الاحتجاجات الدامية سبقتها ورافقتها قمة الثماني: ساحة أخرى للتناقض الروسي-الأمريكي

تحولت الاحتجاجات المناهضة للعولمة ولانعقاد قمة الثماني وعلى سياسات الدول الكبرى البيئية والاقتصادية والسياسية، بالقرب من مدينة روستوك الألمانية المطلة على بحر البلطيق، إلى مواجهات مفتوحة بين حشود من المتظاهرين الذين جاؤوا من مختلف أرجاء أوربا و«شرطة مكافحة الشغب» الألمانية المعززة بالعملاء السريين، سقط خلالها أعداد كبيرة من المصابين من الطرفين وبالتساوي تقريباً على الرغم من استخدام قوات الأمن الألمانية التي قدر عددها بـ16 ألفاً هراوات الصعق الكهربائي وخراطيم المياه والقنابل الغازية المسيلة للدموع، إلى جانب اعتقال عشرات المتظاهرين.

وفيما أدرج قادة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان وكندا وروسيا مواضيع المساعدات لأفريقيا، والمديونية و«مكافحة الفقر» وتغيرات المناخ والاقتصاد العالمي، على جدول أعمال قمتهم التي تنتهي عشية صدور هذا العدد مع اليقين بأنها لن تخرج بشيء ملموس لحل هذه القضايا جدياً ولمصلحة فقراء الأرض، هيمن الخلاف الأمريكي الروسي على أجواء الاجتماع، بعدما تبادل جورج بوش وفلاديمير بوتين الاتهامات قبله بخصوص الدرع الصاروخي الأمريكي وقضايا «الديمقراطية والإصلاح السياسي» في روسيا.

الرئيس بوش دعا نظيره الروسي إلى المشاركة في الدرع الصاروخي المزمع إنشاؤه وسط أوروبا، قائلاً إن روسيا ليست عدواً للولايات المتحدة وليست بحاجة لأن تخشى هذا النظام الصاروخي الموجه للدول «المارقة» التي «تبتز العالم الحر» زاعماً أن «الحرب الباردة انتهت».

ولكن بوش ذاته شن قبل ذلك بيوم واحد هجوماً على روسيا في كلمة ألقاها في مؤتمر حول الديمقراطية والأمن بالعاصمة التشيكية براغ، قائلاً إن الإصلاحات التي كانت القيادة الروسية قد وعدت بها قد انحرفت عن مسارها. وهو هجوم يزيد من حدة الخلافات بين الجانبين والتي من بينها مسألة استقلال كوسوفو.

أما وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس فقد أعرب عن «حيرته حيال ما يقوم به الروس»، مشيرا إلى «أهمية اعتماد المرونة مع الأخذ بالاعتبار قلقهم حيال بعض المواضيع»، ولكنه كان واضحاً في تصريحه خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الفرنسي في باريس أنه «في الوقت نفسه لا يجوز أبداً السماح للروس بأن يكونوا عقبة في بعض المجالات».

لكن موسكو ردت بحدة على لسان المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف على ما ورد في خطاب بوش لاسيما فيما يتعلق باتهامات واشنطن لموسكو بالتراجع عن الديمقراطية والإصلاح السياسي، علماً بأن بوتين أعرب قبل ذلك بيومين عن اعتقاده «بأنه الديمقراطي الوحيد في العالم»(!!؟)

في كل الأحوال وبغض النظر عن القصف الإعلامي المتبادل بين بوش وبوتين واحتمال تصاعده أو تراجعه ولاسيما قبل اللقاء المرتقب بينهما في الأول من تموز المقبل في منزل عائلة الرئيس الأمريكي في منتجع ماين بالولايات المتحدة، فإن الأمر يتجاوز انتهازيتهما أو براغماتيتهما المعهودة: فإذا كان الأول محكوم نظامه الإمبريالي المأزوم بتوسيع رقعة الحرب فإن الثاني تشكل بلاده شاء أم أبى، ومعه وبدونه، أكبر تهديد جيوسياسي وسكاني وثرواتي للنفوذ الأمريكي، وهو ما يشكل الأساس الأول للتصعيد بين الجانبين ولنشر الدرع الصاروخي أصلاً.

آخر تعديل على الخميس, 17 تشرين2/نوفمبر 2016 17:20