كولومبيا: قانون يصنف 84 شعباً أصلياً كفئات «جاهلة وهامشية وفقيرة»
بوغوتا، كانون الأول (آي بي إس) - التحق أبناء الشعوب الأصلية فى كولومبيا بصفوف البرلمانيين والعمداء والمحافظين المنتخبين، ومارسوا المهن المختلفة، بل واشتهروا ككتاب ورسامين وشعراء. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال حكوماتهم تعاملهم كفئات هامشية، جاهلة، وفقيرة فقرا مطلقا، حسبما صنفها قانون لعام 1890 مازال ساريا.
تأوي كولومبيا زهاء 800،000 من سكان البلاد الأصليين، ينتمون إلى 84 شعبا أصلياً، ويتحدثون 64 لغة و300 لهجة مختلفة، ويعيشون في كافة أنحاء البلاد (32 محافظة)، لاسيما مناطق الغابات الاستوائية الرطبة، ونجحوا في ترشيح ممثلين عنهم في المجلس التشريعي (البرلمان).
وفى حديث مع «آي بى إس»، قال رفائيل ايبياو، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة الشعوب الأصلية الوطنية «لقد برزنا في قطاعات كثيرة، لكنهم لا يزالوا يعاملوننا كجهلة وهامشيين وفقراء مطلقين، حسبما يصنفنا القانون رقم 89 الصادر في 1890، والذي يسري مفعوله حتى يومنا هذا».
وأضاف أن دستور 1991 سمح بمشاركة أهالي البلاد الأصليين في الحياة السياسية الكولومبية، لكن ذلك كان بمثابة فتحة ضيقة، فقد ظلت غالبية حقوقهم حبراً على ورق، موضحاً أن ممثلين عن الشعوب الأصلية شاركوا في الجمعية الدستورية الوطنية التي وضعت هذا الدستور الذي اعترف بهم.
وبفضل أصوات الناخبين، حصلوا على مناصب برلمانية وإقليمية وبلدية، والاعتراف بملكيتهم لأراضيهم، وحقهم في ممارسة أساليب الحكم الذاتي الخاصة بهم في صلب جماعاتهم، والاعتراف الرسمي بلغاتهم ولهجاتهم في مناطقهم، وحقهم في التعليم بلغتين، وازدواج الجنسية للمقيمين على حدود البلاد.
وعلى الرغم من كل ذلك، أوضح المسؤول في منظمة الشعوب الأصلية الوطنية أنه «لا تزال هناك مشكلات خطيرة فى مجالات الصحة والتعليم، في وقت تتقلص فيها، وباستمرار، مخصصات الدولة لمساعدة 567 منطقة للشعوب الأصلية في كولومبيا».
وشرح أن هذه المخصصات كانت تبلغ سنوياً نحو أربعة ملايين دولار منذ عشر سنوات، والآن انخفضت إلى مجرد الثمن نصف مليون دولار سنويا.
وعلاوة على ذلك فإن مشاركة الممثلين عن الشعوب الأصلية في المجلس التشريعي لم تأت بالنتائج المنشودة، فلم يوافق المجلس على غالبية المشروعات المناسبة للجماعات الأصلية.
وذكر المسؤول بمنظمة الشعوب الأصلية الوطنية أن الدولة عمدت إلى هدم كل ما تم انجازه دستورياً (بشأن حقوق هذه الشعوب)، و«وافقت على تعديل قانون الأراضي، والغابات، والبيئة، عادة لصالح شركات متعددة الجنسيات العاملة في استغلال الموارد الطبيعية».
كما أن النزاعات المسلحة فى البلاد تعزل الشعوب الأصلية وتعرضها لهجمات جماعات شبه عسكرية يمينية، وميلشيات يسارية، والجيش.
وصرح لـ«آي بى اس» مصدر من المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة طلب عدم الكشف عن هويته، أن عمليات الترحيل الإجباري تعرضهم إلى الأخطار الفردية والجماعية. كما تؤثر على ثقافاتهم، إذ يزعزع اتصالهم بجماعات سكانية أخرى عاداتهم وتقاليدهم.
ومثال جلي على ذلك ما حدث لجماعة «نوكاك ماكو»، واحدة من آخر جماعات الرحل في العالم، التي تعيش الآن في غابات «غوافيارى» في الجنوب، حيث تسبب حلول مجموعات من المزارعين المتلهفين على استغلال جودة الكوكا المزروعة في أراضي الجماعة في كارثة حياتيه كبرى، وفقا لمعهد الدراسات الجينية البشرية، بجامعة «خبييريانا» في بوغوتا.
بدورها، أكدت مؤسسة «هيميرا» متعددة التخصصات أن نوعية حياة الشعوب الأصلية لا تعكس الحقوق التي حصلوا عليها، فعمليات سلب أراضيهم مستمرة من مستوطنين، وملاك، وتجار المخدرات، وأراضيهم منخفضة الجودة.
كما يعجزون عن تلبية احتياجاتهم الأساسية من الصحة والتعليم والغذاء والسكن، ويقاسون «الاعتداءات البدنية والثقافية من جانب الدولة، والكنسية الكاثوليكية، والبعثات الدينية التبشيرية الدولية».
ومن ناحية أخرى، تسجل جماعات الأهالي السود والأصليين أعلى معدلات الفقر في كولومبيا، دون إدراك أن الأمر يتعلق بتفرقة عنصرية، وفقا للزعيم الأفريقي-الكولومبي خوان دى ديوس موسكيرا، الذي يؤكد أن التفرقة تتخذ طابعاً موضوعياً محدداً، وآخر أيديولوجياً شخصياً.
وقال إن الدولة والطبقات القيادية تمارس النوع الأول من التمييز من خلال الإبقاء على حالة العزلة والتخلف والظلم التي قاست منها جماعات السود والسكان الأصليين منذ إلغاء العبودية، أما النوع الثاني من التفرقة، فهو يكمن في الضمير الاجتماعي للكولومبيين، الذي تهيمن عليه التفرقة والتمييز ضد السود والسكان الأصليين.
وأخيرا، تجدر الإشارة إلى أن الشعوب الأصلية في كولومبيا ترفض رفضا قاطعا اعتبارها قطعة في متحف أو موضوعاً لملصقات دعائية سياحية.
عن هذا، شدد محافظ كوتا ألفونسو فونسيكا «نحن لا نتحدر من أساطير منسية، نحن أحياء، وثقافتنا حية، على الرغم من كل الاعتداءات التي ارتكبت ضدنا على مدى القرون».