بمناسبة مرور 15 عاماً على «الإصلاحات» في روسيا أوهام الازدهار... القرش الأبيض واليوم الأسود يقولون إنهم أرادوا الأفضل فماذا حصل؟

للوهلة الأولى الإقتصاد الروسي اليوم يشير أنه على ما يرام، ولكن يجري نقاش خجول حول نسبة نمو الدخل الوطني في 2006 (6,8 أو 6,9 %) وعلى أرضية نسب النمو المنخفضة في الولايات المتحدة من 3ــ4 % فإن النجاح المحقق لا نقاش حوله.

ولكن إعلان الفرح باكر جداً، فنسبة حصة الفرد من الدخل الوطني في روسيا هي أقل بثلاث أو بأربع مرات من البلدان المتقدمة في العالم، ونحن الآن لم نصل إلى مستوى عام 1990، في وقت ازداد النمو في الغرب منذ ذلك الحين 20% كحد أدنى. بالنتيجة فإن الإصلاحات حتى اليوم قد زادت الهوة بيننا وبين الغرب.. فالإحصاءات لا توضح مدى الخراب.. وإحصاءات النجاح كاذبة.. وهذا النجاح، إن كان موجوداً، فهو مرتبط بالأسعار العالمية العالية للنفط والغاز والمعادن والمواد الباطنية الأخرى، وليس مرتبطاً بنمو الإنتاج الصناعي.

فلننظر إلى الأرقام الإحصائية الرسمية:

في عام 1990 كانت حصة الصناعة من الناتج المحلي 38%، وكانت حصة قطاع الخدمات 34,5%، أما في عام 2004 فإن الصناعة لم تحظ إلا بـ 28%، بينما ازدادت حصة قطاع الخدمات إلى 59%.

إن نسبة قطاع الخدمات تزداد في بلدان كثيرة من العالم وليس في ذلك شيء سيء، إلا إذا لم نأخذ بعين الاعتبار أمر هام واحد، فحصة هذا القطاع تزداد لدينا على حساب عمليات الوساطة والسمسرة المختلفة، وكذلك حساب تجارة العقارات وأشكال أخرى من التجارة. لكن من جانب آخر فإن حصة البناء والزراعة قد انخفضت أكثر من ثلاث مرات.. ففي عام 2005 كان الإنتاج أعلى من 1991 في ثلاثة قطاعات فقط هي: استخراج الطاقة (11%)، إنتاج الورق والكتب (6%)، وبشكل عام فإن حجم الإنتاج في الصناعات التحويلية لم يصل إلا إلى 45% من مستوى عام 1995.

فإنتاج التركتورات انخفض (127مرة) وأنتجنا في 2005 فقط خطين أوتوماتيكيين معقدين لصناعة الآلات، في حين كنا قد أنتجنا في عام 1995 (57) خطاً والمتوقع أن لا ينتج أي خط في العام القادم.

إن الحكومة الروسية تعلن عن نيتها لبناء اقتصاد من نوع جديد، وهذا أمر جيد، ولكن هل فكرت الحكومة كيف سيتم هذا التجديد، إذا كنا قد انتجنا في 2004 مثلاً 23 طائرة و75 حوامة فقط، في حين كنا قد أنتجنا قبل 20 عاماً (500ــ 300) منها بالتتالي.

إن الخطر الأكبر اليوم هو زوال مجالات التجديد نفسها، فلا يوجد مكان واحد في العالم يتطور فيه الاقتصاد الجديد بزوال المجالات التقليدية لصناعة الآلات، وهذا التدهور في هذا المجال يجعل كل الجهود باتجاه الاقتصاد الجديد دون هدف أو معنى.

فإلى جانب أننا أنشأنا نموذج اقتصاد بدائي، فإنه يدار بسياسة مالية غربية فالاحتياطات الدولارية الذهبية تزداد و40% من السكان يعيشون في حالة فقر مدقع حسب الإحصاءات الرسمية. أكثر العاملين يحصلون على دولار واحد في اليوم الذي هو حسب مقياس الأمم المتحدة حد للفقر.أليس هذا عاراً لبلد يطمح للعب دور قوة عالمية وبالمناسبة هناك مايكفي من الإمكانيات والنقود لإصلاح الوضع.

إن بلدنا ينقسم إلى قسمين،قسم يملئ فيلات ومطاعم لندن وهم 15% من السكان يحصلون على 57% من ثروة البلاد والآخرون يعيشون بحالة مزرية ف85% من سكان روسيا يحصلون على 43% من الدخل الوطني.

إن استقطاب كهذا يحمل اخطار إنفجار اجتماعي وهو خطير على الإقتصاد نفسه إذ أنه يخفض الطلب ويمنع تطور الإنتاج الذي أصلاً يضغط عليه الإستيراد وحسب ماهو معروف في إقتصاد السوق فأن الطلب هو الذي يوّلد العرض ولكنه عندنا يوّلد ارتفاع غير محدود بالأسعار.

إن رجال الأعمال لدينا حتى الأنجح منهم يفقدون الثقة في إمكانيات التطور اللاحق لروسيا والدولة لاتستطيع ولاتريد مساعدتهم فالرساميل الكبيرة تذهب إلى الخارج والحكومة تطلب استثمارات من الغرب.

محاربة الفقر حسب الطريقة الأمريكية:

فلنلجأ لتجربة الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2005 كان 20% من أغنى سكان العالم يحصلون على 50% من الدخل الوطني وهو رقم قياسي منذ عام 1967.إذ أرباح الاحتكارات تزداد بسرعة بينما تنخفض دخول السكان المنخفضة والمتوسطة وهذا الوضع أقلق المجتمع الأمريكي فالإقتصاديون ووسائل الإعلام والمجتمع الأمريكي يرى في ذلك خطراً على أمن الدولة.ويبحث هذا الموضوع بشكل مكثف في الكونغرس. لا أحد في الولايات المتحدة ضد نمو ثروة الأغنياء ولكن الكل دون نقاش ضد إفقار الفقراء متوسطي الحال ومن الملفت للنظر أن العائلة الفقيرة في أمريكا تحصل على ماتحت 800 دولار شهرياً فكيف بالمقارنة بما لدينا ب30أو100 دولار للعائلة شهرياً.

إن الدولة التي أكثر سكانها فقراء لايمكن أن تزدهر أما الساسيون لدينا فيعتبرون هذا الأمر الهام وكأن الأمر لا يخصهم.

إن المسائل التي ذكرتها سببها العام واحد: إن حكومتنا خلافاً لحكومة المليار الذهبي رفعت عن كاهلها مسؤولية مسار العمليات الإقتصادية الاحتماعية الهامة. إن تخبئة القرش الأبيض لليوم الأسود لم يعد لها معنى لأن اليوم الأسود قد جاء فالمسائل الاجتماعية الإقتصادية في روسيا يجب حلها الآن ولا يجوز توريثها للأجيال اللاحقة.

■ رسلان غرنبرج

مدير معهد الإقتصاد

أكاديمية العلوم الروسية

30/كانون الثاني/2007 AiF

ترجمة قاسيون

آخر تعديل على الجمعة, 11 تشرين2/نوفمبر 2016 12:52