«حالة حصار».. ولكن ما العمل؟
اقتبست العنوان كما جاء في افتتاحية الزميلة «تشرين» يوم 17/2/2007 مع إضافة وحيدة من عندي وهي كلمة «ما العمل؟»
...نحن مع ما جاء تماماً في توصيف الافتتاحية لحالة الحصار التي يعيشها العرب، وأنهم «من خليجهم إلى محيطهم في دائرة الخطر والاستهداف، وداخل حصار الأسلاك الشائكة الأمريكية، وفي مرمى البوارج الأمريكية...» لكننا لسنا مع صيغة التعميم في توجيه المذمة كطلقة في الهواء لا تصيب أحداً من المسؤولين فعلاً عن انهيار النظام الرسمي العربي والهزائم التي حلت بالشعوب العربية جراء تواطؤ الحكام في السر والعلن مع الامبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية.
ومن هنا لسنا مع القول: «غريب أمرنا نحن العرب، نقع في الحفرة نفسها مرتين.. بل أكثر ونسلم أمرنا لمن لا يهمه أمرنا، ونكرر الخطأ نفسه مرة بعد مرّة...»!
معذرة أيتها الزميلة «تشرين»، ما هكذا تورد الإبل! فمنذ مراسلات حسين مكماهون ووعد بلفور، إلى تقسيم منطقة الخليج لإمارات ومشيخات وممالك وتغير اسم الجزيرة العربية إلى ذرية آل سعود، ثم إلى مؤامرة استيطان فلسطين وتهويدها تدريجياً، إلى زرع القواعد العسكرية الأجنبية في أرضنا ومياهنا، إلى مؤامرة كامب ديفيد وما تفرع عنها من قنابل سلام عنقودية (أوسلو ووادي عربة، والمبادرة العربية وخارطة الطريق، والرباعية... الخ)، لم يكن للشعوب العربية في كل هذا أي ذنب أو دور، بل جابهت الطليعة منها هذه المخططات وقدمت الشهداء ضد أعداء الخارج والداخل، وكذلك قدمت الشعوب في البلدان العربية العديد من القادة الأفذاذ الذين رفعوا شعار المقاومة ومازالت ذاكرة الأجيال تحفظ ما قدموه من تضحيات ومآثر...!
من هنا ونحن أمام حالة الحصار والمخاطر التي تتهدد بلدنا سورية ومنطقتنا، لا بد من تسمية الأشياء بأسمائها، خاصة أننا كإعلام لسنا ملزمين «بضرورات الأنظمة»، بل بخيارات الشعوب. إن من يقع في الحفرة دائماً وعن وعي، هم الحكام العرب الذين يرتبط وجودهم موضوعياً بالأجنبي وتقديم الخدمات له وتنفيذ مطالبه وحماية مصالحه، ولذلك لا ينفع مع هؤلاء الحكام ما جاء في تشرين: «إننا نحرص على عدم جرح مشاعر الأشقاء العرب، وننتقي العبارات الأكثر تهذيباً ورقة ونحن نتطرق إلى هذا الموضوع... فلربما كان كلامنا جرس إنذار يوقظ النائمين في بحار العسل والحليب والكافيار...»!
... إن الغارقين في بحار العسل والكافيار وتكديس الثروات سواء كانوا حكاماً أم أفراداً، وإيداعها في البنوك الأمريكية والصهيونية (أكثر من ألف مليار دولار) ليسوا أشقاء، بل سبقوا الأعداء في اتهام المقاومة بالمغامرة والمقامرة، وأنزلوا إلى الشوارع الألوف من المخابرات وقوات القمع ضد شعوبهم المؤيدة للمقاومة اللبنانية البطلة بقيادة حزب الله، وللمقاومة في فلسطين والعراق...
كيف يكون الحكام العرب في عداد الأشقاء بعد أن باركوا جهاراً نهاراً أمام كونداليسا رايس خطة بوش الجديدة في العراق، ووافقوا على «ضرورة» نزع سلاح حزب الله وتسليمه إلى «حكومة السنيورة»، وعلى إلزام الفلسطينيين «بشروط اللجنة الرباعية»، في الوقت الذي تنهش فيه جرافات الاحتلال الصهيوني جسد المسجد الأقصى؟؟ فلا خادم الحرمين ولا رئيس لجنة القدس (ملك المغرب)، ولا الدول العربية المستضيفة للسفراء الصهاينة، حركت ساكناً ولو من باب رفع العتب... فهؤلاء أشقاء فعلاً ولكن ليس لنا نحن الشعوب، بل للصهاينة وحماتهم في البيت الأبيض...
إذا كنا في سورية نعاني من «حالة حصار»، وهذه هي الحقيقة، لأننا بين فكي كماشة الاحتلال خصوصاً بعد احتلال العراق، فليس لنا إلا أن نحاصر حصارنا عبر خيار المقاومة الشاملة والتي عمادها أولاً وأخيراً الشعب، تماماً كما فعل أسلافنا الأبطال، وما فعله بالأمس القريب جمهور المقاومة والمقاومين في الجنوب الذين على قلتهم أحدثوا زلزالاً في نظرية الردع الإسرائيلي، وحققوا انتصاراً عجزت عنه كل الجيوش العربية... وكم كان محقاً السيد حسن نصر الله عندما قال منذ أيام: «إن المقاومة مشروع حياة وعزة وكرامة وبقاء ووجود واستمرار، لذلك لا بد من استكمال جهوزية المقاومة لما هو أكبر ولما هو أخطر...».
إن هذا الكلام ـ الموقف المقترن بالفعل ـ هو ما يفيدنا في سورية، وهو ليس بكثير على شعبنا وتاريخه الوطني الذي يمثل خزّان الإرادة، وفيه الإجابة الحقيقية على سؤال ما العمل؟. لأن طريق المقاومة سيفضي حتماً إلى تحرير الجولان أرضاً وأسرى، وعبر هذا الخيار أيضاً يمكن ضرب مرتكزات الفوضى «الخلاقة» التي يرسمها ويعمل عليها أعداء الخارج وقوى الفساد الكبرى في الداخل للإجهاز على سورية وشطب دورها من الصراع العربي ـ الصهيوني وإلحاقها بـ«عرب الاعتدال» بعد أن فشلت جميع المحاولات السابقة!