صراع المحاصصة الدموي في قطاع غزة
المواجهات الضارية والمؤسفة بين حركتيّ فتح وحماس في قطاع غزة، تعكس فشل الصراع الاحتكاري الثنائي على النفوذ والسلطة، إزاء انعكاسه لقوة المصالح الفئوية التنظيمية، والذاتية الطبقية المتراكمة، التي لا علاقة لها بالأهداف الوطنية المدعاة كهدف مركزي. فضلاً عن كونها تقود إلى جحيم الاقتتال والخطف والتصفيات الدموية الانقلابية على السلطة، كصراع دموي رهيب، يتجاوز المرجعية الدستورية والقانون الأساسي، والقوانين والقواعد التنظيمية، ويهدد بحرف السلاح الفلسطيني عن أهدافه الوطنية، باتجاه التناقضات الفئوية الحزبية، واستخدام العصبيات التحتية العشائرية الحمائلية المجتمعية الداخلية.
ووصلت المحاصصة الثنائية (الدموية الأخيرة) بين حركتيّ فتح وحماس إلى طريق مسدود، عنوانه التدمير المتبادل للبينية التحتية المجتمعية في قطاع غزة، تعبيراً عن نوازع الاستئثار المتراكم، الذي لا علاقة له بالسياسة الوطنية من قريب أو بعيد. وبفشل الاقتسام تجري محاولة الهيمنة لإنتاج نظام الحزب الواحد، بما حملته التجربة الفلسطينية من نتائج هذه الوصفة، وعواقبها الوطنية الخطيرة، على امتداد عشر حكومات تعاقبت منذ قيام السلطة الوطنية عام 1994، ثماني من تلك الحكومات في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، ترأس هو ستاً منها، بينما ترأس الرئيس أبو مازن الحكومة السابعة، وأحمد قريع الحكومة الثامنة، والتاسعة الرئيس أبو مازن، والعاشرة حكومة حماس، التي شكلتها في آذار (مارس) 2006.
إن الخروج من المأزق الدموي المدمر، يشترط العودة إلى الحوار الوطني الشامل، وتنفيذ وثيقة الوفاق الوطني، لإعادة بناء حكومة وحدة وطنية فعلية وشاملة، وقوانين انتخابية ديمقراطية جديدة، وفق التمثيل النسبي الكامل، وحماية الصيغة التعددية للنظام السياسي، ومنع أية حركة، أو أي حزب من الانفراد بصناعة القرار، وإدارة الشأن العام.
كما أن الإستمرار بالارتداد عن وثيقة الوفاق الوطني، سيقود إلى«صوملة» الصراع على السلطة، كمقدمة لحرب أهلية، ودمار الوحدة الوطنية في مقاومة الاحتلال والاستيطان في القدس والضفة الغربية.
مع إدراك أن ما يعيشه الفلسطيني اليوم في العمق، هو محاولات السيطرة الداخلية على قطاع غزة المحاصر براً وجواً وبحراً، بل لا يستطيع المواطن فيه التحرك إلا في فك الحصار الإسرائيلي حتى في شؤونه الذاتية الشخصية، ومع تزايد أشكال الإفقار الذي وصل نسباً غير مسبوقة، واستفحال الأزمة الاقتصادية الاجتماعية، والبطالة، والعجز عن تقديم إجابات ملموسة للاحتياجات الحياتية والمطلبية الديمقراطية.
إن إحلال حوار الدم والرصاص بين الحركتين، هو تغييب وتدمير للمشروع الوطني الجمعي، وتحت أي تبرير أو شعار كان، وإن جرى تسويقه باسم المقاومة والمصلحة العامة، فهو لا يقنع أحداً، فالاستئثار باسم المقاومة يفرخ «مقاومات» تهدف إلى الدفاع عن مصالح فئوية خاصة مرفوضة، سواء كانت مذهبية دينية أم عشائرية حمائلية، فهي لا تحمل صفة الوطنية، طالما أنها تسعى لمصالحها الفئوية. أما المقاومة الوطنية فهي التي تعني إعادة بناء الوطن، ووحدة الأرض، والدولة والجماعة، فهي في فلسطين تعني التحرر من الاستعمار الاستيطاني البغيض. ويبدو بهذا الإطار تغييب المشروع الوطني الجمعي، كمقاومة خاصة تتغذى على حطام المشروع الوطني، وتنمو على أطلاله، ولا يمكن تبرئتها مهما حملت من شعارات ومظاهر خادعة.
وفي ظل معطيات المصالح الفئوية والمحاصصة الثنائية، تغدو المهمة العاجلة هي وقف الأساليب والمظاهر المسلحة كافة، وينبغي تنظيم السلاح تحت عنوان مظلة العمل الميداني الوطني المشترك، الذي يرتبط باستراتيجية وطنية، وآليات نضالية محددة المعالم، ومحكومة لهذه الاستراتيجية. وكذلك إنهاء حالة إسباغ العسكرة الرثة، التي أخذت تزيح المجتمع السياسي الفلسطيني لصالحها. هذا المجتمع الذي بلورته انتفاضاته في تاريخه المعاصر، والذي انزاح لحساب مجتمع الفوضى والمحسوبيات والفساد السياسي والاقتصادي على حساب كرامة المواطن وحريته الشخصية، وهما الأساس لكل مجتمع يحترم حقوق الإنسان.
إن الاستمرار في الصراع الدموي على المصالح الفئوية، هو بحد ذاته الوجهة الأكثر انحطاطاً في مفاقمة الانقسامات والنزاعات داخل المجتمع، والغرق في الصدامات الأهلية الداخلية. بدلاً من توليد وتمتين إرادة التحرر الحقيقية، التي تقوم على البرنامج الوطني الجامع. أما المعارضة، فهي لا تعني رفض النظام القائم دون بديل ، والأهم أن تكون بوصفها قوة بناء وتصويب في توجهها لبناء حياة سياسية سليمة، قائمة على قواعد العمل والقيم والمعايير العامة، التي تنطبق على الجميع، ويتساوى به الجميع أمام القانون، الأمر الذي عبرت عنه «وثيقة الوفاق الوطني»، لا أن تستخدم الأساليب غير المشروعة لفرض شروطها وأجندتها.
• كاتب فلسطيني