هل من مذابح جديدة؟!
إن السؤال العميق والواقعي الذي يطرح نفسه بشدة وإلحاح، وبدون استئذان: لماذا أثيرت القضية الأرمنية الآن؟.
الهدف من هذه الإثارة، هو مصالح الدول الكبرى نفسها، وليس مصالح شعوب المنطقة، وهذا التأكيد لا يغيّر من طبيعة ما وقع.
وهذا الطرح الذي نراه اليوم لا يذهب باتجاه إقرار الحقوق لهذا الطرف أو ذاك، وإنما يؤكد القلق الحالي والسابق إلى درجة تدفعنا للتحذير من مذابح جديدة هنا وهناك، ويبدو السؤال مشروعاً إلى أعلى درجات المشروعية حول متى سوف تثار ولكن عن وجه حق لا يهدف الى المزيد من التدمير، متى سوف تثار المسؤولية عن المذابح التي ترتكب الآن ضد شعوب العراق وأفغانستان ولبنان، والمذابح التي ترتكب ضد شعب فلسطين منذ أكثر من قرن من الزمان تقريباً والى يومنا الحالي، وواضح في كل الحالات وفي كل المذابح في تاريخ البشرية أن الدول أو القوى العظمى أو الكبرى خارج دائرة حتى المحاسبة الرقيقة جداً، وان هذه الدول نفسها تراجع التاريخ فقط لتخريب الدول الصغرى والضعيفة من أجل إذلالها، ومن أجل ارتكاب المزيد من المذابح لضمان الهيمنة والتحكم والاستغلال البشع.
تناولنا في مقال سابق قضية محاولات طرح مسألة تقسيم العراق، وتوجهنا إلى القوى القومية الكردية وغيرها محذرين من منطلق الشراكة الوطنية والمصالح المشتركة والحرص الصادق، حذرنا من أن غدر القوى الكبرى كبير، واليوم نعيد التأكيد من منطلق الحرص على جميع القوميات، خاصة المتجاورة منها، ونقول إن مخططات الدول الكبرى واضحة داخل دوائرها بغض النظر عن الحزب الحاكم في هذا البلد الامبريالي أو ذاك، إن الحلفاء الثابتين للأكراد في العراق هم الوطنيون العرب، وفي إيران هم الوطنيون من كل القوميات، والحال ذاته في تركيا وسورية وغيرهما.
إن تسوية قضية القوميات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بقضية الديمقراطية في البلد المعني، وإن الحل يعتمد على القوة الذاتية والحلفاء الثابتين في ظل وضع ديمقراطي مستقر ومزدهر.
على شعوب المنطقة أن لا تحصر القضية بقضيتها الخاصة فقط سواء كانت كردية أو أرمنية أو آشورية أو عربية أو تركية، فالحوار مطلوب على صعيد القضية الأرمنية بين تركيا وأرمينيا، وعلى صعيد القضية الكردية في العراق بين البلدين؛ العراق وتركيا، وبين أبناء البلد أنفسهم، وعلى نطاق التفاهم الإقليمي المحرر من تدخلات القوى أو الدول الكبرى، وعلينا تقع مسؤولية استخلاص العبر من الماضي البعيد والقريب، إن مثل هذه القضايا لا تحل عبر القتال والحروب، بل من خلال الحوار، وخلق ظروف المصالحة التاريخية الحقيقة.
وأخيراً، أكرر ما قلته بالأمس القريب والبعيد، من إن الاعتماد على الدول الكبرى هاوية لا قرار لها.
ومن منطلق المحبة الحقيقية، والحرص المخلص الذي يصل حد الاستعداد للتضحية، أقول: اسمحوا لي أيها الأخوة من كل الأطراف الداخلية والمتجاورة.. احزوا كيد الدول الكبرى!.