هل نستطيع الصمود أمام الزحف الأمريكي الجديد؟
لعقود طويلة كانت أوربا مركز الصراع العالمي، وكان إلى جانبها بعض بؤر الصراع الأخرى، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أصبح إقليمنا العربي الإسلامي من حدود الصين والهند شرقاً إلى المحيط الأطلسي غربا،ً هو المركز الجديد للصراع العالمي، وبطبيعة الحال، هناك بؤر أخرى للصراع.
أصبح قطبا الصراع في عصرنا الراهن هما مجمل شعوب العالم من جهة، والامبريالية الصهيو- أمريكية من جهة أخرى، ومن هنا يكتسب إقليمنا العربي الإسلامي أهميته باعتباره من الناحية الجيو- سياسية، وبما يحتويه من ثروات، ذا قيمة استراتيجية استثنائية، لذلك، وعلى طريق المحاولات الصهيو- أمريكية المستمرة للهيمنة على الإقليم، سواء تحت مسمى الشرق الأوسط الجديد، أو غيره، تحول الإقليم إلى لوحة تنشين، وتمت عمليات الغزو والاحتلال لأفغانستان والعراق والبقية تأتي.
لقد فرضت الامبريالية خيار الحرب لانجاز هذه الهيمنة كخطوة على طريق الهيمنة على العالم كله، وكحل للأزمات المستعصية التي تعانيها الامبريالية بوجه عام، والإمبريالية الأمريكية بوجه خاص، وهي أزمة هيكلية يحاولون الفكاك منها بالتوسع، وبالمزيد من التوسع الذي أخذ شكلاً إمبراطورياً في نهاية المطاف.
لكن الحرب هذه المرة، والمقاومة الضارية للاحتلال في أفغانستان والعراق وفلسطين، ثم هزيمة الكيان اليهودي في تموز 2006، قد فاقمت أزمة الامبريالية بشكل شديد الوضوح، بل وكشفت حرب لبنان عملياً وللمرة الأولى عن الأزمة الكامنة في صلب وجود الكيان الصهيوني، ومدى هشاشته وإمكانية تقويضه واقتلاعه، كما تصاعد بشكل غير مسبوق (على الأقل في العقود الأخيرة) الرفض الشعبي العربي والإسلامي لهذا الوجود.
تفاقمت الأزمة بالتبعية وامتد سعيرها إلى الطبقات الحاكمة وحكوماتها في الغالبية الساحقة من البلدان العربية، وازداد سعار قوى التبعية التي تريد أن تلقي بالمنطقة إلى أعماق الجحيم.
مؤتمر السلام، هو بلا شكل أو مضمون، فلا أحد يعرف من سيحضر، إذ يعلنون عن حضور الرباعية الدولية ثم ينكصون! ولا أحد يعرف هل ستحضر سورية كطرف أصيل في معادلة الصراع والمتمسكة بحقوقها أم لا؟! كما لا أحد يعرف جدول الأعمال ولا البرامج الزمنية! فقط يعلنون عن إعداد وثيقة مختصرة لا تقول شيئاً.
في الوقت ذاته يطالبون ويضغطون ويقيمون قواعد أمريكية في المنطقة! وفي الوقت ذاته، يتم تسريب اعتزام الولايات المتحدة تغيير 7 أنظمة عربية، وبالتأكيد ضمنها أنظمة مما يعتبرونها معتدلة!!
العصا إذاً مشرعة، والجزرة موعود بها، لقد دفع ذلك، وتحت وطأة المعارضة الشعبية، ووقفة قوى وطنية هامة (خصوصاً في مصر)، دفع ذلك دولتين من دول الاعتدال، هما مصر والسعودية، إلى حالة من التأرجح في الفترة الأخيرة. ولذا فشلت زيارة «رايس» إلى مصر فشلاً ذريعاً.
لسنوات طويلة ومنذ اتفاقيات «كامب ديفيد» الكريهة مروراً بـ«مدريد» و«أوسلو» وكافة الاتفاقيات الأخرى التي ذهبت إلى العدم، تفاقمت أوضاع المنطقة في كل شيء، وازداد صلف الكيان اليهودي، طيلة هذه السنوات كانت التنازلات العربية هي الخط العام، وثبت بالتجربة الحية أن التراجع أمام العدو لمسافة سنتيمتر واحد يجعله يتقدم عشرة كيلو مترات!.
ولذا فان التراجع أو حتى الموقف الحيادي العربي إزاء سورية أو إيران سوف تكون نتائجه وخيمة على أصحابه، فالنضال الشعبي وتلاحم القوى الوطنية لوقف العدوان هو المطلب الأكثر إلحاحاً الآن، وفضح العملاء والمستسلمين وحصارهم ضرورة أكثر إلحاحاً، سواء الذين يعملون علناً أو يعملون سراً لصالح العدو.
إن كل ما ذكرته حتى الآن معروف ولا يحمل جديداً، ولكن المطلب والاستحقاق الأهم والملح الآن، في ظل عجز النظام الرسمي العربي واقتراب العدوان، هو الشروع الفوري لإقامة أوسع جبهة شعبية على مستوى الإقليم، تتجاوز أشكال العمل النخبوية التي لم تسفر عن أية نتائج إيجابية فيما مضى، حيث عدتها الوحيدة هي الخطب النارية أو العمل النخبوي المبعثر والبيانات الركيكة في عزلة عن بحر الجماهير الواسع، فقد كانت هذه الأساليب تتفق مع واقع الإمكانيات المحدودة (نضالياً) لهذه النخب التي أفلست وانتقلت إلى مواقع أخرى، وقايضت مبادئها وبرامجها بأبخس الأثمان، ودفعت بعشرات بل ومئات الألوف إلى هجر هذه الأحزاب التعيسة.
إن هذه القوى الواسعة المخلصة وغير المنظمة تمتلك إمكانيات وطاقات نضالية هائلة، وهي مدعوة إلى إقامة هذه الجبهة على مستوى بلدانها وعلى مستوى الإقليم ككل.
هذه الجبهة تمتد وظيفتها من النضال الجماهيري لوقف العدوان، إلى المشاركة في مواجهته لو حدث.
هذه الجبهة ينبغي أن تتمسك باستقلاليتها، وأن تستفيد من أخطاء الماضي والحاضر، وأن تحول دون اختراقها من أية قوى رخوة ومتذبذبة إزاء العدو، وألا تسمح لأي من قواها بالسيطرة المنفردة عليها.
إن الجماهير العربية وعلى مستوى الإقليم ككل تمتلك إمكانيات نضالية خارقة، قادرة على إنزال هزيمة كاملة بالعدو الامبريالي الصهيو- أمريكي، لقد تم دفن إمبراطوريتين في منطقتنا في العصر الحديث، الأولى كانت الإمبراطورية البريطانية عبر حرب السويس عام 1956، والثانية هي الإمبراطورية الفرنسية التي كانت نهايتها ويوم دفنها في الجزائر في حرب التحرير المجيدة التي انتهت عام 1962.
وفي الظروف الراهنة حيث وتيرة التطور أسرع، فإن هزيمة وتداعي ودفن الإمبراطورية الأمريكية سيكون أسرع، ولا بديل عنه، وفي منطقتنا التي اختار حسم معركته العالمية فيها.
إذاً، كان قدرنا أن يكون إقليمنا هو لوحة التنشين، وهو مركز الصراع العالمي الراهن، فإن ذلك يضع على عاتق شعوبنا وقواها الوطنية دوراً هائلاُ لا يتم انجازه إلا بالتوحد للمقاومة وإنقاذ شعوبنا والجنس البشري بأسره من الوحش- الشيطان الصهيو-أمريكي، بأن ندفنه هنا في أرضنا.
فلنكن على قدر التحدي، من أجل الوجود والاستمرار، فهل نستطيع؟