انتخابات حزب العمل الإسرائيلي.. إشكالية الموقف وخطأ الرهان
تأتي أهمية الانتخابات التي سيشهدها قريباً الكيان الصهيوني على مستوى اختيار زعيم حزب العمل الإسرائيلي لا من موقع احتمال عودة هذا الحزب للعب الدور الريادي الذي لعبه طيلة العقود الثلاثة الأولى في حياة (الكيان)، بل لأن هوية المتنافسين على قيادة هذا الحزب قد تفصح عن طبيعة الخارطة السياسية والمناخ السياسي اللذين يحددان حركة «إسرائيل» الحالية.
فالتنافس على زعامة هذا الحزب يعني التنافس على هوية وزير الحرب المقبل، على اعتبار أن زعيم حزب العمل هو الشخص الذي يتوجب أن يشغل منصب وزير الدفاع في حكومة أولمرت حسب اتفاق الشراكة الحكومية. وحسب استطلاعات الرأي فإن خسارة عمير بيرتس في التنافس على زعامة الحزب مؤكدة.
ومن هذا، وحسب ما رشح من تسريبات، سيكون هناك خمسة مرشحين يتنافسون على هذا المنصب، لكن التنافس الأساسي يرتكز بين رجلين تجمع بينهما قواسم أصبحت محببة للناخب الإسرائيلي، بل وعلامة مميزة يتباهى بها المتنافسون في حملاتهم الانتخابية.
فالأول وبقوة، هو أيهود باراك (رئيس الوزراء الأسبق) الذي لا يترك فرصة دون التباهي بماضيه كجنرال وقائد لوحدة التصفيات الجسدية الخاصة في «جيش الدفاع الإسرائيلي» وليست هذه فقط « إيجابيته» بل إنه يغرق في السادية حين يصف في كراس دعائي كيف كان يستمتع عندما يتطاير بياض عيون الذين يقتلهم، ومن منا لا يذكر الصورة الشهيرة لباراك وهو يعبث بجثة سيدة الاستشهاديات «دلال المغربي» ويجردها من ثيابها بعد استشهادها، وصورته الأخرى وهو يتنكر بثياب سيدة ليشرف على اغتيال قادة منظمة فتح الثلاثة في فردان.
أما الثاني وهو عامي أيالون رئيس المخابرات الداخلية الأسبق (الشين بيت)، فيذكر كل من يستمع له أنه عندما كان قائداً لوحدة الكومندوس البحرية في الجيش الصهيوني قتل من العرب والفلسطينيين أكثر من كل اليهود الذين قتلوا في عمليات المقاومة الفلسطينية.
وبكلمات أخرى فإن حزب العمل سيواصل القيام بمهمة (متعهد الأعمال القذرة) في حكومات «إسرائيل»، فوزير الحرب هو الذي سيتولى الإشراف على العمليات الحربية وإعداد الدولة لمواجهة ما يعتبر مخاطر إستراتيجية، حيث تشير بعض التسريبات من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت بأن الأخير يأمل في فوز باراك بسبب خبرته الطويلة في مجال الأمن، ولأنه سبق أن شغل مناصب عسكرية وسياسية هامة منها رئاسة الأركان والوزراء ووزارة الدفاع، فأولمرت الذي يتعرض لنقد شديد بسبب إدارته الفاشلة للعدوان الأخير على لبنان، يأمل أن يكون بجانبه في الحكومة شخصية (ذات غنى عسكري وسياسي) مثل التي يملكها باراك.
واللافت جداً في أن المتنافسين على زعامة حزب العمل لا يعرضون بدائل سياسية حقيقية في مواجهة السياسة التي ينتهجها أولمرت، الذي سيوظف بالتالي وجود قادة حزب العمل في حكومته لإجراء اتصالات مع القيادة الفلسطينية والعربية، وهي المهمة التي يتقنها قادة حزب العمل منذ أمد طويل من أجل الظهور أمام العالم وكأن علاقات «إسرائيل» بالمحيط العربي بألف خير، وليس هناك ما يعكر صفوها سوى بعض «المتشددين العرب» مثل حماس وحزب الله.
لكن هناك أمراً بالغ الخطورة ظهر خلال عملية التنافس على زعامة حزب العمل، وهو كيفية توظيف قادة الحزب لفلسطيني الـ48 أو مايسمونهم (بعرب إسرائيل) في هذا الصراع السلطوي، فقد تحول قرار عمير بيرتس بتعيين (غالب مجادلة) بدلاً من وزير العلوم والرياضة المستقيل (أوفير بيتس) ليكون أول وزير عربي في الحكومة الإسرائيلية، من خطوة قد يصورونها على أنها «تحول تاريخي» في السياسة العنصرية الإسرائيلية، إلى خطوة مثيرة للجدل حتى في أوساط الساسة الإسرائيليين، فقد اعتبر خصوم بيرتس في حزب العمل أن قراره ذاك ما هو إلا تكتيك سياسي رخيص يهدف منه لضمان تأييد أعضاء حزب العمل العرب.
فإذا كانت هذه هي الإنجازات التي يرى المتنافسون على زعامة حزب العمل أنهم يستحقون الفوز على أساسها، فيا بؤس الرهان العربي والمراهنين على متغيرات السياسة الداخلية الإسرائيلية.
فمن الواضح أن أي نتيجة ستسفر عنها الانتخابات التي سيتم على أساس نتائجها تحديد هوية الزعيم الجديد لحزب العمل، لن تكون في صالح النخب العربية والفلسطينية التي مازالت تراهن على دور حزب العمل الإسرائيلي في تسوية مستقبلية للصراع العربي الصهيوني.
■ جهاد أبو غياضة