الدور الاستعماري الجديد لتركيا
مع ما سمي بـ«جمعة العشائر» اندفعت الحكومة التركية نحو وضعية جديدة في التعاطي مع الأزمة السورية، وقد عبر عن ذلك تصريح للرئيس التركي أعلن فيه استعداد تركيا للتعامل مع مختلف السيناريوهات مدنياً وعسكرياً، وفي الوقت نفسه ندد رئيس الوزراء التركي بما وصفه بالفظائع التي ترتكب في سورية وأضاف أن تركيا لا تستطيع الدفاع عن سورية في مجلس الأمن بسبب تلك الفظائع.
إنها خطوات جديدة في سيناريو الدور التركي وموقف الحكومة التركية من الوضع في سورية وآفاقه، وقد كانت البداية تقليداً للموقف الأمريكي الذي تعاقبت حلقاته عندما قامت الثورة المصرية، وقد حذا أردوغان حذو أوباما فأعلن أنه نصح الرئيس السوري مراراً بضرورة حذو أوباما فأعلن أنه نصح الرئيس السوري مراراً بضرورة الإصلاح في سورية. وتنشر أخبار عن الاتصالات المستمرة التي يجريها مع الرئيس بشار الأسد. وقد أعلن أردوغان أن الأمور في سورية تجري بعكس ما يقال عبر الاتصالات الهاتفية. ويعتقد أردوغان أنه حصَّن ظواهر تطور التدخل التركي في الشأن السوري عندما أعلن سابقاً أنه ينظر إلى الأحداث في سورية كأنها داخل تركيا. وبات هاماً تلمس الدوافع التي تنحو بالدور التركي نحو هذه الحالة من التدخل في الشأن الداخلي السوري.
قبل كل شيء، من الأهمية بمكان التذكير أن حكومة أرودغان تواجه منذ سنوات مشكلات داخلية وتجري صدامات عسكرية مع حزب العمال الكردستاني ، وقد امتدت عملياتها العسكرية إلى داخل العراق، وترى حكومة أوردغان أنه لا يجوز التدخل في الشأن الداخلي التركي، فكيف أعطت لنفسها الحق بالتدخل السافر في الشأن السوري؟
إن التصريحات التركية لا يمكن فصلها عن تصريحات وزير الخارجية الفرنسي وهي متناغمة مع تصريحات أوباما لكنها تضخ بقوة فكرة أن حكومة أردوغان لها دور خاص في الشأن السوري وقد خولت به من حكومة أوباما وحلف الأطلسي (الناتو). يتسم الدور التركي بالشمولية على حد تعبير رئيس الجمهورية التركية، وأخذت حكومة أردوغان على عاتقها القيام بهذا الدور تحت اعتبارات متعددة.
إن طيات ذلك الدور تتضمن أن تركيا لم تعد مكتفية بمستوى العلاقات الاقتصادية بين سورية وتركيا، إنها تندفع نحو دور سياسي مقرر في المنطقة العربية، وطبيعي أن الموقع السوري يشكل مفتاح المنطقة العربية لتحقيق ذلك الدور السياسي.
عندما توضع العلاقات السياسية في الواجهة فذلك يرتبط بتأمين الوضع والقوى السياسية الأكثر استجابة مع ذلك الدور، والأشد انسجاماً مع السير بكل مكوناته.
ووجدت حكومة أردوغان ضالتها في جناح «الشقفة» في الإخوان المسلمين، وجاء مؤتمر «أنطاليا» في هذا السياق، في حين أن جناح «البيانوني» قام بدور قيادي في مؤتمر بروكسل للمعارضة السورية.
ولم يعد خفياً أن أردوغان يلعب دوراً محورياً في انضاج علاقات وثيقة بين الولايات المتحدة ونماذج إسلامية عربية مماثلة للإسلام السياسي التركي الذي يقوده أردوغان. وقد تطور الدور التركي في الناتو تحت مفاعيل تلك التوجهات. وجاء إعلان الناتو عن إقامة قاعدة برية أطلسية في مدينة أزمير دلالة أخرى على دور متطور لتركيا في المنطقة العربية كافة وليس في سورية وحدها، ولكن سورية تشكل مفتاح ذلك الدور.
إن النقطة المركزية في السياسة التركية تعود إلى التطورات في وضع البرجوازية التركية الكبرى، وقد اصبح الوضع يفرض تحصين المصالح الاقتصادية بالأسيجة السياسية، وهو ما يشكل ملامح متصاعدة لنزعات طورانية قديمة وجديدة، ترتبط بها ضرورة التلطي وراء التاريخ والثقافة والدين والجغرافيا ويضاف إليها اللسان الذي أسس لمؤتمر ضم ست دول يتكلم معظم سكانها اللغة التركية وتحول يوم ذلك المؤتمر إلى يوم «اللسان التركي» في كل عام.
إن التساؤل الضروري والواضح هو: هل تريد حكومة أردوغان أن تكون أداة لأشكال استعمارية تتطلبها مصالح البورجوازية التركية الكبرى التي ترى في النسخ الاستعمارية الكولونيالية نماذج ضرورية لمصالح وتأمين فضاءات مصالحها؟ أليست جهوزية تركيا كما أعلن رئيس الجمهورية تتعدى البحث السياسي وتلوح بدور عسكري تركي بحجة ما يجري في سورية؟
إن المرء لا يقف عند قشور السياسة وعليه أن يغوص في أعماقها، فكيف والتاريخ يقدم الكثير من الأحداث الدالة على أن تركيا لا ترتاح لدور إيراني وعلاقات استراتيجية متينة بين النظامين السوري والإيراني؟ ألم تلتقط تركيا اللحظة الزمانية والمكانية خاصة وإيران تغوص في كثير من المشاكل الداخلية التي تكبل انطلاق النظام الإيراني في الفضاءات العربية؟
إن أمانة الوعي الحقيقي تطرح بوضوح عمق الاختلاف بين ما تريده إيران من دورها في المنطقة وما تريده تركيا التي باتت مساعيها مكوناً أطلسياً في حين أن إيران ما زالت تدق بقوة أبواب المصالح العربية في إقامة الدولة الفلسطينية الوطنية المستقلة ولجم العدوانية الإسرائيلية وتحرير الأراضي العربية. أنضيف أن الطروحات والشعارات الإيرانية تذهب نحو ضرورة نوعية لأفاق وجود دولة إسرائيل في المنطقة؟ وهكذا فأمر أردوغان وسياسته انتهت إلى تطابق كامل مع الاستراتيجيات الأطلسية، كما أنه أصبح أكثر توافقاً مع جنرالات تركيا.
ما من سوري إلا ورحب بتطور العلاقات التركية السورية لكن اوراق أردوغان الأخيرة خطيرة وآفاق سورية فيها قاتمة ومستقبلها استعمار عثماني بحلل سياسية دينية جديدة.
يخطئ أي مسؤول عربي إذا قصرَّ نظرته ولم ير إلا حلقة الوضع الداخلي السوري في الاندفاعة الطورانية الجديدة، ولا غرابة إذا اشرنا بوضوح أن الدور التركي الأطلسي الجديدة يتناول المنطقة العربية بكاملها.