اللواء المتقاعد صلاح سليم (مصر) العنصر الأول لثبات سورية ضد التهديدات هو تحقيق الوحدة الوطنية

* يجري في الصحف الإسرائيلية حالياً تركيز واسع على التسليح السوري، ضمن ما يفترضون أنه استعداد سوري لشن حرب على «إسرائيل».. ما دلالة هذا الضجيج الإعلامي الصهيوني في هذا الوقت بالذات؟

من دون شك فإن إسرائيل تحاول إثارة بعض القوى الدولية ضد سورية، وهي بذلك تطمح لتحقيق أهداف عدة سواء للانفراد مع الولايات المتحدة الأمريكية وبعض القوى الأوربية الأخرى بالنفوذ والسيطرة على التحولات اللبنانية، أو طمعاً في الاحتفاظ بالجولان التي ضمتها إسرائيل إلى أراضيها في مخالفة صريحة لقواعد القانون الدولي، أو لاستعداء الولايات المتحدة الأمريكية ضد سورية بزعم أنها تهدد أمن إسرائيل، وليس فقط تدعم المقاومة العراقية. وبخاصة بعد المرونة التي أبدتها سورية في مسائل أمن العراق، وإسرائيل تعلم أن الولايات المتحدة ضعيفة تماماً أمام الدعاوى التي تمس أمن إسرائيل، وخاصة في ظل حكم اليمين الجديد المنتظر أن يسقط في الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة أمام الحزب الديمقراطي. وتأمل إسرائيل أيضاًَ أن تعالج الضعف الحالي الذي تواجهه الحكومة الإسرائيلية أمام مواطنيها بعمل عسكري محدود، سواء أقامت به في جنوب لبنان، أو للاحتكاك المحدود مع سورية في ظل الظروف المؤاتية وبدعم أمريكي، حتى تحاول حكومة أولمرت أن تنقذ موقفها المتصدع واحتمالات انهيار حزب «كاديما»، وخاصة بعد فشله أمام حزب الله والمقاومة الوطنية في لبنان والفضائح المالية والأخلاقية التي مست قيادات عدة في إسرائيل، وأيضاً المشاكل التي صارت في العلاقات المصرية الإسرائيلية بعد فضيحة قتل الأسرى والمساس الخطير بكرامة الشعب المصري من الإعلام الإسرائيلي، إلى جانب التصدع في الرفض الأوروبي لحكومة وحدة وطنية فلسطينية، والذي بدا واضحاً مع تحولات مواقف النروج وإيطاليا بوجهٍ خاص. في ظل هذه الأمور فإن إسرائيل تحاول أن تصور أن سورية بدأت تبني قوة عسكرية تهدد كيان إسرائيل، وأنها تزمع القيام بنشاط عسكري على الحدود المشتركة بين سورية و«إسرائيل»، وهو زعم باطل، لكنه يجد من يروج له في الإعلام الصهيوني والأمريكي.

* إذاً، أنت ترى ذلك، بأبعاده غير الإسرائيلية الداخلية، أنه يندرج ضمن الخطط والمشاريع الأمريكية في المنطقة.. على هذا الأساس ما هو دور إسرائيل في هذا المشروع؟

أود القول إن السياسة الإسرائيلية- الأمريكية في المنطقة سياسة منسقة تماماً، وأنهما تعملان معاً لممارسة ضغوط حقيقية في الوقت الحالي على قوى المقاومة في المنطقة العربية، وفي صدرها سورية وحزب الله وحركة حماس، وكذلك بعض القوى الشعبية في عدة دول عربية رئيسية التي بدت ضاغطة على حكوماتها في الفترة الأخيرة، وبصفة خاصة في مصر، وإلى حدٍ ما في الأردن، فالولايات المتحدة الأمريكية تريد ممارسة ما يطلق عليه سياسة استعراض القوة الممتزجة بالضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية، لكي تؤثر على استقلال القرار السوري، وحتى تبدي سورية مرونة أكثر وأكبر إزاء المطالب الأمريكية بشأن العراق بوجه خاص، وأيضاً لكي تبتعد سورية عن التأثير في التحولات السياسية اللبنانية الداخلية في الوقت الحالي.

* وهل لذلك علاقة بالاستعداد الأمريكي المتصاعد لضرب إيران، أي تقوم إسرائيل بالعدوان على سورية، بينما تتفرغ أمريكا لضرب إيران؟

الولايات المتحدة الأمريكية قد تدير الأزمات السياسية والاقتصادية والضغوط العسكرية في أكثر من موضع وفي الوقت ذاته، لكن العمل العسكري ضد إيران في الوقت الحالي مستبعد من وجهة نظري، ولا أراه احتمالاً وارداً وقائماً قبيل أواخر الخريف القادم، ولا أتوقعه عملاً شاملاً، فإذا حدث، فسيكون ضربة عسكرية وصاروخية وجوية ضد أهداف نووية منتقاة وبعض مراكز القيادات العسكرية بوجه خاص. وأتصور إن إسرائيل لن تكسب منفردة بالعمل ضد سورية وحتى ضد إيران، سواءً بسبب عنصر الردع الذي تمتلكه سورية وإيران وهو صواريخ أرض أرض التي يمكن أن تصيب الأهداف المكتنزة في إسرائيل في السهل الساحلي أو في حيفا حيث الصناعات البترولية والكيميائية، أو في كفار زخاريا حيث تنتشر قواعد الصواريخ، أو في رحبوت حيث يوجد معهد وانيرمان وتوجد صناعات كيميائية، أو في بئر السبع حيث مفاعل ديمونة.. هذه الأهداف جميعها معرضة للصواريخ الإيرانية والسورية أرض أرض، لذلك فإسرائيل لن تكسب بالحرب ضدهما منفردة، وإذا قامت بأي عمل من هذا النوع فستكون منسقة مع أمريكا، لذلك لا أتصور أن تكونا هدفاً لعمليات عسكرية، والموقف في إيران لم يحسم، حتى أن جورج بوش في خطابه بمناسبة مرور أربع سنوات من الحرب على العراق يؤكد أن الخطة الأمنية لن تنفذ قبل شهور طويلة، وقائد قواته في العراق أيضاً يؤكد أن القوات الأمريكية الجديدة، لن تصل مكتملة إلى العراق قبل حزيران القادم، وإن كانت هذه القوات أيضاً تمثل النواة لعمل عسكري قد ينفذ ضد سورية أو إيران إذا استطاعت اكمال السيطرة على الأوضاع في العراق واستطاعت بالفعل إخماد عناصر المقاومة. فالمعادلات صعبة والمقاومة الوطنية في العراق هي فرس الرهان الحقيقي وسوف يكون لنتائج أعمالها أثر كبير على القرار الاستراتيجي الأمريكي ليس فقط بالعراق بل ضد سورية وإيران معاً.

* ضمن هذه الخارطة كبف ترى دور البعد الشعبي في سورية أو المنطقة بشكل عام، أي ما هي متطلبات المواجهة على الأقل سورياً من الناحية الاقتصادية والعسكرية والشعبية؟

العنصر الأول لثبات سورية ضد كل التهديدات هو تحقيق الوحدة الوطنية السورية والتمكن من الإجماع القومي على فكر المواجهة، وهذا يتطلب المضي في خطى الإصلاح الديمقراطي والسياسي، وإطلاق الحريات السياسية إلى أقصى حدٍ ممكن.. أيضاً يتطلب ذلك أن تكون هناك توعية حقيقية بمخاطر المواجهة يتناولها المجتمع السوري الذي يذخر بالمفكرين إلى جانب رجل الشارع بأدق الأمور في فطرة حقيقة، ووعي سليم يتميز به السوريون في وطننا العربي.. أما بالنسبة للدول العربية المؤثرة في المواجهة العربية الإسرائيلية وتأتي في مقدمتها مصر، فالوعي في مصر الآن يعرف أبعاد المخاطر الصهيونية ضد أمن مصر وسورية، وإن أولئك الذين تحدثوا طويلاً عن فرص السلام والتطبيع قد ثبت لهم أنهم يضرون بالأمن القومي العربي، وأظن أن الرأي العام في مصر الآن يمضي إلى أبعد الحدود في ضرورة اكتساب صلابة وطنية وقومية ضد إسرائيل، وإن المناخ ملائم ومهيأ تماماً للعمل المجتمعي في مصر وسورية وبعض الدول العربية الأخرى لإعادة فكر وثقافة المقاومة إلى اهتمام المواطن العربي والإعلام العربي، وهذا يتطلب حركة حقيقية للأحزاب العربية، التي يجب أن يتحول نضالها إلى عمل مادي فعلي يتضمن موقفاً حازماً لمقاطعة إسرائيل، وكذلك من خلال جامعة الدول العربية وبسلوك رجال الأعمال والصناعة، ومن خلال عمل حقيقي في مجال التعليم والإعلام لشرح أبعاد الخطر الصهيوني للمواطنين، وأن يوجد كذلك دعم حقيقي ومستمر للمقاومة الوطنية في كل من لبنان وفلسطين والعراق.

آخر تعديل على الجمعة, 11 تشرين2/نوفمبر 2016 14:09