رباعي غير «وتري»
منذ الإعلان عن الرباعية الدولية سيئة الصيت مع أجندتها «خارطة الطريق» إلى الرباعية العربية إحدى ملحقاتها ممثلة بقادة الأجهزة الأمنية (في مصر والسعودية والأردن والإمارات)، وصولاً إلى «رباعية» مؤلفة من اثنين رئيسيين ـ بوش وأولمرت إضافة إلى رمزيهما بالتبني عباس والسنيورة، تبقى الأهداف الإستراتيجية للتحالف الامبريالي الأمريكي-الصهيوني: تصفية القضية الفلسطينية، تفتيت المنطقة عبر تسعير الصراعات الدينية والعرقية، والإجهاز على أي خيار للمقاومة في فلسطين والعراق، وعلى وجه الخصوص إبطال مفاعيل انتصار المقاومة اللبنانية ممثلة بحزب الله على جيش العدوان الصهيوني في حرب تموز 2006، ومحاولة منع أية إمكانية لتوسيع رقعة المقاومة والنموذج اللبناني باتجاه الجولان المحتل، لتحريره بالمقاومة الشعبية.
... قبل الطعام وبعده، في الصباح والمساء، لا يجد الرئيس بوش حرجاً في تكرار طلباته اللافتة- عبر الإعلام والاتصالات الهاتفية السرية- إلى معظم رؤساء الدول، عرباً وأجانب، بدعم الرئيس محمود عباس، ورئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة، «اللذين يمثلان الاعتدال في مواجهة المتطرفين والذين لا يقدرون سخاء ايهود أولمرت وتنازلاته من أجل السلام»!!
...وإذا كان المثل الشعبي العربي يشير في معرض السخرية: «هيك مختار بدو هيك ختم»، فإن المبادرة العربية «بنسختها المستحدثة» وليدة قمة الرياض، وكل ما رافقها من قنابل تعمية وعناصر تزينية إعلامية، تطلبت، على قدر ومستوى من أطلقوها، رداً مناسباً على لسان بوش يوم 16/7/2007 من واشنطن يدعو إلى «عقد اجتماع دولي في الخريف المقبل، تترأسه وزيرة الخارجية كوندوليسا رايس من أجل إيجاد الظروف المناسبة (لاحظوا المناسبة) للسلام، يشارك فيه كل من الإسرائيليين والفلسطينيين وجيرانهم في المنطقة...»!
... ولعل الأهم من ظاهر الاقتراح، هو التعليمات التنفيذية التي سارع بوش وأبلغها هاتفياً للرئيس المصري حسني مبارك، والملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، والأردني عبد الله الثاني حول ضرورة تقديم الدعم الفوري لتوجهات محمود عباس، وفؤاد السنيورة معتبراً «أن الصراع في غزة والضفة الغربية هو صراع بين المتشددين والمعتدلين... كما أن هذا الصراع يجد مكاناً له في لبنان حيث يحاول حزب الله وسورية وإيران زعزعة استقرار الحكومة المنتخبة شعبياً في لبنان...»!
... وبالتوازي مع «مذكرة الجلب» التي أعلن عنها الرئيس بوش لبعض الأفرقاء العرب، وقد يكون المكان مجدداً في «محمية شرم الشيخ»، سارعت حكومة أولمرت إلى المطالبة «بضرورة حضور السعودية والدول العربية التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني»!
... وفي اليوم نفسه الذي تم فيه الإعلان عن اقتراح بوش بعقد «اجتماع الخريف»، أعلنت أجهزة الإعلام الصهيونية عن خطة جديدة-قديمة لحكومة أولمرت بشأن تحريك المفاوضات مع الفلسطينيين تحت عنوان «خطة فصل بالتوافق» في الضفة الغربية، أي التوافق مع عباس في إطار التجاوب مع مطالب البيت الأبيض لاحتضان رئيس السلطة الفلسطينية، ودعم «تيار الاعتدال في المنطقة». وقد أشارت القناة العاشرة في تلفزيون العدو إلى «أن جوهر الخطة يتضمن إخلاء بعض المستوطنات الصغيرة المعزولة وغير المدرجة في كتل استيطانية كبيرة»، وكان أولمرت قد مهد لتمرير الخطة بإعلانه بعد لقاء عباس في القدس الإفراج عن 256 أسيراً فلسطينياً معظمهم من حركة فتح من أصل أكثر من عشرة آلاف سجين فلسطيني يقبعون في سجون الاحتلال ثلثهم من النساء والأطفال، وكان عباس أكثر سخاءً من أولمرت عندما استطاع «هو وفريقه المعتدل» إقناع أكثر من مائتي مقاتل من «كتائب شهداء الأقصى» بتسليم أسلحتهم والتعهد خطياً بالتخلي عن خيار المقاومة ضد الاحتلال، لكن هؤلاء ليسوا إلا الجزء القليل من أبطال «شهداء الأقصى»، وهم على كل حال وقعوا في مصيدة الترغيب والترهيب بين فكي كماشة عباس وأولمرت، وسيكتشفون ثمن الانحدار والتراجع عن شرف الرجولة الوطنية في مقاومة الاحتلال.
... وإذا كان فؤاد السنيورة قد تجرأ واتهم أبطال حزب الله «بتجاوز الخط الأزرق بأسر جنديين إسرائيليين»، فإن محمود عباس كذلك يرى أن من أولى مهامه تجريد المقاومة الفلسطينية من سلاحها، وعدم الحوار مع حماس، واستقدام «لواء بدر من الأردن» بموافقة أولمرت لحماية أمن الرئاسة في رام الله من غضب شعبه الرازح تحت الاحتلال.
فمن كانت هذه أفعالهما (السنيورة + عباس) ليس غريباً أن يحرسهما الرئيس بوش بعنايته وحمايته. لكن مؤشرات الانعطاف على المستوى الإقليمي والدولي تشير إلى أن بوش ومن والاه، عاجلاً أم آجلاً، هم بحاجة إلى حماية من غضب الشعوب المحكومة بالانتصار، ودحر المشروع الامبراطوري الأمريكي انطلاقاً من هذا الشرق العظيم!