«القدس» في قلب الإعصـار
عادت معركة حماية عروبة القدس، وانقاذ مقدساتها الإسلامية والمسيحية لتحتل صدارة الحراك السياسي/الكفاحي الشعبي داخل الوطن المحتل، الذي تعاظم منسوب حركته مع بدء عمليات هدم الطريق المؤدي لباب المغاربة.
فالمدينة التي تعاني منذ عدة عقود– كما كافة الأراضي الفلسطينية– من عمليات مصادرة منظمة ومنهجية تمارسها سلطات الاحتلال، تعيش منذ عدة أسابيع تداعيات هدم طريق باب المغاربة المؤدي للمسجد الأقصى، والحفريات الدؤوبة لأساساته وجدرانه. وقد أعادت هذه الممارسات فتح ملف تهويد المدينة عبر التضييق على المواطنيين العرب فيها، والكشف مؤخراً عن مخططات جاهزة وقابلة للتنفيذ لبناء مستعمرة جديدة «حي للمتدينين» تحتوي على إحدى عشرة وحدة سكنية شرق المدينة بجوار حاجز قلنديا الذي يفصل بين الأحياء الفلسطينية لشمالي القدس وبين رام الله.
جاء انعقاد المؤتمر الصحفي في الثالث من الشهر الحالي في مدينة رام الله بحضور الشيخ تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين والأب عطا الله حنا رئيس أساقفة سبسطيا للروم الارثوذكس، ليشير إلى نقلة نوعية في مسيرة العمل الشعبي المؤسساتي داخل الوطن المحتل. فالإعلان عن تأسيس الجبهة الإسلامية المسيحية للدفاع عن مدينة القدس ومؤسساتها التي كشف عن مهماتها الأب عطا الله كـ(هيئة وطنية لاتحمل طابعا فئوياُ، وليست حزباً سياسيا، من أجل حماية المقدسات الاسلامية والمسيحية التي تتعرض للتهويد والأسرلة من الحكومة الإسرائيلية، خاصة أن مدينة القدس هي العاصمة الروحية والوطنية حيث تحتاج الى الجهود المتضافرة من الجميع لحمايتها من الخطر الداهم). فالأخطار التي تحيط بالمدينة أكثر من أن تحصى. فالحكومات المتعاقبة كما يضيف الأب (تحاول طمس الهوية الوطنية للمدينة، تارة بأعمال الحفريات بالقرب من المسجد الأقصى، وأخرى بتسريب ممتلكات مسيحية للجماعات اليهودية).
الشيخ التميمي أكد على أن (الحفريات بالقرب من باب المغاربة لم تتوقف، وهي تستهدف أيضاً أساسات السور الغربي للمسجد الأقصى، وهدم أجزاء من التلة التاريخية بالقرب من باب المغاربة لبناء جسر يؤدي إلى ساحات المسجد الأقصى، مما أدى منذ بدء الحفريات الى هدم العديد من المباني التاريخية التي تعود لعصور متعاقبة) مضيفاً ( إن مايسمى ايفاد لجان تحقيق وتقصي لاتعتبر سوى ملهاة لاغير، سواء كانت تلك اللجان عربية او اسلامية وحتى من اليونسكو، حيث تتهدد السلطات الإسرائيلية المسجد الأقصى على مرأى ومسمع من الجميع).
الدكتور حسن خاطر مؤلف موسوعة «القدس والمسجد الأقصى» الذي قرأ بيان تأسيس الجبهة قال ( لقد أوشكت مدينة القدس على أن تتحول بفعل اجراءات الاحتلال إلى حارة يهودية صغيرة).
إن الإجراءات المتسارعة التي تلجأ لها حكومة العدو لتهويد المدينة العربية، تهدف لوضع جميع المعنيين أمام «حقائق» الأمر المفروض على الأرض! كما تتجسد بطبعته الأخرى «الجدار الاستعماري العنصري». وقد أشار لخطورة الأمر الشيخ الدكتور عكرمة صبري خطيب المسجد الأقصى أثناء زيارته للقاهرة مؤخراً: (اليهود يسعون إلى تهويد القدس، ويرفضون أي مفاوضات حولها، وهو مايؤكد عدم رغبة «اسرائيل» في أي حل عادل للقضية الفلسطينية) موضحاً أن (مسألة تدويل المدينة نرفضها بشدة ونعتبرها أخطر من التهويد، لأن التدويل يعني سيطرة العالم على هذه المنطقة، وهذا لايجوز شرعاً، ولايمكننا القبول به).
إن مهمة تطوير عمل الجبهة، وتوسيع المشاركة الشعبية فيها «محلياً وعربياً ودولياً» سيعيد وضع المدينة العربية ومقدساتها على رأس مهمات العمل الوطني. كما أن معركة حماية الأرض والشعب والمقدسات ستفرض على القوى السياسية الفلسطينية، أجندة مميزة في مرحلة استثنائية، بسبب انشغال هذه القوى بـ«معارك»" أخرى تدور حول كراسي «الوزارات السيادية» في الحكومة العتيدة! إن إعادة ترتيب أولويات المهام الوطنية على جدول عمل الحركات والأحزاب والفصائل، يتطلب بشكل سريع تجديد دور المنظمات النقابية والمهنية واللجان الشعبية– قوى مجتمعية مدنية وطنية- لتُشَكل عوامل ضبط ومراقبة لمسار الحركة السياسية وتوجهاتها ومهماتها، من أجل تصويبها عند أي اهتزاز أو إرباك، نحو الهدف المركزي وهو مواجهة الاحتلال ومخططاته.