علي فتح الله نجاد علي فتح الله نجاد

كارثة معلنة: قرار المحافظين الجدد بقصف إيران هل بوسع الواقعيين في الإمبراطورية كبح الدوغمائية الحربية لدى المحافظين الجدد؟

في منتصف شهر أيلول 2006، دعت وكالة CNN سام غاردينر، وهو عقيد متقاعد في سلاح الطيران الأمريكي ومدرس سابق في مختلف مدارس الحرب الأمريكية، للنقاش حول احتمال توجيه الولايات المتحدة ضربةً عسكرية لإيران.

في ردٍّ على سؤالٍ حول ما إذا كانت إدارة بوش على وشك إعطاء الضوء الأخضر لهجومٍ على إيران، أعلن غاردينر دون لبس: «لقد أعطي هذا الضوء. في الواقع، نحن على الأرجح بصدد تنفيذ عمليات عسكرية داخل إيران منذ ثمانية عشر شهراً على الأقل. الأدلة دامغة على ذلك.» حينذاك، قاطعه محادثه بسرعة، مذكّراً بتزلّفٍ بأنّ الرئيس بوش قد شدد على أنه يريد تفعيل الدبلوماسية لإقناع الحكومة الإيرانية بتوقيف برنامجها الخاص بتخصيب اليورانيوم. بعد ذلك، استشهد وولف بليتزر، وهو شخصيةٌ مألوفةٌ على الـCNN، بأقوالٍ أدلى بها بوش في مقابلةٍ أجراها معه ديفيد إيغناتيوس من صحيفة واشنطن بوست في اليوم السابق ـ «أريد أن أقول للشعب الإيراني بأننا لا نريد نزاعاً»- ثمّ التفت مجدداً إلى غاردينر وكرر سؤاله الأصلي. فأجاب العقيد بقوةٍ على نحوٍ شبه يائس قائلاً: «نحن نقوم حالياً بعمليات عسكرية داخل إيران. الأدلة دامغة، من مصادر أمريكية وإيرانية معاً، وكذلك من الكونغرس».

أتى هذا التأكيد الجازم من شخص يعرف عمّا يتحدث. ففي العام 2004، أدار غاردينر تمثيلاً للحرب نظمته مجلة أتلانتيك مونثلي لتقييم كيف يمكن لرئيس أمريكي الردّ، عسكرياً أو بوسائل أخرى، على امتلاك إيران المزعوم لأسلحة نووية، مستنتجاً بأنّ شن ضربات عسكرية سيكون في نهاية المطاف رداً غير مناسب. لكن الفريق المتحمس للحرب في البيت الأبيض واصل خطه المتمثل في القول إنّه بعد تفحّص كافة الخيارات، لم يبق غير خيار الحرب. في نفس المقابلة مع CNN، شرح غاردينر بأنّه على الرغم من القلق الجدي الذي عبّر عنه القادة العسكريون بصدد فعالية هجوم عسكري أمريكي ضد إيران، فقد بقي المسؤولون المحافظون الجدد مدافعين أشاوس عن هدف تغيير النظام (في إيران): «قبل بضعة أسابيع، حاولت اللجنة البرلمانية المكلفة بدراسة التهديدات الناشئة عقد جلسة استماع، تطالب فيها وزارتي الخارجية والدفاع الإجابة على هذه المسألة (حول عمليات عسكرية في طريقها للتنفيذ ضد إيران ـ الكاتب) لأنها مسألة جدية بما يكفي كي يرد عليها دون موافقة الكونغرس، فلم تأتيا إلى جلسة الاستماع.» وقد شدد على خطورة الوضع الذي نشأ عن واقع أنّ خطط البنتاغون الحربية قد ذهبت إلى البيت الأبيض، وهو ليس «التخطيط الطبيعي. حين تذهب الخطة إلى البيت الأبيض، فهذا يعني عبورنا إلى مرحلة جديدة.»

الجبهة الموحدة للحرب تتجمع

نحن في هذه المرحلة منذ عام ونصف العام. ومع وجود عمليات عسكرية سرية داخل إيران، واستكمال التحضيرات بقوات عسكرية هائلة تتجه نحو الخليج العربي، لم يعد اندلاع حرب شاملة بحاجة إلا لمصادقة الرئيس. على ضوء ذلك، أدى أسر وإطلاق سراح إيران سريعاً لبحارة بريطانيين مكلفين «بجمع معلومات» داخل وقرب مياهها الإقليمية إلى تأجيل التصعيد الناجم عن فعل تحريضي تقوم به القوات الأنغلو أمريكية في المنطقة.

هنالك مؤشرٌ بالغ الدلالة على احتمالات تحقيق ما يرغب المحافظون الجدد بتحقيقه، وهو المؤتمر السياسي السنوي للآيباك (اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة). تعتبر الآيباك اللوبي السياسي الأكثر نفوذاً في الولايات المتحدة، وهي تشتهر بموقفها المتصلب ضد إيران، وقد استقبلت عدداً من كبار مسؤولي الولايات المتحدة وإسرائيل في هذا المؤتمر الذي ضمّ أكبر عدد من المشاركين في تاريخ الآيباك، وكرّس بصورة أساسية لمسألة «التهديد النووي الإيراني».

وقد ألقى نائب الرئيس تشيني، الذي استقبله المؤتمرون بالتصفيق وقوفاً، خطاب صقر بامتياز: «نحن (الأمريكيون والإسرائيليون) أول أهداف حركة الإرهاب العالمية بطبيعتها، والعالمية بطموحاتها. يتحدث زعيم هذه الحركة صراحةً وبوضوح عن بناء إمبراطورية شمولية تغطي الشرق الأوسط وتمتد إلى أوروبا وإلى جزر إندونيسيا.» ثم عرض التزامه التام بعمل ضد إيران مطالباً «بالوضوح الأخلاقي، وشجاعة قناعاتنا، والرغبة في الفعل حين يكون الفعل ضرورياً، ورفض الخضوع إلى أي شكل من أشكال التخويف». وختم خطابه بالكلمات التالية: «نحن في حرب بدأت بشروط العدو، وحالياً نقوم بشنها بشروطنا الخاصة وسوف نكسب». لم تكن تصريحات تشيني، الموسومة برؤية شديدة الخصوصية للواقع التاريخي الذي يشهده العالم اليوم في الشرق الأوسط والأدنى، مثيرةً للدهشة، إذ يشتهر بأنه الشخصية الرئيسية من بين أولئك الراغبين في البيت الأبيض «بتغيير النظام» في إيران، لكنّها مع ذلك مقلقةٌ جداً.

لذلك، كان الأكثر إثارةً للاهتمام هو الاستماع لخطاب نانسي بيلوسي، المتحدثة الديمقراطية الجديدة في البرلمان- وهي صديقةٌ قديمة للآيباك، مثلما قدّمها رئيسٌ سابق لهذه المنظمة. فقد تمثّل أول تصريح لها ذي بعد سياسي في تذكير «بتاريخ زعيم فارسي يهدد الشعب اليهودي والبطلة إستير التي تمتعت بالشجاعة الكافية لتتكلم وتنقذ اليهود. اليوم، يتمتع الإسرائيليون بنفس الشجاعة لمواجهة التحدي نفسه». وتابعت بيلوسي قائلةً: «فلنكن شديدي الوضوح: ينبغي عدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي. هذا أمرٌ يهدد أمن إسرائيل والاستقرار في المنطقة وأمن العالم»، مشيرةً إلى أنّ «إسرائيل، في مواجهة هذا التحدي (...) تختار سلام الشجعان حين يتوجب عليها الاختيار.» وفي أوج الخطاب الأصولي الذي استمع إليه جمهورٌ متكهرب، أكّد القس الإنجيلي جون هاجي بأنّ «عملاق الصهيونية المسيحية النائم قد استيقظ!»

على الرغم من أنه لم يجر التعبير عن أي التزام صريح بشن حرب على إيران، فلم تكن التلميحات لهذه الضرورة قليلةً. لكن يبدو أنّ الخطة المؤقتة للآيباك تتضمن مواصلة التصعيد.

أصدرت مجموعة اللوبي المحابي لإسرائيل «مذكرةً متعلقة بإيران»، تطالب فيها بتشديد العقوبات الاقتصادية والمالية، على أمل أن تؤدي هذه العقوبات إلى انهيار النظام الإيراني. وقد أدى ذلك إلى مشروع قانون يدعى بقانون صد انتشار إيران (كذا) وقدمه عضوان رفيعان في لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان هما توم لانتوس (ديمقراطي) وإيليانا روس ليتينن (جمهورية). في يوم واحد، مشى على هضبة مقر السلطة آلافٌ من أعضاء لوبي الآيباك حيث «حياهم معظم أعضاء مجلس الشيوخ وأكثر من نصف أعضاء مجلس النواب- جرى عقد نحو 500 اجتماع بين ممثلين عن الآيباك وأعضاء في الكونغرس.»

لكن ما الذي تشير لنا إليه مثل هذه الأقوال بصدد تهديد وشيك بالحرب على إيران؟ بدايةً، هي تظهر وجود معسكر ميال للحرب شديد الاقتناع بمهمته. كما تشير إلى أنّ رأس حربة المعارضة الديمقراطية يساند التزام الإدارة الشديد بمواجهة مع إيران بكافة الوسائل اللازمة. لكن لا تزال هنالك بعض العقبات الواجب اجتيازها.

واقعيو الإمبراطورية يناضلون ضد «الغرائز» في البيت الأبيض

في حين كان الرئيس الأمريكي الحالي ينطح سقف مقياس التصفيق حين ظهرت صورته في العرض التقليدي لصور جميع الرؤساء الأمريكيين في مؤتمر الآيباك، منحت إحدى أرفع هيئات الخبرة المتعلقة بالسياسة الخارجية الرئيس نفسه صفراً على أدائه في هذا المجال. ففي كتاب بعنوان: «الفرصة الثانية- ثلاثة رؤساء وأزمة القوة العظمى الأمريكية»، أشار المعلّم الفكري الواقعي زبيجنييف بريجنسكي إلى وجود (غرائز قوية) لدى رئاسة بوش الابن «دون أية معرفة بالتعقيدات العالمية ومزاج يخضع للتشكيلات الدوغمائية».

وقد عبّر بريجنسكي بإيجاز عن رهانات الإمبراطورية الأمريكية، فكتب:

«نحن نواجه أزمةً خطيرةً بالنسبة للمستقبل. ستكون الأشهر العشرون القادمة حاسمةً. وإذا ما تمكّنا من التغلب عليها دون أن تتفاقم الحرب في العراق وتمتد إلى حرب مع إيران، أعتقد بوجود فرص قوية كي نستدرك [...] لكن إذا ما دخلنا في هذا النزاع الأكبر، أخشى عندئذ أن يكون عصر التفوق العالمي الأمريكي قصيراً للغاية.»

مع الأزمة العميقة التي تؤثر على رئاسة بوش، يمكن أن يكون قرار توسيع «الحرب على الإرهاب» لتطال إيران قراراً أساسياً بالنسبة لمصير إدارته وحزبه- لكنه سيكون حاسماً خصوصاً بالنسبة لمستقبل سيطرة الولايات المتحدة على العالم. يبدو أنّ المعسكر المشتت لخصوم الحرب في الكونغرس يستطيع بصعوبة منع الرئيس من التحضير من جانب واحد لحرب مدمرة. ويقع واجب إقناع بوش بعدم السير على الدرب الذي حدده تشيني مسبقاً على عاتق المفكرين الاستراتيجيين النافذين المنتمين إلى تيار الواقعيين. مؤخراً، أشار هنري كيسنجر نفسه إلى اتجاه معاكس لذاك الذي تتخذه إدارة بوش. فقد اقترح صفقةً واسعة مع إيران عبر الدبلوماسية الذكية. هنالك أمرٌ واضح: سوف نرى في نهاية هذا الصراع الحاسم بين المعسكرين الواقعي والمحافظ الجديد إن كنّا سوف نشهد حرباً رهيبةً في الشرق الأوسط، ستكون مضاعفاتها العالمية هائلة.

يبقى الوضع متوتراً لأنّ أولئك الدافعين إلى الحرب هم في كواليس السلطة- سواءٌ في العاصمة الأمريكية أم في تل أبيب. وفي حين تعلن طهران عدم رغبتها في تطبيق المطالب الخدّاعة لقرار مجلس الأمن الأخير رقم 1747، يبقى الإيرانيون ميالين للتفاوض. لكنّ ينبغي تلبية الشرط المسبق الوحيد لطهران لإجراء مباحثات من أجل التوصل إلى حلّ سلميّ هادئ: أي أن توضع جانباً الشروط التي وضعتها الأطراف الغربية أساساً.

في الولايات المتحدة، يشعر المعسكر الراغب بالحرب بأنّ الشعب- الذي يعتقد بأنّه سيفيده في تطبيق الأجندة المحافظة الجديدة في الشرق الأوسط- ربما يقطع من تحته في المسار الأخير بسبب الأداء البائس لرئيسه. وقد طالب عرّاب النزعة المحافظة الجديدة الأمريكية بيل كريستول في آخر أعداد نشرتهم الشهيرة ذي ويكلي ستاندرد بأن يبادر بوش وجمهوريون آخرون إلى الهجوم المضاد لضمان بقاء إدارتهم. ومثلما ذكرت مؤخراً صحيفة الغارديان البريطانية أثناء أزمة الرهائن الأخيرة بين بريطانيا وإيران، فقد اقترحت واشنطن أن تحلّق طائراتٌ حربيةٌ في الأجواء الإيرانية. لكنّ لندن رفضت هذا الإجراء الذي كان سيشعل نار الحرب. لكن ما الذي بوسعه إنقاذ فريق بوش/تشيني إن لم يكن حرباً جديدة؟

■ مركز أبحاث العولمة/ ترجمة قاسيون

آخر تعديل على الإثنين, 14 تشرين2/نوفمبر 2016 12:06