«قاسيون» ترصد إضرابات مصر: عبد العال باقوري:«الفساد أقوى مؤسسة في مصر»

للوقوف على خلفيات وأبعاد الإضرابات في مصر أجرت قاسيون الحوار السريع التالي مع الصحفي المصري عبد العال باقوري:
الأستاذ عبد العال باقوري، ما حجم الإضرابات الحالية التي تشهدها القطاعات العمالية المصرية وما هي آفاقها؟

هذه الإضرابات تعتبر جزءاً من الحراك السياسي الذي شهدته مصر في العامين الماضيين /2005 ـ 2006/ وقد هدأ قليلاً ولكنه الآن يأخذ شكلاً اجتماعياً ممثلاً في حقوق العمال ومطالبهم الخاصة بالأجور وكل ما يرتبط بها من مكافأت وغيرها. وقد ارتبط ذلك بخصخصة بعض هذه الشركات، ومن المعروف أن صناعة الغزل والنسيج في مصر ذات تاريخ طويل وعمالها معتادون على مثل هذه الأدوات وأعني أدوات الإضرابات دفاعاً عن حقوقهم ومن أجل إقرار هذه الحقوق والدفاع عنها، خاصة وإن قانون العمل المصري لم يعد يحظر الإضرابات، بالإضافة إلى أن مصر قد وقعت على اتفاقيات دولية تعطي العمال حق الإضراب دفاعاً عن مصالحهم. وهذا هو ما يحدث الآن تماماً وإن كان يحدث في قطاع محدد هو «قطاع الغزل والنسيج»، ولكن هذا القطاع يمكن أن يكون له تأثيرات على القطاعات الأخرى خاصة وأن الأزمة الاجتماعية في مصر تزداد حدة من حين لآخر وتأخذ أشكالاً مختلفة وتؤدي إلى نتائج مختلفة. ولذلك قد لا يكون مستبعداً، إذا لم تراع الحكومة عدالة المطالب الاجتماعية من ناحية وتراعي أن الظروف الاجتماعية تدعو إلى إصلاح سياسي حقيقي بحيث لا يكون مجرد شكل من الأشكال التي لا تؤدي إلى تغيير في تكوين السلطة وفي النخبة القائمة بهذه السلطة.
وأين تندرج قضية مكافحة الفساد في هذا السياق؟

مما لا شك فيه أن الفساد في مصر قد استشرى بشكل غير عادي فأصبح أقوى مؤسسة موجودة في المجتمع المصري ويتفوق على جميع المؤسسات الأخرى التي كنا نتحدث على أن لها دوراً في اتخاذ القرار السياسي، ولكن استفحال الفساد من ناحية أخرى أدى إلى شعور المواطن العادي بأن وطأة الفساد لم تعد تحتمل. ومما لا شك فيه أيضاً أن الخصخصة عندما تترافق مع الفساد فإن هذا يمثل تربة خصبة لنمو التفجيرات الاجتماعية التي قد تأخذ أبعاداً مختلفة في الفترة القريبة.
بهذا المعنى فإن المطالب لا تتوقف عند الجانب الاقتصادي الاجتماعي بل تتعداه للجانب السياسي أيضاً؟

حتى هذه اللحظة ما تزال الإضرابات مقتصرة على مطالب اجتماعية خاصة بالأجور والمكافأت ولكنها في العمق تؤدي إلى مطالب أخرى ترتبط بالمطالب السياسية القائمة في المجتمع المصري منذ نهاية 2004 وحتى هذه اللحظة كما ذكرت سابقاً. وربما تكون هذه المطالب قد خفتت قليلاً أو تراجعت إلى حد ما ولكنها مازالت قائمة وموجودة وما تزال تفرض سياقها على بعض المنظمات والجهات الأخرى التي كانت لا تعبأ كثيراً بالجانب الاجتماعي مثل حركة «كفاية» لكن هذه الحركة حين تجد مثل هذا الصدى فيما يحصل في المجتمع فإنها ستتجاوب معه وتهتم به في مدى قد لا يكون بعيداً.
وهل يرتبط هذا الحراك بالقيادات النقابية التقليدية أم أن قياداته تشكلت عفوياً، وكيف هي حال روحه الكفاحية؟

لقد اثبت هذا الإضراب أن المنظمات النقابية الرسمية ما تزال عاجزة وتدور في إطار الحكومة بدليل أن رئيس اتحاد العمال أخذ موقفاً أقرب إلى موقف الحكومة منه إلى العمال. ولذلك بدأ الحديث عن سحب الثقة من اللجان النقابية الموجودة في بعض المصانع وربما يتصاعد ذلك إلى المطالبة بسحب الثقة من تنظيمات نقابية أخرى. ولكن من المعروف أن المطالب الاجتماعية في نهاية المطاف ليست إلا مجرد انعكاس لمطالب سياسية حقيقية في المجتمع. وإذا كان السؤال يشير إلى أن بعض القوى السياسية قد تكون وراء هذه الإضرابات فهذا الأمر غير مستبعد خاصة وأن المجتمع المصري الآن موجود فيه الكثير من التنظيمات السياسية المهمة التي لم تحظ بالاعتراف الحكومي أو الشرعي القانوني.
وماذا بخصوص درجة الروح الكفاحية في الإضرابات الحالية؟

في الحقيقة لا أستطيع الحكم على ظاهرة لست موجوداً في صلبها، ولكن الروح الكفاحية لدى العمال المصريين ليست ضعيفة الشأن، إلا أن الخوف هو من بعض المساومات وهذه من طبيعة العمل النقابي بما يؤدي إلى تأجيل إضراب أو آخر أو إلى كسره كما يقال في اللغة النقابية. ولكن من يضمن أن ذلك لن يمتد إلى قطاعات أخرى من العمال خاصة وأن مطالب العمال قد أُهدرت تماماً في عملية الخصخصة التي أدت إلى زيادة البطالة في المجتمع والتي تعتبر الأساس في الكثير من التحركات الاجتماعية والسياسية التي قد يشهدها المجتمع المصري في مدى غير بعيد.