً لإنهاء المشكلة. وتحقق للعمال ما يلي:

رفع قيمة بدل الوجبة الغذائية للعمال بأثر رجعي من يوليو 2006

تعديل لوائح تسعيرات عمال الانتاج المعمول بها منذ عام 1960 لجميع العاملين بقطاع الغزل والنسيج.

وفي شركة كفر الدوار تقرر دعم وتحديث مشفى الشركة وإعادة النظر في نظام الحوافز وفتح باب الترقيات وتعديل اللوائح المنظمة بواسطة لجنة تنهي أعمالها آخر نيسان 2007، وتسوية حالات العاملين بالانتاج طبقا لمؤهلاتهم الدراسية وتحديث أسطول نقل العمال بالشركة .

أما في شركة شبين الكوم فقد تمت إقالة رئيس مجلس ادارة الشركة بناء على طلب العمال كما تم صرف مستحقات العمال قبل تسليم الشركة للمستثمر الهندي وتبلغ خمسة ملايين جنيه و856 ألف  جنيه (أكثر من مليون دولار). وهي عبارة عن مستحقات 7 شهور سابقة. وكذا العلاوة الدورية، إضافة إلى صكوك ملكية للعمال لاثبات حقهم في نسبة 12  بالمائة من أسهم الشركة وإطلاعهم على عقد البيع ووضعهم القانوني وموقفهم بعد تسليم الشركة للمستثمر الهندي. وإضافة إلى كل ذلك فقد تم اعتبار أيام الإضراب راحة مدفوعة الأجر.

أهم الاستخلاصات

الاستخلاص الأكثر اهمية هو تصاعد الصراع الطبقي في البلاد وتحول حالة الاحتقان التي سادها الهدوء الي حالة حركة وفعل. إضافة إلى الزخم الذي أضافه انتصار العمال وازدياد وعيهم وجرأتهم في النضال مستقبلاً.

إن هذه الحركة يصعب وصفها بالعفوية  بشكل كامل فدرجة التنظيم والاستمرار لها  دلالات هامة. وهي من ناحية أخرى تميزت بالاستقلالية. وهي استقلالية تتميز بأنها ليست مجرد ابتعاد عن تأثير النقابيين الحكوميين السابقين الذين كانوا يجيدون المساومة مع البيرقراطية الحكومية ويميعون الصراع ويخدعون العمال. وكانت الاستقلالية من ناحية اخرى متمثلة في أن الحركة كانت بعيدة عن الأحزاب  السياسية المعارضة. وهو ما يؤكد عزلة هذه الأحزاب التي صرفت كل جهدها طيلة السنوات الماضية إلى المطالبة فقط بالإصلاح السياسي والدستوري وابتعدت بما فيها أحزاب اليسار عن القضايا الوطنية والاجتماعية والقومية وكل ما يهم الشعب في اقتراب بل والتحام مع أجندة ما يسمى بالمجتمع المدني وجمعيات حقوق الانسان الممولة إمبريالياً وصهيونياً وحصر طموحاتها في محاولة الحصول علي بضعة مقاعد في البرلمان لبعض قادة هذه الاحزاب البائسة .

ولم تتمكن جماعة الأخوان المسلمين ولا منظمات المجتمع المدني من ركوب الموجة فقد كانت مواقف العمال وصمودهم أعلى من مواقف هذه الجماعات. وبالتالي فقد سقط نهج التعددية النقابية الذي نادت به بعض جماعات اليسار خاصة الممولة إمبريالياً وصهيونياً، مثلما دعت إليه أيضاً جماعة الأخوان أيضاً. وهي عملية تستهدف تفتيت وشرذمة الطبقة العاملة. إن مرحلة جديدة قد بدت تباشيرها. وهي مرحلة لها استحقاقات هائلة أهمها إنجاز حزب الطبقة العاملة الذى اغتالته قوى الردة اليمينية  التي تكيفت مع سلطة التبعية ولا يتجاوز طموحها مجرد الحصول على قضمة صغيرة من جسد الوطن الذي تلتهمه الاحتكارات متعدية القوميات ورأس المال المالي الصهيوني والبرجوازية المحلية  التابعة التي ألقت علم الوطنية في الوحل . 

 ■ إبراهيم البدراوي

آخر تعديل على الجمعة, 11 تشرين2/نوفمبر 2016 12:23