أصوات المخيم عبر الأثير: «نريد العودة.. لا اللجوء»
نصحو وننام، وصوت القذائف المنهمرة على المخيمات الفلسطينية في لبنان ما تزال مستمرة، نتابعها على المحطات الفضائية الإخبارية والمتنوعة تباعا، ننتقل لمتابعة التطورات من الجزيرة إلى المنار إلى تلفزيون الجديد إلى قناة العالم، النيل وغيرها وغيرها من المحطات التي باتت مشغولة برصد واقع القصف على المخيمات، والاقتتال الدائر بين الجيش اللبناني ومجموعة فتح الإسلام، وبعض المجموعات الأخرى التي تربطها صلة ما بها، أو بتنظيم القاعدة وما يتفرع عنه من منظمات راحت تتغلغل في المخيمات الفلسطينية في العقد الأخير، متخذة منها ملاذا استراتيجيا، وجاعلة منها قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة.
اللاجئون في المخيمات الفلسطينية بلبنان كانوا ينظرون إلى هذا التدفق بالكثير من الريبة والتوجس.. كانوا يؤكدون قبل الأحداث أن هذه التنظيمات أصبحت تزداد وتتأصل في المخيم رغم أنها غريبة عن تركيبته ونسيجه الاجتماعي وحتى السياسي، دون أن يكترث أحد لنداءاتهم.
كأنما أصحاب القرار السياسي الذين بسماحهم لهذه المجموعات بالتحصن في المخيم، كانوا يهيئون أولئك لمأرب ما في لحظة ما.
المخيم.. ولم لا؟ فهو الهارب دوما من القانون والقضاء والحماية والمظلة الأمنية والعمل والحقوق، (الفلسطينيون محرومون من مزاولة عشرات المهن في لبنان!!)، عوامل كثيرة ساعدت في جعل المخيمات ملاذا لمجموعات كهذه، فالذاكرة مازالت تئن بنار الأحداث المؤلمة.. مجازر متعددة ارتكبتها أطراف لبنانية بحجة تطيهر المخيمات من منظمات إرهابية فلسطينية، كان المخيم أعزل وقتها، استولى الرعب مرارا وتكرارا على سكانه، فتكرس في ضمير الأهالي، إحساس بضرورة التسلح خوفا من المجازر وما قد يرتكب، لأنهم جميعا ليسوا بمأمن من الخطر والقتل المجاني الذي لا ندركه إلا بعد يوم أو يومين من انتهاء المجازر على المحطات التلفزيونية.
شجون عميقة وجروح في ذاكرة الفلسطينين الذين يسكنون المخيمات في لبنان تحتاج وقتاً طويلاً لكي تندمل، فمخيماتهم تدخل في أروقة الألعاب السياسية والمصالح والديمغرافيا الجغرافية والسكانية للوضع الداخلي الطائفي للبنان، فأية حسبة لن تكون في صالحهم، وربما ليست في صالح الغير، الغير الذي هو لبناني وهو شريكهم في الألم، فقد ذاق هو الآخر من ويلات الحروب الداخلية والإسرائيلية الكثير..
ثمة أسئلة تفتح أبواب الخوف من المستقبل على مصاريعها: إلى متى هذه المعاناة؟ وإلى متى تستخدم المخيمات كمتاريس؟ ومن يكفل حق المواطنين الذين هم أصلا بلا حقوق؟
هل ما يحصل مجرد ألعاب سياسية، أم أنها مخططات آثمة تسعى لما هو أوسع وأكبر وأخطر مما نرى ونسمع، تهدف التعجيل بإزاحة القلق «مخيمات اللاجئين في لبنان» الذي ما فتئ يؤرق إسرائيل طوال ستين عاما؟
أسئلة كثيرة تؤرقنا جميعا، وتفتح من جديد، جروحاً وأحزاناً متلاحقة، تسكن الروح وتضاعف من عبء الحياة والمستقبل الذي يكل الجميع لأجله، متى ينتهي هذا الأرق؟ هل بخطط تنوي شطب كامل لحق 350 ألف لاجئ فلسطيني يسكنون لبنان ومازالوا يحلمون في كل تهجير يتعرضون له، بالعودة؟
مع كل مسلسل تلفزيوني إخباري عن ظروف المخيمات وتعرضها للقصف والتشريد يعلو من جديد، صوت ربما لا يرغب أحد بسماعه «نريد العودة إلى أرضنا.. نريد العودة إلى وطننا فلسطين.. لا نريد أن نبقى لاجئين». صوت تكرر ويتكرر، ربما لم تتقصد وسائل الإعلام إظهاره، ولكنه قد وصل إلى أذن «إسرائيل» وأذن العالم الإمبريالي الأصم وآذان الجميع، حلم يتصل بالكرامة الحقيقية، وأية كرامة افتراضية يسوقها إلينا اللاعبون والأفرقاء السياسيون المنغمسون في المخططات الصهيو–أمريكية عبر التوطين، هي كرامة ستنثرها الرياح يوما بعد يوم، وعاما بعد عام، ولن تجدي كل الصفقات والتسويات التي تحاول جعلها أمراً واقعاً، طالما أن الصوت المحزون عبر الفضائيالت والأثير مازال يصدح: «أريد العودة إلى وطني.. أريد كرامتي»..
■ سلافة وحيد