الاستفتاء الدستوري في مصر: فضيحة تكرس ديكتاتورية الليبرالية الجديدة
إن أول ما يمكن التعليق عليه بخصوص الاستفتاء اللادستوري على التعديلات الدستورية الذي شهدته مصر في السابع والعشرين من الشهر الجاري هو غياب أي إشراف قضائي على عملية الاستفتاء بل كانت هناك لجان تصويت من موظفين عاديين، ما ينزع عن ذاك الاستفتاء تلقائياً صفة الشرعية، ويكرس مبدأ التوريث!
وعلى الرغم من عمليات التزوير الفاضحة التي سجلتها بعض الكاميرات التلفزيونية (موظف يعطي ناخب بطاقة انتخابية ويدله على نقطة الاستفتاء بالموافقة، ومجموعة شباب أكدوا أنهم أجبروا على التصويت عنوة في أكثر من مركز انتخابي) فإن نسبة التصويت وخلافاً لمزاعم لجنة الانتخابات لم تتجاوز 5% من المسجلين في قوائم الانتخاب، علماً بأن هؤلاء المسجلين هم أقل بكثير من الأرقام الحقيقية لمن يحق لهم الانتخاب والاقتراع والاستفتاء على اعتبار أن هذا التسجيل يجري اختيارياً وليس تلقائياً في دوائر السجل المدني. وإذا سلم المرء بأن 75% من مجموع الـ5% الذين صوتوا فمعنى هذا أن الدستور المصري عدل أهم مواثيقه بنسبة 3% من المصريين الذين يحق لهم الاقتراع، أي ما يعود إلى أقل من 2% من الشعب المصري. وهذه فضيحة كارثية حقيقية!
تعود قضية التعديلات الدستورية في مصر إلى حقبة أنور السادات، وتحديداً في عام 1971 عندما صدر دستور استناداً إلى قوة الدفع من حقبة عبد الناصر، محتوياً مع كل سلبياته الضارة بالاقتصاد الوطني المصري تحت يافطة الإصلاح الاقتصادي وقانون الاستثمار، على إيجابيات عدة منها التأكيد على التنمية ودور الدولة الاجتماعي والعدالة الاجتماعية والحفاظ على مكتسبات الطبقة الكادحة. غير أن نمو بعض المنظمات والهيئات الممولة من الخارج كحقوق الإنسان وأوكسفام بدأ يفرض مطالبه باتجاه المزيد من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية دستورياً بما مهد ويمهد لمزيد من الخراب السياسي، ودائماً على خلفية ضعف الأحزاب والقوى السياسية المعترف بها سلطوياً وتكيفها مع ضغوط السلطة وشروط الكمبرادور المرتبط بإملاءات الخارج الأمريكي الصهيوني.
إن التعديلات الدستورية المدخلة عنوة على الشعب المصري تؤسس لإضفاء شرعية دستورية على الواقع المتردي أصلاً تحت سيطرة الكمبرادور ورأس المال الأجنبي والصهيوني اغتصاباً للثروة والشرعية والسلطة في مصر، مع إلغاء كل ما يمت للاشتراكية بصلة فيها بغض النظر عن توصيف جذرية وحقيقة تلك الاعتبارات الاقتصادية-الاجتماعية في مصر.
ومن أسوأ ما تم إقحامه هو العودة إلى انتخابات «القائمة» التي سبق وطعن بدستوريتها في انتخابات 1984 و1987، لأنها تحرم المصريين من الاختيار الحر ولا تسمح إلا للأحزاب المعترف بها رسمياً بدخول الانتخابات.
كما تم تقديم ما يسمى بقانون مكافحة الإرهاب وهو أسوا من قانون الطوارئ لأنه يضفي عليه شرعية باتجاه طوارئ مستدامة بالتناغم مع الموجة الأمريكية السائدة حالياً بما يلغي الحريات ويسمح بانتهاكها ويعطي رئيس الجمهورية حق إحالة أي «متهم» للمحاكم الاستثنائية دون المرور بالإجراءات القضائية العادية مما يقلص دور السلطة القضائية بخصوص إجراءات المداهمة والتفتيش والاعتقال والتحقيق والتحويل للمحاكم، ويطال ذلك الأحزاب والأفراد على حد سواء.
المفارقة أن المقاطعة الشعبية الواسعة لعملية الاستفتاء والتي تتجاوز 95% من المصريين لم تأت استجابة لنداءات المعارضة بأحزابها وتلاوينها يميناً أو يساراً لأن الشعب المصري لا يثق بالنخب السياسية الحاكمة والمعارضة على حد سواء، فأي رد فعل من جانب اللجان البرلمانية أو السياسية ستنجم عنه لجان ستقوم بدراسات ويأخذ ذلك وقتاً طويلاً روتينياً وغالباً دون طائل في وقت سبق للطبقة العاملة المصرية أن أثبتت من خلال إضرابها الأخير في قطاع النسيج أنها الوحيدة القادرة على التحرك وانتزاع الحقوق بقوة الذراع ما يعيد لها الاعتبار بوصفها طليعة وقيادة الشعب المصري، ولكن مع التأكيد أنها لا تزال بحاجة لقيادات جديدة تنبثق من صفوفها لتعمل على تنسيق وتوحيد جهودها ووضع برنامج عمل لقيادة السواد الأعظم من المصريين الفقراء.
الخطير في الأمر أن التعديلات الدستورية التي جاءت منسجمة مع سياسات السلطة الحاكمة في مصر تدق مسماراً ربما يكون الأخير في نعش إمكانية التطور السلمي للأوضاع في مصر، فالتراجعات التي تتضمنها التعديلات الجديدة في شقها الديمقراطي تنطوي على بعد اجتماعي تفجيري في وقت باتت فيه السلطة بيد قوى اليمين مما يزيد من حدة الاحتقان داخل الشارع المصري ويدفع الوضع في مصر باتجاهين: إما الانهيار، تحت وطأة الضغوط الخارجية أو الانفجار، بفعل الاستياء الشعبي الداخلي المتعاظم.