السعوديَّة × إيران = ؟
..يحاول بعض كتاب الدوريات والفضائيات (السعودية) (حياة- شرق أوسط- عربية..الخ) إقناعنا بشتى أنواع التلفيقات التاريخية والمذهبية (والجيوقروسطية.. والنيوفانتازية).. أنّ «إيران» باتت الخطر الأدهى والأشد على الأمة (أية أمة؟)... وأن (الغول الفارسي.. والتفريس.. وهذا نحت عبقري للمفكر الكبير وليد جنبلاط)... هو البلاء الأعظم على (الأمة)... ويردف حلفاؤهم (لشمعون بيريز): بأن البلاء الفارسي هو الأعظم على العالم بأسره. (لاحظوا الانسجام) لهذا كان لا بدّ من العودة للتاريخ قليلاً:
..إن المعارك الشهيرة التي خاضها العرب مع الفرس في التاريخ هما اثنتان: ذي قار والقادسية.. وفي المعركتين انتصر العرب على الفرس... وقبل ذي قار بقليل... استنجد العرب بالفرس (أو أبناء الأحرار حسب التسمية العربية)... للتخلص من الاحتلال (الحبشي البيزنطي)... وتجردّت هبة فارسية ساندت سيف بن ذي يزن وطردت الأحباش من اليمن.. وما أن جاءت الرسالة الإسلامية حتى كان (أبناء الأحرار الفرس) من أوائل من آمن بها بإخلاص في الجزيرة العربية.. وهذا ما حصل بعد معركة القادسية... إذ التحق الفرس بالإسلام زرافات ووحداناً.. وكانوا جنوداً في الجيش الإسلامي وشاركوا في كل فتوحاته.. ولم يقتصر ذلك على الدولة العباسية.. بل إن قادة البحرية الأموية التي قاومت الروم في البحر المتوسط كانوا من الفرس.. ولا يسجل لنا التاريخ ارتداداً فارسياً عن الإسلام.. كما حصل في (نجد) بعد وفاة النبي (ص) أو كما حصل مع (جبلة ابن الأيهم الغساني) أو كما جرى في المغرب والأندلس والهند وآسيا الوسطى.. بل العكس ظل الفرس متمسكين بإسلامهم بإصرار حتى يومنا هذا.. وقد قدموا للدين والحضارة والعمران في الإسلام قادة كباراً وفقهاء عظاماً (البخاري ومسلم- جلال الدين الرومي...الخ) وعلماء ملؤوا المكتبة الإسلامية بأثمن إنجازاتها- الفكرية والعلمية واللغوية والشعرية ونذكر: ابن المقفع- أبو حيان التوحيدي- ابن سينا- الشيرازي- الرازي... وعدد لا يحصى سواهم..
ولا يذكر لنا التاريخ صراعاً عربياً فارسياً إلا في العصر الحديث حينما جرد (الرئيس الراحل صدام حسين) هجوماً صاعقاً على إيران بعد ثورتها التي انتصرت لفلسطين بأشهر... بينما كان قد وقع اتفاقية سلام بل استسلام مع شاه إيران، رجل أمريكا الأول وشرطي الخليج، قبل ذلك بعدة سنوات فقط... ويومها انبرى الكتاب ذاتهم والدول والأمراء والملوك والرؤساء أنفسهم ليقرعوا كل أنواع الطبول والصنوج بأن تحطيم إيران هو الهدف العربي الأول.. والأخير.. وغزا صدام الكويت.. واحتل الأمريكان العراق.. وفظعت إسرائيل بلبنان دون توقف.. ولا تزال الجوقة ذاتها تردد القرع المسموم نفسه الممزوج بشوفينية مقززة ومذهبية أكثر تقززاً.. وما يزال الخطر الفارسي هو الأشد والأدهى على (الأمة)... رغم أن حليفتهم إسرائيل وسيدتهم أمريكا كادتا تجهزان على الأمة.. أرضاً وشعباً وممتلكات.. الغريب في الأمر (أن الروم القدامى والروم الجدد لم يتوقفوا يوماً واحداً عن الاعتداء على الأمة... وقد سجلوا في المائة سنة الأخيرة آلاف الاعتداءات الصغيرة والكبيرة والتي وصل بعضها إلى حدود الإبادة (الجزائر ـ ليبيا ـ فلسطين ـ العراق..)
..وسجلوا في العصور الوسطى ثلاثمائة سنة متواصلة من الإبادة اليومية (الحروب الصليبية... وأكلوا لحوم أهالي المعرة في مشهد غير مسبوق في التاريخ.. تماماً كما تفعل إسرائيل وأمريكا الآن... ومع هذا... لا يتوقف كتاب العائلة السعيدة في نجد وملحقاتها عن القرع الرهيب عن الخطر الإيراني الفارسي.. ولا يكف (وليد بك) بتذكيرنا صباح مساء (أن حزب الله... رأس حربة قبيلة عاملة اليمنية.. التي استوطنت جنوب لبنان منذ القرن الخامس قبل الميلاد).. هو فارسي.. وأن قائده السيد حسن نصر الله سليل البيت الهاشمي القرشي الأصفى عروبة من كل بيوت العرب.. ليس سوى فارسي ـ مع أن السيد وليد جنبلاط ـ وهنا المفارقة ـ ليس عربياً.. ومع هذا لم ينكر عليه أحد عروبته لأن العروبة كما قال رسول الله (ص): (لست لأحد منكم بأب ولا أم فمن تكلم العربية فهو عربي)..
..وإذا ما تحدثنا بالعروبة السياسية المعاصرة.. باعتبار أن العربي هو من انتصر لقضايا العروبة العادلة.. في فلسطين والعراق والسودان والصومال وما جاورها وداورها.. فإن أحمدي نجاد أكثر عروبة (من عبد الله الثاني وحسني مبارك ووليد بك وخادم الحرمين الشريفين... وبالتأكيد أكثر من بندر بن سلطان وفؤاد السنيورة وسواهم)..
..لا ندري ما هي العروبة بعرف هؤلاء وتابعيهم والنافخين بنارهم وقابضي أموالهم.. هل هي الصمت عن ذبح العراق والولاء الأعمى لذابحه الأمريكي... أرضاً وشعباً وحضارة... هل هي نحر لما تبقى من فلسطين... أو اغتيال لبنان..والإعداد لتفجير بلاد الشام وتهجير المغرب العربي... وإهمال قبور الصومال.. والتلذذ بمئات المليارات (النفط الأسود) على حساب مئات ملايين الأميين والجوعى والمرضى والمهملين في طول ديار (الأمة) وعرضها.. أم أن عروبة الأمة: هي إحياء لمنقرضات وحشية ـ مذهبية وعرقية ومناطقية ـ أكل الدهر عليها وشرب وطرحها كما يطرح بول الجمال في رمال الربع الخالي.
..دعونا نقل بصراحة.. ما نسمعه في هذه الأيام لا يصح أن يدلى أو يقرع به إلاّ في (معهرة أو مكلبة أو مذأبة).. أي في مكان لا مجال فيه للبشر الأسوياء..
..والغريب في الأمر.. لماذا لم يقرع أولئك وأسيادهم كل تلك الدفوف والصنوج في وجه شاه إيران شرطي أمريكا السابق.. ولم تكف عن القرع لحظة واحدة في وجه إيران وثورتها المعادية لإيران وإسرائيل منذ ثلاثين عاماً.. دون أن نسقط (مليوني قتيل عراقي وإيراني كانوا ضحية هذه الصنوج المجرمة).
وفي كلمة حق.. رسخها التاريخ.. إن أمة الفرس كأمة مجاورة كانت أقل الأمم التي جاورناها.. إيذاءً للعرب.. لا بل أنها قدمت للحضارة العربية ذخيرة من الإبداع في كل علم وفن ما يصح القول على أساسه: إن العرب والفرس أشقاء بفعل امتزاج الدم والدين والحضارة منذ ما يزيد عن خمسة وعشرين قرناً..
..لا بأس.. إذا سلمنا أن (سليل الدرعية عبد الله بن عبد العزيز ـ وسليل سايكس بيكو عبد الله الثاني.. ووليد بيك).. هم العرب.. وأن سواهم هم من العجم والفرس.. فلا بد أن نخلص إلى النتيجة التالية: وهي أن الجامعة العربية القادمة يجب أن تقوم وعلى رأسها سيدها الحقيقي (أيهود أولمرت) بعدما أثبت ولاءه لهذا النوع العربي المستحدث، بدماء أربعة ألاف لبناني جنوبي وفلسطيني غزّاوي جلهم من الأطفال والشيوخ والنساء (وهم من أبناء الأحرار العرب).
*.. وسواء انفجرتم أو تعهرتم: فالعروبة ليست كذلك.. العروبة في هذه المنطقة هي بالضبط.. موقف حضاري.. ديمقراطي.. وسياسي.. وثقافي وتاريخي.. معادٍ إلى النهاية.. لإسرائيل وأمريكا ومن لفّ لفهما بكل ما تمثلانه.. وإن لم نكن كذلك: ..فإلى جهنم الحمراء بعروبة وليد وحسني (والعبادلة).. هذا دون أن ننسى: وبئس المصير..؟؟