«الحصان قبل العربة ..!»

فجأة وفي غمرة توجه الأنظار نحو تفاعلات التحضيرات لما يعد للمنطقة العربية عند حدودها الشرقية مع ،إيران ، تبرز الأنباء عن تفجيرات إجرامية متزامنة ومتلاحقة في غربها أي في المغرب والجزائر، والحديث يدور دائماً عن مجموعات مرتبطة بـ«القاعدة» أو تنظيمات سلفية تكفيرية، والحصيلة عشرات القتلى والجرحى من المواطنين أو رجال الأمن في البلدين، مع التأكيد على وجود (إرهابيين) طلقاء، ما يعني استمرار الترويع والخوف الاجتماعي والتمهيد لأي إجراءات استثنائية من جانب السلطات.

وبغض النظر عن الملابسات التي تتحدث في الجزائر مثلاً عن حدوث تلك التفجيرات رداً على الحملة الأمنية التي تجريها أجهزة الحكومة على «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب» في معاقله، لاسيما في شرق البلاد، إلا أن متطلبات البحث في عمق الظاهرة يعيدنا إلى إعادة التذكير وسرد أسبابها الحقيقية التي لا تتوقف عند حدود بلدان المغرب العربي بل تدخل في تفاصيل حياة كل بلد عربي بل وحتى أي بلد «عالم ثالثي».

فماذا عن تراكم عقود من استمرار واستفحال انتهاك الشخصية العربية وخيبات أمل القاع الشعبي العربي من نظمه الحاكمة العاجزة أو المنبطحة أمام القوى الاستعمارية قديمها وجديدها منذ نكبة فلسطين، وحتى «قمة» الرياض الأخيرة، مروراً بنكسة67، واجتياح بيروت82، وضرب العراق على دفعات حتى غزوه 2003، والمجازر الإسرائيلية المتواصلة في فلسطين منذ ما قبل 48 وحتى 2007؟ بل وينسحب منطق انبطاح الغالبية شبه المطلقة من جانب النظم العربية حتى على عدوان تموز الإسرائيلي الأمريكي على لبنان2006، إلا أن المقاومة (وهي إسلامية وطنية) بمنطقها وإرادتها وأدواتها قدمت مثالاً يحتذى في القدرة على المواجهة وتحقيق الانتصار المشرف.

وماذا عن آثار اعتماد الوصفات الليبرالية الجديدة لحل المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها هذه البلدان وهي وصفات تقوم على الخصخصة وبيع مقدرات البلاد للاستثمارات الأجنبية وإجراء عمليات غسيل الأموال من جانب الطغم المالية المحلية التي راكمت ثروات طائلة من النهب والفساد وإفقار العباد، مترافقة مع عمليات «غسيل أدمغة» ونشر منهجي لثقافة الاستهلاك معيشياً ومعرفياً وثقافياً مع الترويج لنمط الحياة الغربية، الأمريكية تحديداً، ومحاولتها اقتحام تفاصيل حياتنا انقلاباً على كل موروثنا الحضاري والروحي والثقافي «بعجره وبجره»، وما يترتب على ذلك كله تباعاً من فقر وتخلف والعمل انطلاقاً ليس من قاعدة الفعل وإنما من قاعدة رد الفعل باتجاه الانغلاق والتطرف ولو أدى ذلك بالبعض المدفوع نحو التطرف، ولا سيما في صفوف المهمشين، إلى الارتباط استخباراتياً بالخارج، أي بذات الآخر المرفوض؟

وما يزيد الطين بلة هو إصرار النظم الحاكمة (التابعة) ذاتها على الحلول الأمنية وربط ذلك بمكافحة الإرهاب على الطريقة الأمريكية، أي زيادة القمع والاستبداد بل وقوننة ذلك (التعديلات الدستورية في مصر مثالاً)، وتغييبها لأي مشروع وطني تنموي جامع مقابل استمرار انغماسها «حتى أخمص قدميها» في الفساد والتسلط ليبرز فرز طبقي حاد بين أقلية متخمة بترفها وأكثرية متخمة بفقرها وتجهيلها ولكن وسط انحسار قوى اليسار عن ساحة الفعل كمشروع وطني طليعي متكامل يؤدي دوره الوظيفي في المجتمع ويمتلك قوة تأثير حقيقية على الدولة، ما يعني إخلاء الساحة أمام تفاعلات وتداعيات ضغوط الابتزاز الخارجي من كل حدب وصوب وتلقف ذلك من جانب النظم بصيغة المزيد من صم الآذان أمام مطالب الشعوب، إلى جانب رد فعل الموتورين من صفوف قوى اليمين الأكثر ظلامية ورجعية.

في كل الأديان والعقائد وفلسفات تنظيم المجتمعات لايوجد شيء يبرر قتل الأبرياء وأي فعل بهذا الاتجاه لا يصب الماء إلا في طواحين المشروع الأمريكي الصهيوني من جهة وإطالة عمر النظم العربية المتهالكة من جهة ثانية.

في كل الأحوال ومالم يجر حل المشاكل الوطنية والاقتصادية الاجتماعية والديمقراطية في البلدان العربية ضمن مشروع يشكل قاطرة حقيقية للنهوض واللحاق بركب التطور بخلطة عربية نقية (ليست منغلقة وليست منفلشة في انفتاحها) فلن يجري «اجتثاث الإرهاب من جذوره» بل سينتشر كالفطر في الغابة بعد المطر وسيبقى هؤلاء- بشقيهم الجهلة أو المأجورين على حد سواء- يصوبون أسلحتهم إما في الاتجاه الخاطئ أو في الاتجاه مدفوع الثمن أصلاً، ودائماً باتجاه الشرذمة والتفتيت والتخريب واختلاق الصراعات الثانوية خدمة للمشروع الإمبريالي الهادف للسيطرة على المنطقة و العالم.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آخر تعديل على الأحد, 13 تشرين2/نوفمبر 2016 23:30