عوني صادق - العاقل من اتَّعظ بغيره!

في الوقت الذي تمعن فيه إسرائيل بجرائمها، المتجاوزة للوصف، ضد أبناء الشعب الفلسطيني، والتي لم ولن يكون آخرها قتل أربعة أطفال أشقاء وأمهم، يأتي الحديث الاستفزازي أكثر من صور أولئك الضحايا، وهم داخل أكفانهم البيضاء وآثار شظايا الغدر الإسرائيلية تبدو على ما انكشف من وجوهم، يأتي الحديث عن «السلام الإسرائيلي» مع سورية ليشكل- خلافاً لما هو رائج لدى بعض المتسرعين في تفاؤلهم- توزيعاً جديداً قي الأدوار الوظيفية بين تل أبيب وواشنطن، ومناورة إستراتيجية كبرى ضد سورية، في ظل التفاعلات الإقليمية والدولية الجارية، ومرة أخرى عبر إعادة توظيف الدورين التركي والقطري الملتبسين بحكم علاقات البلدين «الاستثنائية» مع الكيان الإسرائيلي.

على الرغم من الإشكاليات الشائكة في الموضوع، وخلافاً للعروض السابقة، سارع الوسيط التركي إلى تقديم آليات ملموسة تتحدث لأول مرة عن تسلسل وتراتبية في المفاوضات المفترضة، وبمجرد وصول العرض الإسرائيلي، أصبحت «إسرائيل» ترتدي ثوب الحمل، وأصبح «إحياء المسار التفاوضي السوري-الإسرائيلي» وتباين الآراء والقراءات والمواقف منه محور التداول الإعلامي العربي والدولي، وطبعاً في داخل الأوساط الرسمية الأمريكية والإسرائيلية التي تعمدت إظهار تباين مصطنع في المواقف بين مؤيد ومعارض ومتحفظ ومستبعد.

خلفيات المشهد/العرض ومكوناته

الدعوة الإسرائيلية لسورية جاءت في توقيت غير بريء يحفل بالرموز والإشارات، وتحديداً قبل شهر تقريباً من حلول الذكرى الستين لنكبة العرب جميعاً بمن فيهم الفلسطينيون والسوريون، وهي «المناسبة» التي يعدها الكيان الإسرائيلي الاحتفالية الأكبر بذكرى تأسيسه، والتي ستجري هذا العام بمشاركة بوش شخصياً، مستهلاً جولة تقوده «للمصادفة» كذلك إلى رموز «الاعتدال العربي»: مصر والسعودية، في وقت تجري فيه سلسلة أخرى من المعطيات، ودائماً ضمن المنطق «الساذج» القائم على دق الأسافين والتحريض البيني وتشجيع بعض المتلقين على توهم «ضرورة اللعب على التباينات في مواقف المعسكر الآخر وإلا ضاعت عليهم الفرصة» وكل ذلك من أجل شق التحالفات، وتبديل صورة العدو الأساسي وتثبيت الاعتراف بإسرائيل «دولة يهودية»، ومن ضمن هذه المعطيات «الأسفينية»:

• دعوة بوش إلى تكثيف الضغوط على سورية وإيران مؤكداً أن إدارته أطلعت الكونغرس على بعض التفاصيل الخاصة بقصف «المفاعل النووي السوري»(!)، في غارة جوية إسرائيلية، في أيلول الماضي

• رايس أمام اللجنة الأمريكية اليهودية: «سورية مقطورة إيرانية.. ولا تنسوا ملف سورية النووي»..!

• رايس: «ناشطو حماس يقاتلون بالوكالة عن إيران التي تسعى لامتلاك قنبلة نووية لتدمير إسرائيل وزعزعة استقرار الشرق الأوسط»

• تأكيد إدارة بوش أنها لن تتعامل مع حماس أو أية مجموعة فلسطينية «متطرفة» (أو غير فلسطينية) تحارب إسرائيل وترفض الاعتراف «بالدولة اليهودية».

• بيريز «يخالف» تصريحات رئيس حكومة الاحتلال أولمرت، معرباً عن معارضته المطلقة لأي تنازل إسرائيلي بخصوص الجولان لأن الرئيس بشار «الأسد» يفضّل لبنان وحزب الله على هضبة الجولان... التي لا ينبغي تسليمها للإيرانيين».

• بيريز: «سورية تتحول إلى قمر يدور في فلك إيران التي تحاول السيطرة على لبنان»

• تسريبات صحفية إسرائيلية: «أولمرت يرغب في البدء في المفاوضات من نقطة الصفر»، ولكن سورية تطالب باستئنافها من حيث توقفت عام 2000 في إطار «وديعة رابين»

• المصادر ذاتها: «أولمرت يدعو إلى محادثات مباشرة وسريّة وفوريّة، من دون وساطات ولا شروط مسبقة»، خلافاً للدعوات السورية باتجاه «محادثات علنيّة بوساطة واشنطن».

• استفتاء ليديعوت أحرنوت: ثلثا الإسرائيليين (74 %) يعارضون انسحاباً إسرائيلياً كاملاً من هضبة الجولان في مقابل اتفاق سلام مع سورية

• بدء أمين السجلات في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان «روبن فنسنت» أعماله الرسمية ما يعد مؤشراً على بدء العملية الإدارية للمحكمة وبدء تشغيلها.

• وصول حاملة الطائرات «أبراهام لنكولن» والمجموعة الضاربة التابعة لها، إلى مياه الخليج لتحل محل الحاملة «هاري ترومان» في منطقة العمليات التابعة للأسطول الأميركي الخامس، حيث ستجري الحاملتان وطواقمهما تدريبات «دفاعية» مشتركة في مياه الخليج، تنضم إليها قطع بحرية ووحدات من أسلحة الدفاع الجوي التابعة لدول المنطقة، وفي مقدمتها الكويت وسلطنة عمان والإمارات وقطر، علماً بأن عملية التبديل ستجري للمرة الأولى في مياه الخليج عوضاً عن بحر عُمان «لتذكير طهران بقدرات واشنطن» حسب وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس.

• سبق ذلك قيام القوات الأميركية بنصب مئات المنصات الدفاعية من أنظمة صواريخ باتريوت على سواحل الخليج العربي، «تحسّبًا لأيّ هجوم إيراني مضاد» في حال اندلاع الحرب ضد إيران، وزامن ذلك  إخضاع الجنود الأمريكيين لدورات تعلم اللغة الفارسية!

كما سبق ذلك التدريبات الإسرائيلية للطوارئ، وقبلها سلسلة المناورات الواسعة في الجولان الذي توحي إسرائيل الآن و«فوق الطاولة» فجأة إنها تريد إعادته، محضرة ذاتها والمجتمع الدولي للقول التبريري من ضمن سيناريوهات أخرى محتملة: «ولكن كيف لنا أن نعيد الجولان لسورية وملفها النووي مطروح على طاولات الكونغرس ومجلس الأمن (معززاً بفيديو إسرائيلي المصدر، أمريكي «التسريب»)؟ وكيف لنا ذلك مع وجود ملفها الخاص بالمحكمة الدولية؟ (حيث الإدانة محضرة مسبقاً). «نحن نريد السلام ومستعدون له ولكن سورية معزولة..!»

إن كل هذه الجلبة إنما توحي عملياً بالحرب أكثر مما توحي بقرب تحقيق شيء من السلام بمعنى إعادة الحقوق المغتصبة.. وإن تصريحات «سفاح قانا الأولى» بيريز بخصوص «منطق التنازلات» يوحي بشيء من «اللعب ع المكشوف».

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.