«أنابوليس» يمطر رصاصاً وجرائم
ها قد انتهت «همروجة» الحشد الدولي ـ والعربي ضمناً ـ في «أنابوليس»، وعادت الوفود إلى بلدانها بين واهم بتحقيق إنجاز ما من هذا المحفل الدولي المدروس بعناية من قبل مستضيفه، وبين عارف بأن ما سمّي مؤتمراً دولياً لحلّ القضية لا يعدو كونه حلقةً جديدةً في إستراتيجية تل أبيب وواشنطن الرامية إلى إغلاق القضيّة الفلسطينيّة، وخلق وقائع على الأرض تفضي إلى شطب الحقوق الوطنيّة الثابتة للشعب العربي الفلسطيني في العودة، وتقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس...
منذ «أنابوليس» وحتى الآن، تصاعدت وتيرة الجرائم العسكريّة الإسرائيليّة ضدّ الشعب الفلسطيني في الضفّة والقطاع المحتلين، وسقط في هذه الفترة الوجيزة 43 شهيداً وأكثر من مائتي جريح و65 معتقلاً من صفوف المقاومين، دون المساس بأي من المساومين الذين لم يخرجوا بأية عبرة أو إستراتيجية تذكر من مسار أوسلو وأخواته، وما يزيد في الطين بلّة أن رموز المساومة والتفريط ماضون هبوطاً في الرضوخ لشروط التحالف الإمبريالي ـ الصهيوني، وتنفيذ ما جاء في الطبعة الأصليّة لـ«خارطة الطريق» من بنود مهينة، وفي مقدمها إخماد المقاومة وتسليم القضيّة الوطنيّة الكبرى إلى «عهدة الرباعيّة الدوليّة» والتي قال ممثلها «طوني بلير» على وقع اجتياح جنوب القطاع: «إننا نتفهم احتياجات إسرائيل الأمنيّة»!.
يوم 11/12/2007 سئل «محمود عباس» عن إمكانيّة مقاطعة المفاوضات الثنائيّة مع الكيان الصهيوني بعد كلّ ما اقترفه الجيش الإسرائيلي من جرائم في غزة، فأجاب بالحرف: «تحدثنا مع السيدة ليفني (وزيرة الخارجية) في أمرين؛ وقف الاستيطان، والخطة التفاوضية بيننا وبينهم. نحن سنذهب ونقول رأينا، وفي ضوء ذلك نرى. قدّمنا طلبين ونريد أن نسمع الجواب منهم»! لقد جاء الجواب الإسرائيلي سريعاً وعلانيةً، ودون دبلوماسيّة تحفظ حتى قليلاً من ماء وجه السائل، حيث أعلن الناطق باسم الخارجيّة الإسرائيليّة: «إن إسرائيل لن توقف بناء 300 وحدة سكنيّة في مستوطنة جبل أبو غنيم قرب القدس، العاصمة الأبديّة لدولة إسرائيل، وعلى السلطة أن تنفذ البند الأول في خارطة الطريق، ألا وهو: محاربة الإرهاب الفلسطيني.. »!.
... ومع كل ذلك، ذهب الوفد الفلسطيني المفاوض بزعامة «أحمد قريع» (مموّل مادة الإسمنت لجدار الفصل العنصري) إلى فندق الملك داوود بعيداً عن أعين الإعلام ليلتقي زملاءه في الوفد الإسرائيلي، في الوقت الذي لم تجفّ فيه بعد دماء ثمانية شهداء من المقاومة في قطاع غزّة.
... وللتعليق على حقيقة ومستوى مسؤوليّة قيادة السّلطة في رام الله أمام هذه الواقعة، من المفيد التذكير بما قاله المناضل الفلسطيني الراحل الدكتور «حيدر عبد الشافي» يوم أُبعد عن قيادة الوفد الفلسطيني لمؤتمر مدريد: «الشعب الفلسطينيُّ لم يتعبْ يوماً من النضال والمقاومة، بعكس الكثير من قياداته التي خضعت لشروط المحتلّين عبر بوابة المساومة.. »!
إذا كان عباس وفريقه غير قادرين حتى على التغيّب عن اجتماع ثنائيّ واحد مع الجانب الإسرائيلي الذي أمطر القطاع والضفّة بالرّصاص والجّرائم العسكريّة الموصوفة بعد «أنابوليس»، فكيف لهؤلاء أن يتصدّوا لاستعادة الحقوق الوطنيّة المشروعة للشعب الفلسطيني، والتي لا يمكن الوصول إليها إلا عبر خيار المقاومة وتثمير نتائجها الميدانيّة لتحسين شروط أي وضع تفاوضي مفترض؟!
يوم قيل لـ«بنيامين نتنياهو»، كيف تعلن عن إقامة مستوطنة «جبل أبو غنيم» بمحاذاة القدس عشيّة جولة المفاوضات مع الفلسطينيين في «واي بلانتيشن» 1997 أجاب: «إن ما يرفضه قادة العرب اليوم يقبلونه غداً، شرط رفض مطالبهم والصّمود في وجههم»!
... من شديد الأسف أن هذه الإستراتيجيّة الصهيونيّة مستمرّة، ويخضع لها النظام الرسميّ العربيّ الذي لا يجيد إلا جلد شعوبه وإخماد مقاومتها إرضاءً للتحالف الإمبرياليّ ـ الصهيونيّ، تحت زعم «الواقعيّة والخلل في موازين القوى»..
وإذا كان فريق السلطة في رام الله، أحد المكونات الصغيرة في النظام العربي المتهالك، فإن مصدر الخطر يكمن الآن في محاولات الإمبرياليّة الأمريكيّة وحليفتها إسرائيل الصهيونيّة الإجهاز على جميع المقاومات في المنطقة، عبر خلق تحالفات جديدة مع النظام الرسميّ العربيّ الرجعيّ، ضدّ كل شعوب هذا الشرق العظيم حتى لا تلتزم بخيار المقاومة الشاملة، وتعي ذاتها ومهمتها التاريخية، والمتمثلة بحقّها في تقرير مصيرها والسيطرة على ثرواتها وإلحاق الهزيمة التاريخية بالمشروع الإمبراطوري الأمريكي، بدءاً من منطقتنا بالتوازي مع نضالات الشعوب الأخرى في جهات الأرض الأربع!.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.