أسرى الحريَّة ليسوا مجرَّد أرقام!
مرت الذكرى الرابعة والثلاثون ليوم الأسير الفلسطيني «السابع عشر من ابريل/نيسان» التي قرر المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التي انعقدت عام 1974، تحديد ذلك اليوم من كل عام ليكون وقفة التضامن الحقيقية مع الأسيرات والأسرى، كجزء من التقدير والوفاء للتضحيات التي بذلوها، وكتقدير لكفاحهم وتحديهم لآلة التعذيب الرهيبة، في واحدة من أعظم ملاحم الصمود الإنسانية، بالإضافة- وهذا الأهم- للتأكيد على أهمية النضال من أجل العمل الجماعي على تحسين شروط اعتقالهم، والضغط الكفاحي والمؤسساتي الدولي لتخفيف الأحكام الصادرة بحقهم، كخطوة على طريق الاسراع بإطلاق سراحهم.
مع الازدياد المستمر في أرقام الأسيرات والأسرى في كل يوم «أكثر من أحد عشر ألف وستمائة معتقل»، تتقدم قضيتهم في هذا اليوم كما في كل يوم، لتحتل- هذا مايجب النضال لأجله- المركز المتقدم في المواجهة المفتوحة مع الاحتلال. فالقضية التي يجب وضعها ضمن البند الأول في برنامج عمل الحركة الوطنية الفلسطينية هي تحرير الأسرى من المعتقلات والسجون الصهيونية، لأن المهمة المطروحة أكبر من الأرقام، وهي لن تتوقف عند موضوع الأسرى القدامى المعتقلين منذ ما قبل أوسلو وعددهم (350 أسيراً)، كما أنها ليست قضية (82 أسيراً) من المعتقلين من أكثر من عشرين عاماً، أو وجود (13 أسيراً) مضى على اعتقالهم ربع قرن ونيف، ولا بوجود (أسيرين) تجاوزت فترة اعتقالهم ثلاثة عقود. انها وبالتحديد قضية تعرض شعب بأسره للاعتقال والسجن، فمنذ قيام الكيان الصهيوني الاحتلالي، دخل المعتقلات ومراكز التحقيق الصهيونية أكثر من مليون مواطن، ومازال يرزح في غياهب المعتقلات حوالي مائة وثلاثين من أبناء شعبنا المحتلة أراضيه منذ عام 1948. إن كل عائلة فلسطينية على امتداد فلسطين التاريخية، لديها أسير أو محرر أو مطارد. وفي حكايات شعبنا، تتناقل كل أسرة وبلدة أساطير البطولة لواحد من الأبناء والبنات الذين مروا بتجربة السجن، خاصة وأن لمعاناة النساء والأطفال داخل معتقلات التعذيب، تاريخ محفور في الذاكرة الفلسطينية.
إن النضال من أجل حرية هذه الآلاف يجب أن لايتوقف عند هذا اليوم- الذي يريد البعض تحويله إلى ذكرى موسمية فقط، فالعمل الجاد والمنهجي لإعطاء هذه القضية بعدها السياسي/التحرري/الانساني يجب أن يتصدر برنامج عمل القوى السياسية وهيئات العمل الأهلي، خاصة عبر طرح قوانين الاعتقال التعسفية، وطبيعة المعاملة التي يتلقاها الأسرى من حيث تناقضها مع كل الاتفاقيات الدولية التي نظمت علاقة المحتل بالشعب الذي يسعى لمقاومته أمام المؤتمرات الدولية المختصة، وطرحها في كل الهيئات الحقوقية الدولية، وجعل معركة حرية الأسرى قضية يومية يتابعها العالم بشكل دائم. إن الاكتفاء بمهرجان خطابي، واعتصام لساعة في هذه المدينة او تلك، أو برنامج تبثه الفضائيات بهذه الذكرى- رغم ضرورته- لم يعد ملائماً لقضية بهذا الحجم والدلالة. إن برنامجاً للعمل اليومي الخاص بهذه القضية أصبح ضرورة وطنية يجب أن تضعها كل القوى في مقدمة مهماتها. إن المهمات الوطنية الأخرى كـ«تصعيد المقاومة، وفك الحصار، ووقف بناء جدار الضم والفصل والعمل على هدمه» يجب أن لاتدفع بالحركة السياسية لتأجيل بحث مسألة تحرير الأسرى، على الرغم من تحول أكثر من مليون ونصف المليون إلى معتقلين في سجن غزة الكبير، وأصبحت المدن والبلدات في الضفة الفلسطينية محجوزة خلف أكثر من ستمائة حاجز وساتر ترابي، وآلاف الأمتار من الأسلاك الشائكة، التي أحالت حياة الفلسطينيين جحيماً.
في بعض المظاهرات التضامنية مع الشعب العربي الفلسطيني في مواجهته للمذابح والجرائم الصهيونية المتدحرجة التي سارت في شوارع مدن عربية عدة، كان يتردد هتاف واضح ومكثف، يختزل برامج عمل كثيرة. الهتاف الذي كان يتفجر من حنجرة أحد الشباب ويردده الآلاف «رد على البارود... بارود، عمليات وخطف جنود». إنه استخلاص واقعي من مسيرة العمل الكفاحي خلال العقود الماضية التي شهدت تحريراً للأسرى في صفقات تبادلية مع العدو. فهل تسعى قوى المقاومة المقاتلة إلى تكريسه واقعاً ميدانياً؟