د. غالب أبو مصلح لـ«قاسيون»: ينبغي طرح كل القضايا الوطنية كحزمة واحدة

في الوقت الذي تغرق فيه الطبقة السياسية اللبنانية في خلافاتها حول سد الفراغ الرئاسي كأحد تجليات التباين حول سلة استحقاقات بين مشروعين متناقضين، يغرق المواطن اللبناني في أزماته المعيشية تحت وطأة اشتداد الصراع بين هذين المشروعين، ولم يكن ينقصه سوى حوادث اغتيال جديدة تبعد أفق الحل وتطال رموزاً في هيئاته ومؤسساته الحامية له كمؤسسة الجيش. وقبل هذا التطور الأخير والخطير توجهت قاسيون بجملة من الأسئلة إلى الباحث والمحلل السياسي اللبناني غالب أبو مصلح بهدف تسليط الضوء مرة أخرى على بقية جوانب الصراع وكان الحوار التالي من إعداد الرفيق حمزة منذر.

• هناك شعور بأن التجاذبات السياسية تنحصر في الاستحقاق الرئاسي والمواقع التنفيذية الأخرى في حين أن قضايا الشعب اللبناني الاجتماعية الاقتصادية خارج النقاش في الإعلام، فلماذا؟

هذا أسلوب في الإعلام صنعته قوى السلطة منذ أمد بعيد، أن تحذف خلفية الصراع عن الشعارات المتداولة في الصراع في لبنان وبالتالي الخروج من التناقضات الأساسية إلى القضايا التكتيكية بما يبعد خلفية الصراع ويمكن القوى المهيمنة من أن تدخل في نقاشات لا طائل منها. على سبيل المثال، الآن الخلاف حول رئاسة الجمهورية.. فراغ أم لا فراغ. الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية ليس جديداً فهو منذ سنة 2005. إذ أن الحكومة الحالية لم تعترف برئاسة الجمهورية وبصلاحياتها. والآن عندما يريدون أن ينتخبوا رئيساً للجمهورية دون البحث عن الأمور الثانية الأساسية في السلطة، يبدؤون في الصراخ حول رئاسة الجمهورية، هم مع الفراغ، هم الذين تجاوزوا صلاحيات رئاسة الجمهورية، وشرعوا بالنقاش حول سلاح المقاومة. 

• قبل النقاش حول سلاح المقاومة، ألا يرمي هذا الهدف إلى إبعاد الشعب من المشاركة بحل الضغوط الحقيقية وعلاج قضاياه؟

إن زج النقاش في أطر تقاسم السلطة، وليس حول طبيعة السلطة ودورها بغض النظر عن القضايا الاقتصادية والاجتماعية ينطوي على تزوير كبير، لأنهم يجيّشون الناس عبر التهييج الطائفي والمذهبي، عبر تخويف المذاهب والطوائف من بعضها بعضاً. وهذا الأسلوب اتبع بشكل مبدع أمريكياً، إنهم يخوّفون الشعب بـ«بعبع»، وعندما يخاف الشعب يستطيعون قيادته حيث يشاؤون. هذا هو الأسلوب المتبع عادة. وللأسف ليس هناك أي فريق جدّي وأساسي في لبنان يطرح القضايا الاقتصادية ـ الاجتماعية كحزمة واحدة مع القضايا الأمنية والعسكرية والسياسية. بل إنه وفي كثير من الأحيان هناك تبسيط لكل هذه الأمور، كأن يقال إن التردي الاقتصادي، والهجرة، وعيش أكثر اللبنانيين تحت خط الفقر، والبطالة سببها عدم الاتفاق السياسي وهذا يقع عاتق على الفريق الآخر... إن الجميع تقريباً منساقون في هذا الاتجاه بالنقاش.. 

• هل يوحي ذلك بأن القوى الوطنية لم تستطع حتى الآن أن تعدّل الكفة، بمعنى تنوير مختلف جماهير الشعب بهذه القضايا، أي أن هناك تقصيراً أو عدم قدرة على توعية جماهير الشعب بهذه المخاطر الجدية، بل حرف للنقاش عن أصوله؟

وسائل الإعلام في لبنان متعددة جداً وقوية، ويملكها الرأسمال اللبناني، والقوى الرأسمالية لها مصلحة في القفز فوق القضايا الاجتماعية والاقتصادية والقضايا الطبقية والدخول في متاهات النقاشات السياسية العقيمة غير المجدية. ومن جانب آخر فإن المقاومة، وهي الفريق الأقوى في المعارضة، لديها صوت إعلامي منخفض. وكانت دائماً تطرح القضايا العسكرية والأمنية، والصراع مع إسرائيل،كأولوية مطلقة وتقفز فوق القضايا الاقتصادية، على اعتبار أن هذه المرحلة باعتقادها تفرض التشديد على القضايا الأمنية والعسكرية، أي الصراع مع إسرائيل والولايات المتحدة. ولكن في الفترة الأخيرة بدأ البحث في هذا الموضوع وهذا شيء جيد جداً، لأته ينبغي أن ينظر إلى هذه المشاكل البنيوية السياسية ـ الأمنية ـ الاقتصادية ـ الاجتماعية ككل. 

• وهذا يعني إثبات مقولة إن تغليب العامل الوطني على العامل الاجتماعي يضعف العامل الوطني أيضاً..؟

هي في الحقيقة عامل واحد.. حزمة واحدة، أنا ضد القول: إما الاهتمام بهذه الناحية أو تلك، لأنه في عصر الامبريالية الجديدة، وهذا ينسحب تماماً على الواقع اللبناني، فإن هذا الاستتباع للولايات المتحدة له أوجهه المتعددة، وهذه الهجمة الامبريالية الأمريكية الصهيونية لها أوجهها المتعددة، المترابطة التي يتم الهجوم فيها في الوقت نفسه على كل المستويات (عسكرية ـ دبلوماسية ـ أمنية ـ سياسية ـ ثقافية ـ اقتصادية ـ ومالية وتجارية) وهي حزمة واحدة في النهاية. إن طبيعة الهجمة الامبريالية لا تستطيع أن تقول من خلالها: هذا هو مستواها الوحيد. 

• وهذا ما يتطلب الرد بشكل كامل وعلى المستويات كافة...؟

نعم، ويجب أن يتم الرد حتى نستطيع أن ننتصر على هذه الهجمة، وأن يتم على جميع المستويات التي تتم فيها الهجمة، ولكن القول بتتابعية الرد، بمعنى أنه الآن عسكري وأمني.. وبعد ذلك يصبح اقتصادياً اجتماعياً هو قول خاطئ. 

• من الواضح الآن أن ما يسمى بالتهدئة ليس إلا تخديراً سلمياً لمسار عدواني أمريكي صهيوني يستهدف المقاومة بكل مكان، هل توافقون على مثل هذا التحليل؟

أعتقد أن العدوان العسكري الصهيوني ـ الأمريكي الآن مستبعد عن إيران وسورية ولبنان بشكل خاص. لأن التردي والمأزق البنيوي الذي وقعت فيه الولايات المتحدة، وليس بسبب الدخول في الفخ العراقي، لم يبق لديها ولدى الكيان الصهيوني قدرات على شن الهجوم. هي الآن وسعت أفق وطرق عدوانها وعملها الامبريالي أكثر بكثير من طاقاتها المادية والعسكرية وبالتالي وقعت في العجز. فالجيش الأمريكي في العراق الآن منهك، تنقصه المعدات والإعداد والتمويل والدعم السياسي العالمي، أي أصبح في مأزق بنيوي شامل وهذا نتيجة لتطور الرأسمالية في مرحلتها الحالية، المرحلة الإمبريالية الأكثر احتكارية...

• إذاً هناك آفاق لهزيمة هذا المشروع ودحره؟

هذا أكيد، فالمشروع الآن في مرحلة الاندحار، وبالتالي إذا قرأنا ما جاء في  تقرير المخابرات الأمريكية من أن إيران لا تصنع قنبلة نووية منذ سنة 2003، نجد أنهم يعرفون ذلك ولكنهم كانوا يكشرون عن أنيابهم، من أجل إخافة قوى الممانعة والمقاومة، ولكن في طور التراجع والانسحاب سيقولون إن إيران لا تصنع قنبلة. وكذلك الأمر فيما يخص سورية والهجوم الشرس عليها خلال السنوات الماضية ومن ثم التراجع عنه. فلماذا؟ هل لأن سورية عدّلت من سياساتها؟ هي لم تفعل. هم الذين أجبروا على التراجع وبالتالي عليهم هم أن يغيروا سياساتهم. والشيء نفسه في لبنان، دون نتيجة، وهو جزء من الهجمة الشاملة، والمقصود منها تحويل لبنان إلى خنجر في خاصرة سورية الرخوة، وهنا يأتي التهديد الإسرائيلي بأنهم سيضربون البقاع الغربي وحمص وحماة، وهذا بالعامي اسمه «هوبرة» فهم لديهم كل النية العدوانية والحقد، ولكنهم لا يستطيعون فعل شيء حالياً، ليس لديهم القوة. 

• كيف تقدرون شكل اصطفاف القوى في لبنان بعد إنجاز الاستحقاق الرئاسي، وهل سيتوقف فريق 14 شباط عن تنفيذ أجندة المشروع الأمريكي ـ الإسرائيلي في المنطقة؟

هم منسجمون وموظفون في هذا المشروع. ولكن هذه الأحداث لو أدت إلى انتخاب رئيس جمهورية وقيام حكومة جديدة فلن توقف الصراع، لأن هناك تياراً ينضوي تحت جناح الهجمة الإمبريالية، وهناك تيار آخر مقاوم مناضل يريد لبنان الديمقراطي العربي المتحرر ذا العقيدة والعلاقات البنيوية العميقة مع محيطه وخاصة مع سورية. إلا أن هذا الحل المطروح اليوم هو تحويل للصراع إلى صراع أقل حدّة حتى يتم برأيي إتمام التحولات الأساسية التي ستنتج عن هزيمة المشروع الإمبريالي الأمريكي الصهيوني في المنطقة. هذا يمكن أن يأخذ سنة ونصف أو سنتين ولكن هذا أيضاً سيحدث تطوراً لدى المعارضة باتجاه رؤية الصراع على كل المستويات، التي تشكل حزمة واحدة اقتصادية ـ اجتماعية بجانب القضايا الأمنية والسياسية والعسكرية، وهذا سيفرض على المقاومة البحث عن تحالفات جديدة على أسس وطنية، اقتصادية-اجتماعية شاملة وليس سياسية فحسب لأن في صفوف المعارضة والموالاة قوى يمينية برجوازية مرتبطة بالخارج. 

• وهذا يحدده مستوى الارتباط الجدي بين الأمن الوطني والأمن الاجتماعي؟

هذه قضية أساسية جداً، هذه الهيمنة الامبريالية تحاول أن تسيّر لبنان تحت إيديولوجية الليبرالية الجديدة.. لأن الانسياق والانضواء تحت جناح الامبريالية الأمريكية، والطبقة المتحالفة مع البرجوازية المحلية اللبنانية أوصل لبنان إلى مأزق شامل، والخروج منه لا يكون إلا بالنضال الشامل وعلى جميع المستويات.

آخر تعديل على السبت, 26 تشرين2/نوفمبر 2016 21:59