سيف ديموقليس
ديك تشيني كان في المنطقة في جولة تم رفع مستواها بعدما كانت مخصصة لوزيرة الخارجية كوندوليزا رايس لتشمل إلى جانب العراق «الرباعية العربية» أو ما يسمى بدول الاعتدال العربي وهي جولة رد عليها الرئيس محمود أحمدي نجاد بزيارة شملت الإمارات وعمان ليدخل الصراع المفتوح بين واشنطن وطهران طوراً جديداً ومتقدماً ودائماً على خلفية تفخيخ ألغام أخرى باتت جديدة قديمة من بغداد إلى رام الله وغزة والقدس مروراً ببيروت ودمشق.
تشيني الذي أطلق تهديدات عسكرية مباشرة باتجاه طهران على متن حاملة طائرات على مقربة من مياهها الإقليمية رفع في كل المحطات التي قادتها إليه جولته يافطة معلنة تتحدث عما يسميه «تطويق النفوذ الإيراني في العراق وتعزيز المصالحة الوطنية فيه» ولكن مع إضافة تبدو غير منسجمة أشار إليها صراحة المتحدث الرئاسي المصري تربط كل ذلك بـ«البرنامج النووي الإيراني» دون أن ننسى تأكيد تشيني مجدداً أن ضرب إيران أسهل من تركها تمتلك السلاح النووي، ولن يمنع واشنطن عن ذلك أي ملامح ضعف لقواتها العسكرية في العراق.
وفيما لم يعد جديداً حديث غالبية المراقبين الذين يرون المأزق الأمريكي الاقتصادي والسياسي والعسكري على حقيقته- بمن فيهم خبراء أمريكيون- عن قرب العدوان العسكري الأمريكي على طهران فإن اللافت هو وصول التحضيرات السياسية لهذا العدوان مرحلة جديدة بعد استكمال تحضيراته العسكرية بدليل رفع مستوى التمثيل في الزيارة/ الجولة بهدف رفع وتيرة الضغوط على الدول العربية المعنية من أجل دعم العدوان المرتقب، وتطمينها في الوقت ذاته من انعكاساته عليها.
ومن هنا جاء حديث تشيني الصريح خلال زيارته للإمارات مثلاً حول قلقه بخصوص الاستثمارات الإيرانية الضخمة على أراضيها والتي تقارب الـ27 مليار دولار حسب بعض الإحصائيات. وهي زيارة أعقبها اجتماع وصف بالتشاوري لدول مجلس التعاون الخليجي في السعودية، ليكون ربما أحد اجتماعات «اللحظات» الأخيرة قبل العدوان، متزامناً مع تسريبات مفادها أن تلك الدول تبحث عن بدائل لتمرير نفط الخليج عبر طريق آخر غير مضيق هرمز الذي قد يغلقه اندلاع المواجهات العسكرية.
في المقابل سعى نجاد بوضوح لـ«تأريض» جهود تشيني وإقناع أبو ظبي بخطورة التهديدات الأمريكية على استقرار المنطقة وأمنها ككل مع التذكير بأهمية حجم الاستثمارات الإيرانية في الإمارات وضرورة إبقاء المشاكل بين البلدين عند حدود الجزر المتنازع عليها دون توسيع دائرة ذلك باتجاه إشعال المنطقة تحت وطأة ضغوط الحليف الأمريكي كون طهران لن تسكت كما أكدت مراراً وتكراراً على أي عدوان يطالها.
المحاولات الأمريكية لحشد نظم «الاعتدال العربي» ضد إيران كما عبر عن ذلك أحد المسؤولين الأردنيين قبل وصول تشيني لعمان رافقها تأكيد أن محادثات المذكور كانت تتعلق بالعراق بشكل أساسي، وهو ما أثمر «بغدادياً» بتصريح لجلال طالباني قال فيه إن «مشاعر (طائفة عراقية معينة) باتت موجهة نحو إيران وليس نحو الولايات المتحدة».
وفي عناصر المشهد الأخرى تسعى حكومة السنيورة المحاصرة في لبنان لوضع قضية المحكمة الخاصة باغتيال الحريري خلفها من خلال نقل المحكمة للفصل السابع وفرضها بالقوة العسكرية باعتبارها دولية وليس تحت الفصل السادس إذا كانت ذات طابع دولي، وبالتالي يسعى ذلك الفريق ومن خلفه في عواصم القرار ولاسيما في واشنطن وباريس التي استقبلت سعد الحريري استقبالاً رئاسياً مزدوجاً لجعل تلك المحكمة كسيف ديموقليس المعلق بشعرة فوق رقبة دمشق بالدرجة الأولى وحلفائها في لبنان بالدرجة الثانية كي يعدلوا من «سلوكهم المارق» المعيق للمشاريع الأمريكية. كما يبرز سعي الفريق الحاكم في لبنان لفتح معركة الرئاسة مبكراً في ظل تخوفه من عدم ضمان مسألة أغلبية الثلثين في البرلمان في سياق صراعه مع المعارضة وتمسك كل من الفريقين بأوراق الاستعصاء أمام الفريق الآخر.
وزامن ذلك قيام الاحتلال الإسرائيلي بإطلاق أكبر مناورات عسكرية لممارسة المزيد من الضغوط على المنطقة من باب استعراض العضلات أمام الخارج الإقليمي والداخل الإسرائيلي المأزوم ولاسيما لجهة محاولة تجاوز الانعكاسات المعنوية لتقرير فيننوغراد.
كما زامنه في الأراضي المحتلة (التي عادت فوضى الاقتتال الداخلي «لتنغل» فيها) قيام سلطات الاحتلال بتدشين 10 آلاف وحدة استيطانية جديدة في القدس المحتلة تحت الشعار الإسرائيلي الجديد «اشتر بيتاً واحفر نفقاً» بمعنى المضي في الخطة الإستراتيجية لتهويد المدينة في ظل عوامل عديدة من بينها التخوف من عدم إمكانية المستوطنين من تحقيق التوازن السكاني مع الفلسطينيين بحكم تباين نسب الولادات بين الطرفين (1.2% مقابل 4%).
والمفارقة أن ذلك يجري دائماً بالتوازي مع حديث «قوى الاعتدال العربي» عن التمسك بما يسمى بالمبادرة العربية للسلام التي رفضت مجرد فكرة مناقشتها وزيرة خارجية الاحتلال خلال تعليقها على اللقاء بممثلي جامعة الدول العربية.
أما اللافت إيجابياً هنا فهو أن الرئيس الأسد لم يتطرق لهذه المبادرة خلال كلمته أمام مجلس الشعب مؤخراً مثلما رفضها الأمين العام لحزب الله واصفاً إياها بأنها تخدم الأمريكان وتأتي بتوقيت غير مناسب.
في كل الأحوال تبدو المنطقة مجدداً حبلى بمزيد من المطبات وحقول الألغام التي باتت تغطيها بالكامل وعلى نحو متزامن بصاعق «أمريكي وشركاه». ولا يغير من حقيقة ذلك استمرار محاولات بعض هؤلاء «الشركاه» في بروكسل مثلاً خطب ود دمشق في محاولة لعزلها عن طهران ولاسيما مع تكاثف غيوم العدوان فوق سمائها، وهو ما يعني من جديد ضرورة اتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بتحييد الآثار السلبية لأي مواجهة محتملة إن لم يكن كسبها بمنطق المقاومة مستكملة العوامل.
■ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.