حكومة «الائتلاف» الفلسطينية وتعثر خطواتها الأولى
شهدت الأسابيع الست الأولى التي أعقبت التوقيع على «اتفاق مكة» تفاعلات سياسية وميدانية، أعادت من جديد، حالة الترقب والقلق والخوف للشارع الفلسطيني، خاصة، بعد سلسلة التصريحات الاعلامية التي عبّر فيها قطبا الائتلاف عن مواقفهما تجاه القضايا الساخنة «داخلياً وإقليمياً»، والتي ترافقت مع عودة عمليات القتل، باستخدام الرصاص والصواريخ لزرع الموت واشعال النيران، ليس حول بيوت مسؤولي قادة الحركتين، بل وداخل المجتمع الفلسطيني.(..)
وعلى الرغم من الانطباع العام الذي حاول قادة الحركتين ترسيخه، من أن مرحلة مابعد الإتفاق، ستشهد إنطلاقة جديدة في التوافق، المترافق مع عودة الأمن المجتمعي، وبدء تهاوي الحصار الظالم، إلا أن ماتوضح خلال جلسة المجلس التشريعي المخصصة لطرح الثقة بالحكومة الجديدة، عكس بدرجة واضحة، تباين المواقف داخل حماس وهذا ماعبرت عنه ملاحظات القيادي البارز محمود الزهار في تلك الجلسة، على برنامج الحكومة الجديدة حول توسيع التهدئة مقابل وقف الاحتلال لممارساته (أمرغير مقبول لدى حماس) مشترطاً التهدئة الشاملة بإنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية، منتقدا كذلك رفض الحكومة الجديدة لدولة فلسطينية بحدود مؤقتة (لأن قبول دولة بحدود دائمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 يعني اعترافاً بـ«إسرائيل» وهذا غير مقبول أيضا لدى حماس)، مشدداً (رفضه إقرار الحكومة الجديدة بأن المفاوضات مع «إسرائيل» من صلاحية منظمة التحرير ورئيس السلطة الفلسطينية، مشترطاً أولا تطبيق اتفاق القاهرة بين الفصائل القاضي بإصلاح وتفعيل منظمة التحرير). لن نناقش في هذا المقال صحة الموقف أو عدمه من «الدولة» ذات الحدود المؤقتة، ولارفض حماس الاعتراف بكيان العدو، رغم «احترامها» لكل الاتفاقيات التي وقعها الجانب الرسمي الفلسطيني مع العدو، والتي فسرها العديد من المراقبين، بأنها اعتراف «مستتر» بالكيان. ومع ذلك فقد أشارت اعتراضات الزهار إلى انعدام التطابق في موقف قيادة الحركة تجاه الاتفاق.
بالرغم من هذه المواقف «الاعتراضية» فإن اللافت لنظر المراقبين، كان التناغم الواضح بين موقفي قيادتي الحركتين، تجاه التعامل مع المبادرة العربية، التي ستكون على رأس جدول أعمال القمة العربية. المفاجأة لم تكن في مواقف محمود عباس ومستشاريه ووزرائه، بل في تصريحات خالد مشعل في الرياض قبل أيام، بعد اجتماعه مع وزير الخارجية سعود الفيصل (لقد أكدنا للوزير السعودي، أن موقف حماس سيكون مع الاجماع العربي، ومع عدم الاختلاف مع الموقف الرسمي الفلسطيني). هذا الموقف العلني الذي أثنى عليه نبيل عمرو مستشار رئيس السلطة، معتبراً إياه (أمراً ايجابياً وتطوراً جديداً يجب أن ينظر اليه باحترام وبمسؤولية وبمرونة وبتعاون، لأننا ندرك أن حشد جميع القوى وراء المبادرة العربية للسلام سيقويها وسيقوي التوجه نحو السلام أيضاً). هذه المبادرة التي تهدف حسب توصيف نائب رئيس المجلس التشريعي حسن خريشه لها (لتخفيض سقف التوقعات الفلسطينية، وفتح جبهة للتطبيع مع «الإسرائيليين» مجاناً، وإلغاء حق العودة، والآن يتم إعادتها مرة أخرى تحت مسميات الرباعية العربية، ويمارس عليها الضغط أمريكيا و إسرائيليا لتحقيق الأهداف السابقة).
لم يجف حبر التوقيع على الاتفاق، ولم تتوقف المقالات التي تكيل المديح لهذا الانجاز الذي يُسجل له، قدرته على وقف الاقتتال، ولو مؤقتا ً-كما أكدت الأحداث- بسبب فقدانه لآلية قانونية وقضائية، تقود إلى محاسبة كل من قام بالقتل، والاختطاف، والاعتداء على الأملاك الخاصة والعامة، سواء كان منفذاً أو مخططاً، وهذا بكل أسف وألم، ماقفزت عنه صيغة الاتفاق، بل إن التطورات اللاحقة، أشارت إلى عكس ذلك. فقد عادت قيادات الأجهزة «الميليشيات الخاصة» بعد أن شاركت بجلسات الحوار، والتوقيع على الاتفاق إلى مواقعها، بل إن أحدهم (محمد دحلان) قد حظي بالمكافأة، حين تمت تسميته مستشاراً للأمن القومي(!) خارج كل الأعراف، كما يقول النائب حسن خريشه (تعيينه يتعارض مع القانون فلا يحق لعضو تشريعي إلا أن يكون وزيراً فقط، ونحن سنعترض على هذا التعيين غير القانوني، بالإضافة إلى كونه الآن مسؤولا عن وزارة الداخلية وهذه عملية احتواء للوزارة). وقد أعلنت حماس احتجاجها واعتراضها على هذا التعيين!
في ظل هذه الأوضاع، عادت الدماء تسيل على وقع القذائف الصاروخية وعمليات الاختطاف في أكثر من مكان داخل محافظات غزة خاصة في بلدة بيت لاهيا، وكادت ألسنة النيران التي أشعلها المتحاربون/المتنافسون أن تمتد لتعيد مجدداً العبث بأمن المجتمع، وتاريخ الكفاح الوطني.(..) وقد جاء اطلاق الرصاص على وزير الداخلية والوفد المرافق له، أثناء جولته التفقدية للأضرار الناجمة عن انهيار جدران بحيرة لجمع مياه الصرف الصحي في قرية أم النصر شمال غزة، والتي ادت لمقتل وجرح العديد من المواطنين، لتشير إلى أن جمر الاحتقان مازال متوقداً.
إن قراءة هذه التطورات على ضوء «الاتفاق» تدلل على أن ما أغفله الموقعون عليه، قد أتاح بروز الصراعات مجدداً، مما دفع ببعض المحللين والكتّاب، لوصف الحكومة الجديدة بأنها حكومة «الاختلاف» و«الضرورة» و«الاستجابة الإقليمية». إن قوى الممانعة والمقاومة في الساحة الفلسطينية مطالبة الآن في ظل التوجهات الأمريكية، للعمل الجاد من أجل توحيد صفوفها، وتشكيل حالة شعبية فاعلة وضاغطة تعمل على رفض الاملاءات الخارجية، ووقف مسلسل التداعيات، وتصعيد النضالات لمقاومة الاحتلال، وإفشال مخططاته، كخطوة على طريق تحرير فلسطين.