«قمة» الكوميديا السوداء..

على الرغم من رتابتها وروتينيتها فقد حفلت القمة العربية بجلستها الافتتاحية والتسريبات المحيطة بها ببعض الاختراقات الكبرى، ولكن ليس لصالح قضايا المنطقة ومشاكل شعوبها بل لصالح المتسبب الرئيسي بها. 

فعلى الرغم مما أشيع عن «قوة» خطاب الملك عبد الله بن عبد العزيز و«جرأته» لجهة الاعتراف بمسؤولية العرب عن تردي أوضاعهم ووصفه (على نحو محق) الأوضاع في العراق بأنها تعاني من احتلال بغيض فإن ذلك لا يعدو كونه ذراً للرماد في العيون وحشداً للأنصار ودغدغة للعواطف في وقت تفيد فيه الحقائق والوقائع بأن السعودية وتحت ضغوط التحالف مع واشنطن والاتصال بتل أبيب تتجه نحو مسارات أخرى.

قد تكون أبسط الاختراقات «التطبيعية» هي ما تسرب من محيط القمة حول «ترحيب» السعودية بوجود صحفية إسرائيلية (من صحيفة يديعوت أحرنوت على الأرجح) ضمن الطواقم الصحفية التي تغطي «القمة». ولم لا ما دام الأمير بندر بن سلطان يلتقي بمسؤولين إسرائيليين سراً وعلانية؟!

أما الأخطر فهو ما ورد على ذكره أكثر من مصدر غربي وإسرائيلي من أن اتصالات سعودية أمريكية إسرائيلية جرت عشية «القمة» تبتغي تطبيق فكرة طُرحت سابقاً وتتمثل في «حل» قضية اللاجئين الفلسطينيين ولكن عبر «التعويض عليهم مالياً» على أن تتحمل الإمارات دفع الفاتورة لمن لا يريد العودة مع تولي أطراف ما يسمى بالرباعية العربية التحكم بأعداد من يريد العودة من الفلسطينيين في محاولة لإبقاء التناسب السكاني في فلسطين المحتلة (الكيان الإسرائيلي ضمنأ) ضمن الحدود القابل للتحكم بها إسرائيلياً. وهو ما يفسر وجود الإمارات في «الرباعية» بشقيها السياسي والأمني، إلى جانب مصر والسعودية والأردن.

واستناداً إلى «رحابة الصدر» العربية هذه فقد جاءت تصريحات رايس لتثبت وقائع جديدة، تقول: إنه من المبكر الحديث عن «الوضع النهائي»، وإن «خارطة الطريق» بحاجة إلى أفق سياسي جديد، وأن الحكومة الفلسطينية عقدت الأمور، وهو ما يعني ببساطة مواصلة الضغط باتجاه انتزاع تنازلات جديدة ومحاولة إعادة الاقتتال الداخلي للساحة الفلسطينية.

****

لا يتوقع أحد أن تخرج كلمة الجمهورية العربية السورية عن ثوابت خطابها ومواقفها، وكذلك الأمر بالنسبة لكلمة وفد رئاسة الجمهورية اللبنانية مقابل وجود وفد الحكومة (بعدما ابتكر القائمون على «القمة» عرفاً دبلوماسياً تقسيمياً جديداً يمثل لبنان بوفدين) وينسحب الأمر على مداخلات السودان بوصفها مستهدفة هي الأخرى.

لكن على مستوى الاجتماعات العامة عموماً وما لم تحصل أي مفاجآت أو حركات درامية (وهو مستبعد في ضوء غياب النجم القذافي المتقدم لخطبة رايس) فإن (مكتوب «القمة» باين من «عنوان» مشروع بيانه الختامي) التسووي المفلس الذي يضع أولويات تخدم الأهداف الأمريكية الإسرائيلية عبر «معسكر المعتدلين» بما لا يمثل إرادة الشعوب العربية مثلما لا يمثل قراءة استشرافية لمجريات الأوضاع في المنطقة والعالم:

فقد اتفق وزراء الخارجية العرب على أن تتبنى القمة العربية مجدداً «مبادرة السلام العربية» ولكن مع إضافة مبتكرة (Special Offer 2007) تتمثل في «تشكيل فرق عمل تتولى إجراء الاتصالات اللازمة لشرح المبادرة وبدء مفاوضات التسوية الشاملة على أساسها!!» (وكأنها حديثة الولادة وليس عمرها خمس سنوات)، وقبل التأكيد على التضامن مع لبنان والدعوة للحوار فيه «التأكيد على توفير الدعم السياسي والاقتصادي للحكومة اللبنانية» (أي تكريس الانحياز السعودي الأمريكي الإسرائيلي للحريرية المتسلطة على لبنان، «دعوة» واشنطن لـ«مراجعة» قانون محاسبة سورية (وليس إلغاءه)، مساندة الرئيس الفلسطيني (أولاً) وحكومة الوحدة الوطنية (ثانياً) و«إدانة» حفريات الأقصى (ثالثاً)، وفيما يتعلق في العراق فقد ذكر كل شيء تقريباً بعمومياته باستثناء ذكر مفردة «الاحتلال».

أما فيما يتعلق بإيران وفي الوقت الذي تعد فيه المناورات الأمريكية على تخومها استعدادات اللحظات الأخيرة قبل الضربة حسب المحللين العسكريين الروس، فقد اختار العرب «القفز في الفراغ» باتجاه «الدعوة إلى عقد اجتماع وزاري لإخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل» (في إشارة عقيمة لإسرائيل، وليس الدعوة لمساندة الجارة إيران في وجه العدوان متسارع الخطى باتجاهها).

****

لقد قدم عرب «النص نص» في «قمة الرياء» (الرياض عفواً) عرضاً هابطاً يستحق صفة «صحيح يللي اختشوا ماتوا»...

في أحد المشاهد الشهيرة لاسكتشات المسلسل السوري «ع المكشوف» سأل بسام كوسا فايز قزق: بتعرف شو هي أوطى قمة بالعالم؟ أجاب: ما بيصير منطقياً قمة وتكون واطية.. (فهي مرتبطة بجبل.. بشيء عال تكون هي قمته) فأوضح الأول للثاني في النهاية: لاء مبلا يا سيدي في قمة واطية...: القمة العربية!

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آخر تعديل على السبت, 12 تشرين2/نوفمبر 2016 10:12