هل يكسر احتكار رئاسة صندوق النقد الدولي؟
كما هو معروف أُقيم الصندوق والبنك الدوليان بقرار من دول المركز الرأسمالي ولمصلحتهما. وضمن تقسيم العمل بين أوروبا وأمريكا صار إلى إناطة رئاسة البنك الدولي بأمريكا والصندوق الدولي بأوروبا. ورغم أن اليابان هي جزء من المركز في النظام الرأسمالي العالمي، إلا أنها لم تحظ بمساواة الأكتاف مع أوروبا وأميركا. كما أن لليابان فهماً مختلفاً لدور الصندوق والبنك يتلخص في دور أكبر للدولة. وهو موقف مأخوذ من التجربة اليابانية في اللحاق بالرأسمالية المتقدمة، وهو موقف اثر على مجموعة النمور الآسيوية من حيث الإيديولوجية الاقتصادية وليس من حيث الموقف السياسي لهذه النمور، وهو الموقف التابع للولايات المتحدة.
في الحقبة السوفييتية، لم يكن للإتحاد السوفييتي عضوية أو تدخل في الصندوق والبنك الدوليين. وفي فترة التفكك السوفييتي وخاصة حكم يلتسين، لم تحاول روسيا التدخل في هذا الشأن، بل لم تكن هناك لا رغبة لدى يلتسين ولا قدرة على مشاكسة المركز الغربي. لكن الفترة الحالية من قيادة بوتين تطرح حالة ودوراً مختلفين لروسيا على الصعيدين المحلي هناك والعالمي.
في هذا الصدد، نقل عن مسؤول روسي قوله في مقابلة صحفية منذ أيام أن وزير المالية الفرنسي السابق دومينيك شتراوس- كان يفتقر للمهارات التقنية اللازمة لرئاسة صندوق النقد الدولي، وأبلغ اليكساي موزين ممثل روسيا لدى مجلس مديري صندوق النقد صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية أن موسكو حصلت على مساندة من دول نامية لم يذكر أسماءها لمرشحها جوزيف توسوفسكي رئيس الوزراء ومحافظ البنك المركزي السابق في جمهورية التشيك، ونقلت الصحيفة عن موزين قوله «لا شيء في السيرة الذاتية للسيد شتراوس- كان يمكن أن يوضح أن لديه المهارات التقنية اللازمة للقيام بالوظيفة» مضيفاً إن عملية اختيار رئيس الصندوق تشوبها عيوب عميقة، وقال «نعتقد إن صندوق النقد الدولي يواجه أزمة شرعية حادة وإذا كان القصد هو جعل صندوق النقد الدولي وثيق الصلة بحاجات الدول النامية فإنه يتعين علينا أن نختار المرشح الأفضل»، إلا أن هذه الخطوة الروسية قد قوبلت بالرفض من التشيك التي أبدت دعمها ترشيح شتراوس حيث أكد وزير المالية التشيكي ميروسلاف كالوسيك أن توسوفسكي ليس مرشح الجمهورية التشيكية.
تجدر الإشارة هنا أن صندوق النقد الدولي وجه اهتماماً، بل تدخلاً هائلاً من عدة عقود بشؤون الدول النامية لدرجة أصبح معها هذا الصندوق بمثابة الحاكم لهذه البلدان، وهو الأمر الذي ترتبت عليه سلسلة من الفشل الإصلاحي في أكثر من مئة دولة نامية.
على هذه الأرضية على الأقل، إن لم نقل على أرضية المنافسة القطبية تحاول روسيا تجنيد ضغط من البلدان النامية لإيجاد دور قراري لها في مسألة الصندوق، وهو أمر في غاية الأهمية لاسيما بعد التجارب المريرة لهذه البلدان مع الصندوق.
إنما علينا التذكر بدقة، أن بلدان العالم الثالث أو النامية أو المحيط ليست كتلة متماسكة، كما أن كثيراً من أنظمتها، إن لم نقل معظمها يدور في فلك دول المركز الرأسمالي الغربي، وبالتالي، فإن خذلانها لروسيا هو مثابة خذلان لشعوبها، ليس لأن روسيا تمثل بالضرورة مصالح المحيط، ولكن على الأقل لأن التعددية القطبية تفتح مساحة أفضل لمناورة بلدان المحيط.
ففي المغرب، كما هو في تشيكيا، قالت وزارة المالية المغربية إنها تدعم ترشيح وزير المالية الفرنسي الأسبق دومينيك شتراوس لتولي منصب مدير صندوق النقد الدولي، وأضافت في بيانها منذ أيام أن المملكة المغربية تؤيد شتراوس لمنصب مدير صندوق النقد الدولي نظرا لكفاءته التي قالت إنها ستسهم في تعزيز الاستقرار المالي العالمي وتحسين فرص النمو في الدول النامية.
وبالمقابل، وعلى أرضية الأساس الطبقي والفكري للنظام السياسي، فقد أيدت البرازيل موقف روسيا بشأن أن يكون السباق مفتوحاً على رئاسة صندوق النقد الدولي، ورحب وزير المالية البرازيلي جيدو مانتيغا بترشيح روسيا جوزيف توسوفسكي رئيس الوزراء ومحافظ البنك المركزي سابقاً في جمهورية التشيك لمنافسة الفرنسي دومينيك شتراوس الذي أيده الاتحاد الأوروبي، وأعرب مانتيغا عن اعتقاده بأنه ليس من الصواب اقتراح مرشح واحد فقط من الاتحاد الأوروبي للمنصب، مؤكدا أنه إذا أراد صندوق النقد الدولي أن يمثل العالم كله فمن الواجب أن يكون هناك مرشحون آخرون، لكن الوزير أشار إلى أن البرازيل لم تتخذ قرارا بعد بشأن المرشح الذي ستؤيده.
يعتبر كثيرون أن ترشيح توسوفسكي من الدول الناشئة كسراً لتقليد اختيار رئيس الصندوق الدولي من الاتحاد الأوروبي ورئيس البنك الدولي من جانب الولايات المتحدة، ويتساءلون فيما إذا كانت ستنجح في ذلك أم لا؟
لكن السؤال الأهم لا يكمن في النجاح في كسر التقليد على أساس شكلي، بقدر ما هو توفر رئيس للصندوق لا يعمل كأداة لبلدان المركز بغض النظر عن جنسيته. فالسؤال هو ميوله وقناعاته من جهة، وحدود المرونة التي قد تتوفر له حينما يشغل هذا المنصب من جهة ثانية.