جهاد أسعد محمد جهاد أسعد محمد

غالب قنديل لـ«قاسيون»: المعارضة تريد حلاً جذرياً ولا مجال لاختراقها..

يأخذ الاستحقاق الرئاسي في لبنان اليوم أهمية كبرى كونه يشكل أحد مؤشرات اتجاهات المناورات التكتيكية الأمريكية في المنطقة، ولما له من أهمية داخلية على مستقبل لبنان ووحدته الوطنية.
من هذا المنطلق أجرت قاسيون الحوارين التاليين لتضع قرائها بصورة ما يجري في لبنان وتداعياته الداخلية والإقليمية..

• الأستاذ غالب قنديل الإعلامي والمحلل السياسي، هناك من يدّعي أن ترشيح فريق 14 شباط للعماد ميشال سليمان قد أربك المعارضة، ما الحقيقة في ذلك؟.

الترشيح بالتأكيد لم يربك المعارضة لأن أقطاب الموالاة مع السفير الأمريكي حين قرروا أن ينتقلوا إلى طرح ترشيح العماد ميشال سليمان سحبوا الاسم من لائحة المعارضة، فالعماد سليمان كان مطروحاً منذ شهر تموز بمبادرة من الرئيس بري كمشروع للتوافق، ويومها خرج كلام من السفير الأمريكي بعدم الممانعة في تعديل الدستور وتحّرك أقطاب الموالاة وحاضنوها من المحافظين الجدد في واشنطن لإخماد كل هذه السيرة نهائياً وفي جلسات التفاوض بين الرئيس نبيه بري، وسعد الحريري الأخيرة قبيل انتهاء المهلة الدستورية طرح اسم العماد ميشال سليمان. هو لم يكن مدرجاً على لائحة البطريرك. طرح سعد الحريري اسم حاكم مصرف لبنان الأستاذ رياض سلامة بوصفه من الفئة التوافقية، فكان جواب الرئيس نبيه بري أن انتخاب السيد سلامة يتطلب تعديلاً للدستور، حينها انتفض الحريري قائلاً: إن هذا سيفتح باباً أمام ميشال سليمان، ولذلك فلنسحب الموضوع من النقاش.

• هذا الكلام نشر في الصحف..

لماذا انتقلوا إلى طرح العماد سليمان؟ هناك مجموعة من الأسباب: السبب الأول أنهم ليسوا قادرين على الانتخابات خارج النصاب الدستوري، لأنهم أولاً ليسوا قادرين على تأمين الإجماع في صفوفهم على اسم معين لكثرة المرشحين، ولتضارب المصالح والحسابات. وثانياً: لأنهم مع ظهيرهم الأمريكي وحلفائه وأدواته في المنطقة تبين لهم أنهم عاجزون عن تحمل كلفة هذا الخيار.
فأقطاب المعارضة، وبصورة خاصة العماد ميشيل عون والوزير سليمان فرنجية والرئيس عمر كرامي والسيد حسن نصر الله والوزير طلال أرسلان، أعلنت أن هذا الخيار سيعتبر خياراً تصادمياً انقلابياً، وسيجري الرد عليه بصورة حاسمة لا تعطي مجالاً لحضور هذا الفريق في الواقع السياسي اللبناني، والتقارير الأمريكية التي أرسلت إلى واشنطن لاسيما بعد زيارة الجنرال «وليم فالون» إلى لبنان موفداً من بوش كانت تقول إن الذهاب إلى التصادم سينهي ما سمي بثورة الأرز وقوى ثورة الأرز.
سقوط هذه المناورة واحتراق هذه الورقة استبدلوها بخيار السنيورة، بمعنى أن يعتبروا حكومة السنيورة هي الجهة التي آلت إليها الصلاحيات الرئاسية. أيام قليلة بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود وتحرك العماد عون في مناخ مايشبه الانتفاضة المسيحية على تهميش الدور المسيحي معبراً عنه بهذه الخطوط. بدؤوا يشعرون بخطورة السير في هذا الخيار، والانشقاق بدأ في صفوفهم تحت ضغط الشارع، ولذلك أصبحوا مضطرين إلى سلوك طريق التوافق، وعادوا إلى خيار كانوا قد رفضوه وعطلوه وهو خيار العماد ميشال سليمان.
 
• هل جرى تحت عنوان التوافق، تمرير الاستحقاق الرئاسي على حساب الاستحقاقات الوطنية الكبرى: الحكومة، التوجهات السياسية اللاحقة، سلاح المقاومة...؟؟

المعارضة تريد حلاً ولا تريد وَهْمَ حل. والمعارضة ترفض بإصرار إحراق ورقة العماد سليمان أو وضعه في فخ الأزمات المتراكمة بعد انتخابه. المعارضة قراءتها اليوم تقوم على ما يلي:
ـ المطلوب رئيس توافقي يكون عنواناً لتفاهم وطني يؤمن حلولاً لجميع قضايا النزاع والخلاف المتراكمة منذ سنتين. والتعامل مع هذه المشكلات لايكون بالقول سنحيلها إلى الحوار بعد الانتخابات الرئاسية. لن تجري الانتخابات الرئاسية إلا ليكون الرئيس عند تسليم صلاحياته الدستورية عنواناً لروزنامة تنفيذية تضع البلد على طريق الحل، ولذلك ما تطرحه المعارضة اليوم هو أن التفاهم يجب أن يتم من الآن قبل الانتخاب وقبل تعديل الدستور.
في موضوع المقاومة، لا نقبل أن يبيعنا أحد شيئاً من كيسنا. عجز الأمريكيون وفشل الإسرائيليون واختفى كل خصوم المقاومة لأنهم لا يستطيعون نزع سلاح المقاومة، وبالتالي لا فضل لأحد أن يقرّ بهذه الحقيقة. استراتيجية العماد ميشال سليمان تقوم على شراكة الجيش اللبناني مع المقاومة بالدفاع عن الوطن، وهي بهذا المعنى جزء من استراتيجية الدفاع الوطني، ويجب أن تكون في صلب البيان الوزاري وخطاب القسم، وموضوعاً لتمهيد الطريق في انتخاب الرئيس.
كما أنه ليس مسموحاً أن يأتي رئيس للحكومة ممن عادوا سورية لأنه سيكون عاجزاً عن محاورتها. العماد سليمان اتخذ موقفاً معروفاً بالحرص على العلاقة اللبنانية السورية، ومارس هذه القناعة من خلال قيادته للجيش، وفي حدود ما تتيحه له صلاحياته، ولكن الحكومة مع رئيس الجمهورية يجب أن تكون مهيأة للحوار مع سورية والقيام بنقلة جديدة في العلاقة اللبنانية السورية، ولذلك فإن أي رئيس يعادي سورية مرفوض، وبالتالي، ولاعتبار لبناني توافقي أيضاً، المطروح من وجهة نظر المعارضة تسمية رئيس للحكومة من الفئة التوافقية طالما أن رئيس الجمهورية توافقي، وبالتالي من خارج تيار المستقبل.
 
• الموالاة بعد لقاء أنابوليس تحدثت كثيراً عن تحجيم خيار المقاومة في لبنان، برأيك ما علاقة أنابوليس بالاستحقاق الرئاسي، وبهذه الأوهام التي تروّج لها الموالاة؟

الموالاة التي ارتبطت بالأجهزة الأمريكية وحساباتها في المنطقة، تحاول تعويض فشلها التاريخي، بعد عاشت أن أوهام ضرب سورية، والحرب على إيران، وهم مايزالون ينتظرون. لكن منذ 14 آب 2006 انقلبت معادلات المنطقة.
كان الحدث في أنابوليس حضور سورية بعد الإصرار الأمريكي على حضورها، لأن ذلك كان تعبيراً عن المعادلة الجديدة، هم توهموا أن الحضور السوري يمكن أن يؤسس للوهم الأمريكي الإسرائيلي حول إمكانية فك العلاقة الاستراتيجية السورية الإيرانية، لكن جاءت زيارة نائب وزير الخارجية فيصل المقداد إلى طهران وحديثه عن علاقة استراتيجية سورية إيرانية لقطع الطريق على هذا النوع من الأوهام. سورية صاحبة خيارات استراتيجية، ولكنها في الوقت نفسه تعتمد سياسة واقعية تقيم حسابات ومسافات في الاتفاق والاختلاف. الولايات المتحدة هي إمبراطورية مهزومة في الشرق اليوم، وإسرائيل هي قوة عدوانية مهزومة في الشرق العربي اليوم، وبالتالي فإن إدارة الولايات المتحدة التي اعتمدت استراتيجية الحروب والغزوات في إدارة المنطقة تكمل ما بدأته على توتر منخفض، وهذا يعني أن شكل الصراع الجديد سيكون المفاوضات والحوارات.. هذا ما تدركه وتمارسه سورية.
حضور سورية هو إذعان لدور سورية المحوري في المنطقة، بينما القوى الدائرة في الفلك الأمريكي هي قوى هامشية لا حول لها ولا قوة. قال الأمريكيون للموالاة: نحن لسنا في وارد الحروب الكبرى ولا التدخلات، فاذهبوا ورتبوا أموركم بأفضل شروط تستطيعون أن تحصلوا عليها.
 
• بعد لقاء أنابوليس هناك محاولات أمريكية لتشديد الحصار على إيران. هل تحول الإدارة الأمريكية التهدئة لبنانياً، للمضي نحو الهدف الرئيسي: إيران؟

إدارة بوش تنكرت لوثيقة بيكر ـ هاملتون التي أذيعت ونشرت بعد الهزيمة في لبنان (2006) وحاولت هذه الإدارة الالتفاف طويلاً عن توصيات وثيقة بيكر ـ هاملتون. لكن ما يجري اليوم هو الانتقال إلى مضمون هذه الوثيقة.
اللهجة الأمريكية تجاه إيران انتقلت في التعبيرات. قبل أنابوليس بأسبوعين كان بوش يهدد بالهجوم على إيران، أما إذا دققنا في خطابه في أنابوليس نجد أنه يحذّر إيران من مهاجمة إسرائيل... هذا الانتقال في نبرة الامبراطور المهزوم هو تعبير عن توازن القوى الأصيل. وقبل هذا الكلام الذي صدر عن بوش انتقلوا في التهديدات التي وجهت إلى إيران من التهديد بتدمير 3500 هدفاً إلى التهديد باستهداف الحرس الثوري وتدمير فيلق القدس فيه. الآن هم يتحركون في مجال الحديث عن عقوبات وهو أمر يواجه تعقيدات كبيرة لأن المعادلة الدولية اختلفت، يريدون من إيران أن تجتمع ثنائياً في بغداد للبحث في موضوع العراق.
ورطتهم العراقية ترغمهم على التعاون مع إيران، وهذا السلوك هو سلوك هو تعبير عن مأزق الإمبراطورية المهزومة، وليس تعبيراً عن استمرار الاندفاعة الهجومية. والأمر ذاته ينطبق على سورية، إذ يضطرون للتحادث مع سورية على مستويات معينة، واستجدوا حضور سورية في أنابوليس لأن جماعتهم الذين وعدوهم في شرم الشيخ بإقامة حلف علني مع إسرائيل لم يستطيعوا المضي في هذا الخيار.  واكتشفوا بالتجربة أنهم عاجزون عن ذلك والدليل هو زيارة الملك الأردني إلى دمشق، وهو جاء تعبيراً عن هذا التحول في موقف المحور العربي الذي شارك في محاصرة سورية خلال الفترة الماضية بناءً على التوجه الأمريكي.
 
• بالعودة للموضوع اللبناني، ماذا ينتظر لبنان في الفترة القصيرة القادمة؟!

ما نستطيع قوله في تشخيص الواقع الحالي أن مناخ التوافق على العماد ميشال سليمان أقام صمام أمان يسمح لحالة هادئة من التفاوض الذي يتناول سلة التفاهمات المطلوب إنجازها على صعيد الشراكة الوطنية، والمقاومة ورئاسة الحكومة وتشكيلها، وعلى صعيد العلاقة اللبنانية السورية، هذه المسائل تريدها المعارضة وتصر عليها أن تكون سابقة لعملية الانتخاب...
ليس هناك إمكانية لاختراق المعارضة والفرق بين المعارضة والموالاة أن المعارضة موحدة متماسكة وتعرف ما تريد، وعندما وقع العدوان الإسرائيلي في تموز ظل أركان الموالاة 33 يوماً يصيحون ويتصلون بالأمريكيين نريد حلاً جذرياً أي أنهم يريدون تصفية المقاومة وإطالة أمد الحرب حتى تحقيق هذا الهدف.
اليوم المعارضة تريد حلاً جذرياً، والحل الجذري هو توافق وطني حول جميع القضايا المختلف عليها بهدف التأسيس لاستقرار وطني شامل يمكن أن يتضمن حلولاً جذرية لجميع قضايا الخلاف التي حكمت الواقع اللبناني طيلة السنوات الماضية ولن تقع المعارضة في فخ ولن توقع العماد ميشال سليمان في هذا الفخ.