«دافوس» واجهة للنهب الاحتكاري المنظم: شركات دولية تريد «ثورة خضراء» أفريقية
قررت شركات عالمية للأدوات الرياضية وخدمات البريد السريع والغذاء، أن أفريقيا تحتاج إلى «ثورة خضراء» وتعتزم مناقشة خطة بشأنها في اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بين 23-27 من الشهر الجاري.
ومن المقرر أن ينظر المنتدى في وثيقة من إعداد ما يسمى بـ«تحالف قطاع الأعمال ضد الفقر المزمن» الذي يضم شركات «نايك» للأدوات الرياضية، و«تي إن تي» للبريد السريع، و«أوليفير» للأغذية، استناداً إلى زيادة الإنتاج الزراعي بسبب ثورات خضراء في المكسيك والهند سابقا.ً
وأكد حلف قطاع الأعمال العالمي أن شركات إنتاج المحروقات الزراعية يمكن أن تعلب دوراً قيادياً في مثل هذه الثورة في أفريقيا، مستشهداً بمشروع لشركة «موسانتو» كبرى منتجي البذور المعدلة وراثياً في العالم، يهدف لزيادة محاصيل الذرة بإقليم «سيايا» في كينيا بالتعاون مع شركتي «سيبتكر» و«تكنوسيرف» للمحروقات الزراعية.
وتعرف شركة سيبتكر بتركيزها ضمن قطاعاتها الرئيسية، على زراعة نبات «جاتروفا» الذي يحتوى على نسبة عالية من الزيت ويمكن استخدامه كمصدر للمحروقات الزراعية، علماً بأن موجة القلاقل والاضطرابات اندلعت في الهند في آب الماضي من جراء إرغام الفلاحين على ترك أراضيهم لتخصيصها لمزارع «جاتروفا»
عقب محمد عيسى من «مؤسسة تنمية الأعمال الاجتماعية» في غانا على هذا المخطط مؤكدا أن «الشركات متعددة الجنسيات تحاول الاستيلاء على القطاع الزراعي زاعمة أن لديها الحل لحالة الجوع في أفريقيا» موضحاً أن «الوقود الحيوي والتقنيات الحيوية لن تفيد صغار المزارعين في أفريقيا».
وأضاف «لو أخذت (الشركات) مسؤولية إمداد البذور المعدلة جينياً، فسوف ينتقل التحكم في زراعة البذور من المزارعين إلى الشركات متعددة الجنسيات. وبالطبع، فإن غرض الشركات التي تعمل في هذا المجال هو تحقيق الربح».
وذكّر الخبير بأن «المزارعين استعانوا دائما بمعرفتهم الأصلية لزراعة ما يناسب البيئة التي يزرعون فيها. وما يحتاجونه هو تحسين ممارساتهم، لا بذور معدلة جينياً».
ومن اللافت للنظر أن مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي، الأكاديمي الألماني كلاوس شواب، أقر بأن زيادة إنتاج المحروقات الزراعية تعتبر واحدة من القضايا الرئيسية التي يتعين على صانعي السياسات تناولها.
واعترف في 16 كانون الثاني أن «الوقود الحيوي يؤثر على إدارة المياه.. ويؤثر على كيفية استخدام الأراضي الزراعية.. يؤثر على الأمن الغذائي.. رأينا ارتفاع أسعار الغذاء بصورة جوهرية مسفراً عن قضايا اجتماعية جوهرية لأنه يصيب الأهالي الفقراء أكثر منه ذوى الدخل الأكبر»
ويذكر أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قررت في العام الماضي أن تمثل المحروقات الزراعية 10 في المائة من إجمالي وقود وسائل النقل بحلول عام 2020، مما شكك فيه مؤخرا المفوض الأوروبي المسئول عن مساعدات التنمية لويس ميشيل.
وفي مقابلة مع «آي بي إس» صرح المفوض الأوروبي أن هناك خطرا من أن تضرر الزراعة التقليدية في أفريقيا إذا ما زرعت محاصيل المحروقات في أراض سبق وأن استخدمت لإنتاج الغذاء.
وبدورها، ذكرت جيرترود فولك من شبكة «الغذاء أولاً» للمعلومات والعمل، بأن الفلاحين في أوغندا قد طردوا مؤخرا (من أراضيهم) لإتاحة إنتاج زيت النخيل، وهو الذي يعتبر المصدر الرئيسي للمحروقات الزراعية المستخدمة في أوروبا.
وأكدت الخبيرة «المحروقات الزراعية قضية خطيرة جداً... فهي تقلص المناطق المتاحة لإنتاج الغذاء، وهو ما يؤدى إلى رفع أسعار الأغذية على المدى الطويل».
وتجدر الإشارة إلى أن قطاع الأعمال العالمي يهيمن على المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يعتبر واحداً من أهم الأحداث المؤثرة على صياغة الأجندة السياسية في العالم. فقد أكد ما يزيد على 900 من كبار المسؤولين عن 75 في المائة من كبرى الشركات في العالم مشاركتهم في اجتماع دافوس، مقابل عشرة زعماء نقابيين فقط.
وضمن الساسة الذين قرروا المشاركة في اجتماع المنتدى وزيرة الخارجية الأمريكية، ورئيس وزراء بريطانيا، ورئيس كولومبيا، وآل غور الفائز نائب الرئيس الأمريكي السابق، ورئيس البنك الدولي، إضافة إلى عدد من المفوضين الأوروبيين.
وقال أوليفيير هوديمان من مرصد الشركات الأوروبي «دافوس مكان مريح، فيكاد يستحيل تنظيم مظاهرات فيه لأنه يقع وسط الجبال» مضيفاً أن «حضور عدد كبير من المفوضين الأوروبيين يبرهن على مدى توجههم للترويج لمصالح نخبة اقتصادية، أكثر منهم لتعميق التواصل مع المواطنين الأوروبيين».
وأختتم أنه من سخريات القدر أن تقود مكافحة الفقر شركات معروفة بدعمها لتحرير التجارة بصورة مضرة للمصالح الأفريقية «فقد أدت ممارسات صناعة الغذاء، أكثر من غيرها في العقود الأخيرة، إلى تمزيق أنظمة الأمن الغذائي في القارة الأفريقية».
ووصف «حلف قطاع الأعمال ضد الجوع المزمن» المروّج للثورة الخضراء في أفريقيا، بأنه «ممارسة مسعورة وساخرة لتنشيط مبادرات ضارة جداً كالهندسة الجينية والمحروقات الزراعية».
ديفيد كرونين - وكالة إي بي إس