«شتاء حار».. أم «صيف ساخن»؟

شتاء حار استفاقت عليه مدينة نابلس في الخامس والعشرين من شباط الماضي. أجل شتاء حار هو الاسم الذي أطلق على العملية العسكرية التي نفّذها جيش الاحتلال الإسرائيلي بذريعة البحث عن مطلوبين واصفاً إيّاها بأكبر عملياته منذ عملية السور الواقي حيث نفذتها ثلاث فرق عسكرية إضافة إلى فرقة اللواء غولاني. والمهم في هذا العدد الهائل هو الهدف فهي ليست عملية روتينية للقبض على بعض المطلوبين أو لتفكيك خلايا المقاومة بل الهدف سياسي بحت وهذا ما أظهرته التصريحات والتهديدات التي أطلقها قادة جيش الاحتلال وعلى رأسهم (عمير بيرتس) وزير الحرب عقب العملية.

فالحكومة الإسرائيلية المأزومة داخلياً حاولت من خلال هذه العملية وما تلاها من عمليات في دهم الضفة الغربية خلط الأوراق في الجانب الفلسطيني عبر استفزاز المنظمات الفلسطينية لإجبارها على الرد الذي قد يظهر التمايز في الساحة الفلسطينية الذي ستستغله حكومة العدو لإقناع الدول الغربية لعدم جدوى الرهان على اتفاق مكّة الموقع بين حركتي فتح وحماس ولا على حكومة الوحدة الوطنية الناتجة عنه وهذا ما سيعطي رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت فرصة لتحسين وضعه السياسي المتهاون عقب ما رشح من شهادته أمام لجنة التحقيق في حرب لبنان الأخيرة والمعروفة بلجنة «فينوغراد» والتهديد والطلب المتزايد بنشر جميع محاضر التحقيقات بعد نشر ثلاثة محاضر والتي إن نشرت جميعاً ستحدث زلزالاً سياسياً في (إسرائيل) ناهيك عن خطوته المكشوفة باستباق القمة العربية في الرياض بالمطالبة بتعديل «المبادرة العربية» التي طرحتها قمة بيروت لتكون أساساً لمفاوضات سلام مع الدول العربية عبر شطب حق العودة منها.

ولكن الخطير واللافت هو التهديدات المتوالية من القيادات العسكرية والأمنية الإسرائيلية التي كان آخرها وأوضحها تصريح رئيس جهاز الشاباك «بوفال دسكين» الذي هدد بصيف ساخن في قطاع غزة من خلال توجيه أكبر عملية اجتياح ضد البنى التحتية لقوى المقاومة التي تتمركز فيه كاشفاً عن معلومات استخباراتية تفيد بأنه على الرغم من وقف إطلاق النار والهدوء الذي يشهده القطاع منذ اجتياح بيت حانون، إلاّ أن المنظمات الفلسطينية تواصل بناء قوتها العسكرية وتعزيزها وأضاف بأن هناك معلومات تفيد بأن كتائب الشهيد عزّ الدين القسام الذراع العسكري لحركة حماس قد نجحت في تهريب صواريخ متطورة من طراز «ساعر» المضاد للدروع إلى قطاع غزّة وأن عناصر من حماس يتلقون تدريبات عسكرية في إيران تشمل تشغيل وسائل قتالية كالصواريخ المضادة للدروع كما نقلت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية عن قيادات أمنية أسمتها برفيعة المستوى أن المنظمات الفلسطينية أقامت شبكة من قواعد التدريب في أرجاء قطاع غزة وأن رجال المقاومة يجتازون يومياً تدريبات على استخدام الأسلحة الخفيفة والصواريخ وأن هذه القواعد تتم إقامتها على أراضي المستوطنات التي فكّكت ضمن خطة فكّ الارتباط التي نفّذها شارون وأن أكبر قاعدتين للتدريب أقيمتا على أنقاض مستوطنة (نتساريم) جنوب مدينة غزّة يستخدمها مقاومو حماس في حين تقام الأخرى على أنقاض مستوطنة (رفيح يام) جنوبي غربي القطاع ويستخدمها مقاومو حماس والجهاد الإسلامي ورجال المقاومة الشعبية.

وآخر حلقات مسلسل الحجج كانت خلال الزيارة الميدانية التي قام بها (عمير بيرتس) يرافقه رئيس الأركان (غابي أشكنازي) إلى مواقع القوات المتمركزة في محيط قطاع غزّة حيث حذّر قائد المنطقة الجنوبية في جيش الدفاع (الجنرال يوآف غالانت) بيرتس من مغبّة قيام المقاومة الفلسطينية بتنفيذ عملية على الأقل عبر عشرة أنفاق تقوم فصائل المقاومة بحفرها قريباً باتجاه الأراضي المحتلة وطالب بتدمير تلك الأنفاق عبر القيام بعملية توغّل بمحاذاة الجدار الإلكتروني المحيط بالقطاع.

وعود على بدء، يتضح بأن التصعيد العسكري الإسرائيلي في الضفة والسيناريو المطروح باجتياح لقطاع غزة لا تعدو كونها جزءا من الترجمة الفعلية للسلوك السياسي الإسرائيلي الرافض لاتفاق مكّة هدفه دفع الفلسطينيين إلى ردود فعل غير محسوبة في محاولة لإثارة بعض الفئات التي تبدي بعض التحفظات على الاتفاق مما يشتت وحدة الصف الفلسطيني وتعود حجّة عدم وجود شريك فلسطيني إلى الظهور تمهيداً لفرض مشروع الدولة ذات الحدود المؤقتة، المدعوم من إدارة بوش الأمريكية والتي تبحث عن نصر قبل انتهاء ولاية بوش الرئاسية الثانية وتحقيقاً لخطة الانطواء التي كان أولمرت ينوي فرضها قبل الهزيمة التي مني بها جيشه في حرب تموز في لبنان.

 ■ جهاد أبو غيّاضة

آخر تعديل على الأحد, 13 تشرين2/نوفمبر 2016 23:48