من يهرب من العراق؟
غالبية العراقيين الهاربين من ديارهم إلى خارج البلاد ينحدرون من الطبقة الوسطى، وهذه الحالة تؤدي إلى خلل خطير في التوازن الاجتماعي العراقي. أما البقية ممن لم يهجروا البلاد ومنهم المشردون، فينتمون غالباً إلى الطبقة الفقيرة جداً غير القادرين على اللجوء إلى الخارج، وأصبحوا أهدافاً سهلة للمليشيات لضم شبابهم في صفوفها.
«لا مجال للعمل في العراق،» قالها زياد- لاجئ عراقي يعيش في السويد. خريجو الكليات والأساتذة لا يمكنهم أن يصبحوا جزءا من الشرطة أو الجيش- وهي فرصة العمل الوحيدة المتاحة في العراق هذه الأيام.»
«هؤلاء ممن بقوا في العراق، بحاجة ماسة للحصول على دخل، ويحاولون فعل أي شيء للبقاء على قيد الحياة، في حين أن أمراء الحرب يعرفون كيف يُمارسون اللعبة. يستخدمون علاقاتهم لغلق كافة الأبواب ويبقون أبوابهم مُشرَعَة».
إن حقيقة عدم جدية حملة إعادة البناء في الجنوب ساهمت في الأوضاع المتردية. يقول محمد الدراجي- المعهد العراقي للتنمية- لندن: «نستغرب، في الواقع، من عدم حصول أي شيء في الجنوب، رغم أن كافة الموارد متاحة هناك، حتى الاستقرار. لو حصلت حملة فعالة للبناء في هذه المنطقة، لكان الناس حتى في المناطق الساخنة- غرب ووسط العراق- سيعيدون التفكير في مواقفهم عند مشاهدتهم ازدهاراً حقيقياً في الجنوب.»
مشروع واحد نجح في العراق هو إعادة تأهيل الأهوار بعد تجفيفها في ظل النظام العراقي السابق، ولكن، كما أشار محمد حسين- صحفي عراقي من السماوة: «أنجزوا (عملاً عظيماً) بإعادة الطيور والجواميس إلى الأهوار، ولكن هل هذا ما يحتاجه الجنوب فعلاً؟ ليس لدينا شيء.. لا ماء شرب صاف، لا كهرباء، لا مستشفيات ملائمة، والأكثر أهمية.. لا عمل..»
غالبية العراقيين اللاجئين يتجهون إلى سورية والأردن. لكن الأردن أغلقت حدودها بوجههم منذ كانون الثاني، وصارت سورية المحطة النهائية الساخنة بموجات العراقيين المستمرة. أكثر من ألف عراقي من القادرين على دفع أجرة السفر 400 دولار يغادرون يومياً بغداد إلى معبر التنف على الحدود مع سورية، حسب تقريرDer Spiegel الألمانية.
طريق السفر، وفق كل المعايير، تفتقر إلى الأمان: الهجمات من الكمائن والخطف حالة متكررة. وأيضاً على المسافرين المراقبة والحذر من قوات الاحتلال الأمريكية. «عندما يُسافرون على الطريق العام.. يصرخون رعباً من أي شيء يتحرك في طريقهم،» حسب اقتباس الصحيفة من سائقي سيارات الأجرة المعروفين بخبرتهم بأهوال الطريق.
عادة ما تبعث العائلات المتمكنة شبابها إلى خارج البلاد بغية تأمين سلامتهم، وأيضاً لتجنب ضمهم من قبل المليشيات. سفيان واحد من هؤلاء الشباب. حبس نفسه في غرفته بمنزله معظم فترة الثمانية أشهر السابقة. ينتظر حصوله على جواز سفره بكلفة 500 دولار- عشرة أمثال الرسوم الاعتيادية. تتلخص خططه في مغادرة البلاد وأن يقضي أول أيامه في دمشق. «أتوق إلى الجلوس في الخارج لبعض الوقت،» حسب اقتباس دير شبيغل.